شبكة سبيل المؤمنين العلمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ابن بطوطة يفتري الكذب على ابن تيمية

اذهب الى الأسفل

ابن بطوطة يفتري الكذب على ابن تيمية   Empty ابن بطوطة يفتري الكذب على ابن تيمية

مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل الخميس فبراير 29, 2024 6:00 pm

ابن بطوطة يفتري الكذب على ابن تيمية
للشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله
مما افتراه الخراصون على شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه أنه كان يوما يعظ الناس على منبر جامع دمشق، فكان من جملة كلامه أنه قال: ((إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر))، ومن العجب المقنع بالأعاجيب أن هذه الفرية المفتراة وجدت من يصدقها ويذيعها، ويدب بها صِلَّا غداراً جباناً ينفث بها سمومه.
فليس في كتب الإمام ابن تيمية، ولا في فتاويه التي خلفها شية من ذلك البهتان، ولا آثاره تنم عن هذه الفرية في ظنونها الآثمة، فابن تيمية المؤمن الصادق الموحد من أعلم الناس بربه، وما ينبغي لجلاله، إن ابن تيمية كان نداء الإيمان القوي الذي دوى، فأيقظ المسلمين من سبات الغفلة الجاهلة، كان نورا شعاعاً يمزق عن العقول أسداف التقليد.
إن ابن تيمية وجد القلوب يتنازع هواها جيفٌُ فهم فيها الضالون الربوبية من دون الله، فحاول جمعها على محبة الله الحي القيوم، وجد المسلمين قد لوثت عقولهم الفلسفة الحيرى، ومزق اعتقادهم علم الكلام المضطرب، وأضلت قلوبهم الصوفية الزنديقة، وشتت دينهم الفقهاء المتنابذون، فأعلن في جرأة الحق وصولة الإيمان القوي، غير هياب ولا وجل، أن كلمة الله هي العليا ، وأن الدين نبعٌ من كتاب الله وإشراقٌ من سنة رسول الله، أعلن أن الدين ليس فلسفة ولا كلاماً ولا صوفية ، ولا ((فقهنة)) بل إن الدين هدي يستهل إشراقاً من الذكر الحكيم، ومن سنة النبي الكريم، فأنّى لابن تيمية الخاضع الضارع الخشوع لله أن يشبه نزول ربه بنزوله هو من على منبره ؟! .. آه لو تجردت العقول من الهوى، ولو رفع عنها حجب التقليد العمياء الصماء، لرأت الحق أبلج البرهان، ولشهدت الهدى علوي البيان !!.
بدهتني هذه الفرية منذ زمن، فطالعت من كتب شيخ الإسلام ما ثبّت يقيني أن الشيخ بريء من هذه الفرية؛ ولكني ساءلت نفسي: أيقنا بكذب الفرية ، ولكن أين ؟ ومن هو المفتري ؟! ومن ذا الذي تسرب بها في ثنايا التاريخ أفعواناً يدب على ختل وغدر ؟ وما زلت تصرفني الصوارف ، ثم يعود بي الفكر كلما جادلني مجادل مقلد، ومضى يُرجف بهذه الفرية، ويبدهني بهُجره: حسبكم ضلالاً يا أنصار السنة قولكم وقول ابن تيمية: إن الله ينزل من فوق عرشه كنزولكم من على منابركم. ثم أحيله إلى كتب شيخ الإسلام فينفر مذعوراً غبي الجوف قائلاً: أأقرأ في كتب ابن تيمية ليهدم عقيدتي ؟! كلا !! إنها سم زعاف !!.
نعم يا رجل: سم زعاف لطاغوتك، وصاعقة تدمر على رءوسها أصنامك !!
وما زلت حتى أعثرني الله على المفتري الكذوب، وبدهي أن أشنع الكذب ما كانت الماديات المحسة تكذبه، وما كانت حقائق التاريخ الجلية ترميه بالبهتان
ها هو كتاب ((مهذب رحلة ابن بطوطة)) في يدي، وهأنذا أطالع من جزئه الأول ما يأتي: (( وصلت يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المعظم عام ستة وعشرين إلى مدينة دمشق الشام)) (1) ، ثم أطالع بعدها فأجد ابن بطوطة يقول: ((وكان بدمشق من كبار فقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً (2) ، وكان أهل الشام يعظمونه أشد التعظيم ويعظهم على المنبر)) ثم يقول: ((حضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر)) (3) ...
هذا هو بيت القصيد كما يعبرون، فابن بطوطة الحقود على الإمام يريد رميه بما ابتدعه المبتدعة: بالتجسيم، يريد رميه بأنه يشبه صفات الخالق بصفات المخلوق، وأن هناك حركة متجسدة محسة يتحركها الإله، وبأن هنالك مسافات تطوى وتجشه جهدا كالإنسان، سبحان ربنا وتعالى
تلك هي فرية الحقد وبهتان الحسد ، ويقيني أنها المصدر الأول لكل حاقد مبغض لابن تيمية ولمقدريه، ولكن الله الذي يؤيد بالنصر أولياءه، ويقيم بالحق أود الحق، ويشيع نور العدل في حوالك الجور، أقول: إن الله العدل الخبير جعل لنا من الحقائق المادية التي يكاد يلمسها الحس حجة على ابن بطوطة تدمغه بالإفك ، وتجعل من بهتانه فرية ((مُسَيلميّة)) النسب ، ((بهائية)) الدعوى ...
يقول ابن بطوطة: إنه وصل دمشق في يوم الخميس التاسع من شهر رمضان عام ستة وعشرين وسبعمائة هجرية، فهو يحدد تحديدا دقيقا باليوم، وبالشهر وبالسنة، وقت دخوله دمشق ، ولا ريب أنه سمع ابن تيمية –كما يفتري- بعد ذلك، لأنه سمعه يوم الجمعة، فلا ريب يكون مراده أنه سمعه يوم العاشر من رمضان، إن لم يكن بعد ذلك، وإنه بهذا التحديد الدقيق أقام الحجة على كذبه الكذوب، وإليك الدليل:
هاهو كتاب العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (4) بيدي ، وهأنذا أقرأ فيه: ((فلما كان في سنة ست وعشرين وسبعمائة وقع الكلام في مسألة شد الرحال وإعمال المطي إلى قبور الأنبياء والصالحين، وظفروا للشيخ بجواب سؤال في ذلك كان قد كتبه من سنين كثيرة يتضمن حكاية قولين في المسألة وحجة كل قول منهما، وكان للشيخ في هذه المسألة كلام متقدم أقدم من الجواب المذكور بكثير ذكره في كتاب ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (5) وغيره وفيه ما هو أبلغ من هذا الجواب الذي ظفروا به)).
ويقول في صفحة تسع وعشرين وثلاثمائة: ((ولما كان يوم الإثنين بعد العصر السادس من شعبان من السنة المذكورة ((726 هـ)) حضر إلى الشيخ من جهة نائب السطلنة بدمشق مِشَدُّ الأوقاف، وابن خطير، أحد الحجاب، وأخبراه: أن مرسوم السلطان ورد بأن يكون في القلعة، وأحضرا معهما مركوباً، فأظهر الشيخ السرور بذلك، وقال: أنا كنت منتظراً ذلك، وهذا فيه خير عظيم، وركبوا جميعاً من داره إلى باب القلعة، وأخليت له قاعة حسنة، وأجرى إليها الماء، ورسم له بالإقامة فيها، وأقام معه أخوه زين الدين يخدمه بإذن السلطان، ورسم له بما يقوم بكفايته وفي يوم الجمعة عاشر الشهر المذكور قرئ بجامع دمشق الكتاب السلطاني الوارد بذلك وبمنعه من الفتيا، وفي يوم الأربعاء منتصف شعبان أمر القاضي الشافعي بحبس جماعة من أصحاب الشيخ بسجن الحكم، وذلك بمرسوم النائب له، في فعل ما يقتضيه الشرع في أمرهم، وأوذي جماعة من أصحابه، واختفى آخرون، وعزر جماعة، ونودي عليهم، ثم أطلقوا، سوى الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر إمام الجوزية فإنه حبسبالقلعة وسكنت القضية)) ، ويقول ابن عبد الهادي بعد ذلك: ((ثم إن الشيخ رحمه الله بقي مقيماً بالقلعة سنتين وثلاثة أشهر وأياماً، ثم توفي إلى رحمة الله ورضوانه، وما برح في هذه المدة مكباً على العبادة والتلاوة وتصنيف الكتب والرد على المخالفين)) (6).
ويقول ابن عبد الهادي –راوياً عن الشيخ علم الدين- ما يأتي: (( وفي ليلة الإثنين لعشرين من ذي القعدة من سنة ثمان وعشرين وسبعمائة توفي الشيخ الإمام العلامة الفقيه، الحافظ ، الزاهد ،القدوة، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس، أحمد بن شيخنا الإمام المفتي شهاب الدين، أبي المحاسن عبد الحليم، بن الشيخ الإمام شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات، عبد السلام بن عبد الله، بن أبي القاسم، بن محمد بن تيمية الحراني ثم الدمشقي، بقلعة دمشق، التي كان محبوساً (7) فيها ))
ومن هذه النصوص نفهم أن ابن تيمية سجن في شعبان سنة 726 ، ونفهم أنه دخل سجنه بالقلعة في دمشق ، ومكث فيها عامين لم يخرج فيهما مطلقاً حتى توفي رضي الله عنه في ذي القعدة سنة 728، والذي يقص لنا كل هذا تلميذه الصدوق ابن عبد الهادي، ومن أرخوا لابن تيمية حدودا هذه التواريخ المذكورة من قبل.
بعد تقرير هذا نعود لمناقشة ابن بطوطة على ضوء مشرق من هذه الحقائق التاريخية الثابتة اليقين
يقول ابن بطوطة: إنه دخل دمشق في تسع خلت من رمضان عام 726 هـ وأنه سمع يوم الجمعة بنفسه وأذنه ابن تيمية يخاطب على المنبر في الجامع بدمشق مشبهاً نزول الله-جل الله سبحانه- بنزوله من على منبره.
والثابت من تاريخ ابن تيمية أنه سجن في 6 شعبان سنة 726 هـ بالقلعة وأنه ظل في سجنه حتى مات ، لم يخرج منه بعد عامية وثلاثة أشهر وأيام سنة 728 هـ
يثبت من هذا أن ابن بطوطة دخل دمشق بعد أن سجن ابن تيمية بشهر يزيد قليلا فابن تيمية سجن في 6 شعبان بعد أن مضى على سجنه أربعة وثلاثون يوماً، ياللكذب الفاضح المفضوح ؟؟!!
ابن تيمية سجين القلعة حين دخل ابن بطوطة دمشق !. فمتى سمع ابن بطوطة خطبة ابن تيمية ؟! إن ابن تيمية ما كان يغادر محبسه مطلقاً، لعل شيطان ابن بطوطة تمثل بابن تيمية فخطب على الجامع فسمعه ابن بطوطة !!! من هذا التحقيق الجلي لواقع التاريخ يعلن التاريخ في قوة وجلاء، بل يصرخ في وجه ابن بطوطة راميا إياه بالافتراء والكذب على ابن تيمية ، فمن المستحيل المادي المحس الواقعي أن يكون ابن بطوطة قد سمع ابن تيمية
بقى أن نعرف سر حقد ابن بطوطة على شيخ الإسلام ابن تيمية وافترائه عليه هذه الفرية، لو قرأت رحلة ابن بطوطة لفهمت السر ... إن ابن بطوطة كان ممن يعبدون من يسميهم أولياء، ويستشفع بقبورهم ، ويثبت لأولياءه علم الغيب ، والقدرة على التصرف، وكتابه مشحون بأمثال هذه الوثنيات وما من بلد نزل فيها إلا ويثبت لقبر فيها كرامة وتصريفاً، وأنه استشفع بالقبر فأجيبت شفاعته ولو نقلنا عنه بعض ما ذكر لطال بنا المقام فحسبنا الإشارة إلى ذلك،
وابن تيمية كان في عصره المعول القوي الذي دك هياكل الأصنام والطواغيت على سدنتها وعبادها ، لقد أشعلها لظى تمور على البدع والأساطير والخرافات، وابن بطوطة من السدنة العباد، فلم لا يشنع على ابن تيمية بهذا ؟!!!
ها نحن كذبنا من الناحية التاريخية تلك الفرية ، بقي أن نكذبها من الناحية الموضوعية ، ولو ذهبنا نتقصى كتب ابن تيمية عن النزول وسواه من صفات الله وأسمائه في كتبه لطال بنا الوقت، ولطال المقام كثيراً، والسطر اليوم في المجلة بقدر وحساب فنكتفي بذكر ما يأتي وأمرنا إلى الله
يقول شيخ الإسلام: (( مذهب السلف والأئمة اثبات الصفات ونفي مماثلتها لصفات المخلوق، فالله تعالى موصوف بصفات الكمال الذي لا نقص فيه، منزه عن صفات النقص مطلقاً، ومنزه عن أن يماثله غيره في صفات كماله، فهذان المعنيان جمعا التنزيه، وقد دل عليهما قول الله تعالى: ((قل هو الله أحد ، الله الصمد)) فالأسم ((الصمد)) يتضمن صفات الكمال، والأسم ((الأحد))، يتضمن نفي المثل، .... فالقول في صفاته كالقول في ذاته، والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله)).
أفمن يقول هذا يشبه نزول الله إلى سماء الدنيا بنزوله هو ؟ أم هو الحقد الحقود من ابن بطوطة وعبد الطاغوت على شيخ الإسلام ابن تيمية ؟!
ولعلنا لا نجد بعد ذلك من قوم يبغضون كل حق على لسان عربي، ويقدسون كل باطل على لسان أعجمي.
عبد الرحمن الوكيل.
[ مجلة الهدي النبوي العدد (3) عام 1371 هـ ]
وعدد جمادى الأولى 1416هـ  من مجلة التوحيد(ص38)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ص 68 من مهذب رحلة ابن بطوطة ج1 ص 939.
(2) تأمل حقد ابن بطوطة علىشيخ الإسلام ابن تيمية حيث يفتري عليه
هذه الفرية، ولست أدري كيف يكون ابن تيمية مخبولا ثم يعظمه أهل الشام هذا
التعظيم ؟ إلا أن يكونوا جميعا مخبولين، وكيف يخلف من "في عقله شيء" هذا
التراث الأدبي الفكري الرائع الذي يسمو به العقل البشري إلى الآفاق
العلوية الذرى في العقيدة الناصعة والعمل الصالح ؟
(3) ص 77 ج 1 المرجع السابق
(4) تأليف الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد ابن عبد الهادي تلميذ ابن
تيمية ، بتحقيق فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ محمد حامد الفقي ط 1938 ، ص
327.
(5) طبعت مطبعة السنة المحمدية هذا الكتاب القيم الجليل بتحقيق العالم
المحقق محمد حامد الفقي، طبعة متقنة فخمة بفهارس جيدة ، والكتاب كله علم
وحق وحكمة ، فانظر فيه الحجة والدليل على ما يذكر ابن عبد الهادي في أكثر
من صفحة
(6) ص 361 من كتاب العقود الدرية.
(7) ص 369 من كتاب العقود الدرية


أبو عبد الله أحمد بن نبيل
أبو عبد الله أحمد بن نبيل
المشرف العام
المشرف العام

الدولة : مصر
المساهمات : 1424
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 47

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ابن بطوطة يفتري الكذب على ابن تيمية   Empty رد: ابن بطوطة يفتري الكذب على ابن تيمية

مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل الثلاثاء مارس 19, 2024 12:12 pm


أكذوبة ابن بطوطة في رحلته عن شيخ الإسلام
( فقداستدل كثير من خصوم ابن تيمية للنيل منه بقصة ذكرها ابن بطوطة في رحلته المشهورة، حيث زعم أنه شاهد ابن تيمية على منبر الجامع بدمشق يعظ بالناس ويشبع نزول الله إلى السماء الدنيا بنزوله هو من درجة المنبر!
ما صحة هذه الرواية؟
وما هي حقيقتها؟
وهل كان ابن تيمية حقاً يعتقد بالتشبيه ؟)
( والحقيقة أن ما ذكره ابن بطوطة - غفر الله له - عن شيخ الإسلام ابن تيمية لا قيمة له ولا وزن في الميزان العلمي والبحثي)، وقد قرر كبار الباحثين المختصين في تراث ابن بطوطة وابن تيمية بأن هذه القصة مختلقة ولا سند يدعهما أو يصححها، والسبب في ذلك .. فيما يلي :
(*) أولاً : ثبوت عدم دقة وأمانة ابن بطوطة في رحلة.
تكلم كثير من العلماء عن رحلة ابن بطوطة، وتناولوها بالنقد والتحليل والدراسة، وخلصوا أنها مجرد مذكرات كتبها المؤلف، ولا تعد توثيقاً أميناً يمكن الاعتماد عليه.
فهذه الرحلة ليست من كتب التاريخ المعتبرة والمعتمدة، فضلاً عن مؤلفها الذي لم يكن معروفاً أنه من أهل الدراية والخبرة والعلم، وقد أثبت المحقق "حسن السائح" في تقديمه لكتاب (تاج المفرق في تحلية علماء المشرق) للشيخ خالد بن عيسى البلوي، أن ابن بطوطة ربما سمع باسم عالم من علماء البلد التي زارها، فيذكر اسمه في رحلته ولو لم يتصل به اتصالاً شخصياً، أو يقابله حقيقة، بل يستفيد مما سمعه ويضمنه رحلته وكأنه قابله أو شاهده، كما فعل في تونس حين ذكر علماً من أعلامها وهو ابن الغماز.
ومما يزيد الأمر وضوحاً .. أن رحلة ابن بطوطة تضمنت أموراً يقطع العلم بكذبها، كما قال إنه زار بعض الجزر والبلدان التي فيها نساء ذوات ثديِ واحدة!!!
وبعض العجائب والخرافات التي حكاها في رحلته يقطع الإنسان بأنها مختلقة ومجرد أساطير يتناقلها الناس، ويسجلها ابن بطوطة وكأنه شاهدها أو اتصل بها!
(*) ثانياً : تحقيق ما نسبه ابن بطوطة لابن تيمية رحمهما الله.
من يحقق ويدقق فيما نقله ابن بطوطة عن ابن تيمية يقطع بكذبه، وذلك لأن ابن بطوطة ذكر أنه حضر يوم الجمعة وابن تيمية يعظ الناس على منبر الجامع ونزل من درجة المنبر وهو يقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا.. إلخ.
وهنا لنا وقفات نقدية علمية .. أهمها :
(1) أن ابن بطوطة -غفر الله له- كذب ولم يسمع من ابن تيمية ولم يجتمع به، إذا كان وصوله إلى دمشق يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المبارك عام ست وعشرين وسبعمائة هجرية، وكان سجن ابن تيمية في قلعة دمشق أوائل شعبان من
ذلك العام، إلى أن توفاه الله تعالى ليلة الأثنين لعشرين من ذي القعدة عام ثمان وعشرين وسبعمائة هجرية!!
والسؤال الجوهري : كيف رآه ابن بطوطة يعظ على منبر الجامع وسمع منه ؟؟!
(2) أن كل من ترجم لشيخ الإسلام ابن تيمية لم يذكر أبداً أنه كان يخطب أو يعظ على منبر الجمعة، ولو كان ذلك كذلك لذكره من ترجم له لأهميته، وإنما كان شيخ الإسلام يجلس على كرسي يعظ الناس، ويكون له مجلساً غاصاً بأهله.
(3) أن حادثة مشهورة جداً جداً مثل هذه الحادثة، فهي أمام الناس، وعلى منبر في مكان مشهور، ومن عالم مشهور ومحسود وله أعداء كثر، ويقول مالا يسع الناس السكوت عنه، ثم ينفرد بنقل هذه الحادثة -التي تتوافر جميع أسباب نقلها وتواترها فيها- ابن بطوطة !!!
(*) ثالثاً : حقيقة كتاب رحلة ابن بطوطة.
وإذا حققنا القول في ذات كتاب الرحلة، وأنصفنا مؤلفه، فإننا قد نخلص إلى أن الكذب والتلفيق والخرافات الموجودة في هذا الكتاب ليست من صنع ابن بطوطة نفسه، بل من النسّاخ، وهذا كثير ما يحصل، حتى الكتب السماوية السابقة قد دخلها من النسّاخ التحريف الكثير.
وقد نبه الحافظ الإمام ابن حجر إلى أن ابن بطوطة -رحمه الله- لم يكتب تفاصيل رحلته وإنما الذي كتبها وجمعها هو أبو عبدالله بن جزي الكلبي وهو من نمقها، وكان العلامة البلفيقي يتهمه بالكذب والوضع !!
وبالرجوع إلى نفس الرحلة نجد أن ابن جزي الكلبي يقول في المقدمة:
( ونقلت معاني كلام الشيخ أبي عبدالله بألفاظ موفية للمقاصد التي قصدها، موضحة للمعاني التي اعتمدها)!!!
ويقول في آخر الكتاب : ( انتهى ما لخضته من تقييد الشيخ أبي عبدالله محمد بن بطوطة).
وهذا يدل صراحة أن كتاب رحلة ابن بطوطة لم يصلنا بألفاظ مؤلفه، بل الناقل نص على تدخله في الألفاظ والكلمات.
(*) رابعاً: عقيدة شيخ الإسلام المتواترة عنه تثبت اختلاق هذه القصة.
من كان له إلمام سطحي أو بسيط في تراث شيخ الإسلام ابن تيمية يقطع جازماً أن هذه القصة مختلقة، وليراجع من يشاء مجموع الفتاوى، أو درء التعارض ليعلم أن ابن تيمية يحارب هذا الفكر، ولا يؤمن إلا بما آمن به سلف الأمة رضوان الله عليهم.
بل فليراجع من يشاء كتاب "شرح حديث النزل" لابن تيمية ليتعرف عن قرب على عقيدته في نزول الرب سبحانه، وصفاته تعالى.
(*) خامساً: شهادة أهل الإنصاف من العلماء.
إذا كان هناك من يستجيز الكذب والبهتان لينصر مذهبه، أو ليهزم خصمه، فإن كثيراً من العلماء وفي شتى المذاهب لا يبيعون دينهم فيكذبون لنصرته.
فهذا الشيخ العلامة "إبراهيم الكوراني الشافعي الأشعري" يقول في حاشيته المسماة ( مجلى المعاني على شرح عقائد الدواني) ما نصه : (ابن تيمية ليس قائلاً بالتجسيم، فقد صرح بأن الله تعالى ليس جسماً في رسالة تكلم فيها على حديث النزول كل ليلة إلى السماء الدنيا، وقال في رسالة أخرى: "من قال إن الله تعالى مثل بدن الإنسان أو أن الله تعالى يماثل شيئاً من المخلوقات فهو مفتر على الله سبحانه" ).
ثم قال الشيخ العلامة إبراهيم الكوراني: ( بل هو على مذهب السلف من الإيمان بالمتشابهات مع التنزيه بليس كمثله شيء).
وهذا المحقق الدكتور "علي المنتصر الكتاني" الذي حقق كتاب ( رحلة ابن
بطوطة) يقول عن هذه القصة : ( هذا محض افتراء على الشيخ رحمه الله، فإنه كان قد سجن بقلعة دمشق قبل مجيء ابن بطوطة إليها بأكثر من شهر، فقد اتفق المؤرخون أنه اعتقل بقلعة دمشق لآخر مرة في اليوم السادس من شعبان سنة
726هـ ولم يخرج من السجن إلا ميتاً، بينما ذكر المؤلف -ابن بطوطة- في الصفحة 102 من كتابه أنه وصل دمشق في التاسع من رمضان)!!
وهذا "محمد سعيد رمضان البوطي"!! يقول :
( ونحن نعجب عندما نجد غلاة يكفرون ابن تيمية رحمه الله ويقولون إنه كان مجسماً، ولقد بحثت طويلاً كي أجد الفكرة أو الكلمة التي كتبها أو قالها ابن تيمية والتي تدل على تجسيده فيما نقله عنه السبكي أو غيره فلم أجد كلاماً في هذا قط .. ورجعت إلى آخر ما كتبه أبو الحسن الأشعري وهو كتاب الإبانة فرأيته هو الآخر يقول كما يقول ابن تيمية، إذن فلماذا نحاول أن نعظم وهماً لا وجود له؟ ولماذا نحاول أن ننفخ في نار شقاق؟)
(**) إضافة يسيرة :
( 1 ) قال فضيلة الشيخ عبدالعزيز الراجحي - حفظه المولى - :
( ابن بطوطة معروف أنه ليس بمحقق وأنه كذب على شيخ الإسلام ابن تيمية كما
ذكر في الحاشية أنه قال: إن شيخ الإسلام ابن تيمية مشبه، وأنه كذب عليه،
وأنه قال: إني وافقت ابن تيمية وأنه قال: إن الله ينزل مثل نزولي عن هذا
المنبر، هو كذب، ما أدرك شيخ الإسلام ابن تيمية وإنما لما دخل بغداد -لما
دخل البلاد- كان شيخ الإسلام مسجونًا في ذلك الوقت.)
من شرح الشيخ لكتاب تطهير الاعتقاد .
( 2 ) تكلم عن قصة ابن بطوطة الشيخ العلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى رحمه
الله – وهو من أعلام الدعوة النجدية – قال رحمه الله تعالى : ((...وذكر
ابن بطوطة في رحلته المشهورة . قال : " وكان دخولي لبعلبك عشية النهار ،
وخرجت منها بالغدو لفرط اشتياقي إلى دمشق ، وصلت يوم الخميس ، التاسع من
شهر رمضان المعظم ، عام ستةٍ وعشرين وسبع مئة إلى مدينة دمشق الشام ،
فنزلت فيها بمدرسة المالكية المعروفة بالشرابيشية " . إلى أن قال : "...
وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة ، تقي الدين بن تيمية كبير الشام .
يتكلم في الفنون .." وإلى أن قال : ".. فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس
على منبر الجامع ، ويذكرهم ، فكان من جملة كلامه أن قال : إن الله ينزل
إلى الشماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من المنبر ، فعارضه فقيه مالكي
يعرف بابن الزهراء "... إلى آخر ما هذى به ابن بطوطة .
أقول واغوثاه بالله من هذا المكذب .الذي لم يخف الله كاذبه ، ولم يستحي
مفتريه ، وفي الحديث ( إذا لم تستحي فصنع ما شئت ) ووضوح هذا الكذب ، أظهر
من أن يحتاج إلى الإطناب ، والله حسيب هذا المفتري الكذاب ، فإنه ذكر أنه
دخل دمشق في 9 رمضان سنة 726 وشيخ الإسلام ابن تيمية إذ ذاك قد حبس في
القلعة ، كما ذكر ذلك العلماء الثقات ، كتلميذه الحافظ محمد بن أحمد بن
عبد الهادي .
والحافظ أبي الفرج عبدالرحمن بن أحمد بن رجب في (( طبقات الحنابلة )) قال
في ترجمة الشيخ من ((طبقاته)) المذكورة : (( مكث الشيخ في القلعة من شعبان
سنة ست وعشرين ، إلى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين ، وزاد ابن عبدالهادي أنه
دخل في سادس شعبان . فانظر إلى هذا المفتري ، يذكر أنه حضره وهو يعظ الناس
على منبر الجامع . فياليت شعري ، هل انتقل منبر الجامع إلى داخل قلعة دمشق
، والحال أن الشيخ رحمه الله لما دخل القلعة المذكورة في التاريخ المذكور
لم يخرج منها إلا على النعش .
وكذا ذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير في ((تاريخه )) قال : وفي يوم
الاثنين بعد العصر ، السادس من شعبان سنة 726 اعتقل الشيخ تقي الدين بن
تيمية بقلعة دمشق ، حضر إليه من جهة نائب السلطنة مشد الأوقاف ، وابن
الخطير أحد الحجاب ، وأخبراه أن مرسوم السلطان حضر بذلك ، وأحضرا إليه
معهما مركوباً ، وأظهرا السرور بذلك ، وقال : أنا كنت منتظر لذلك ، وفيه
خير كثير ، وركبوا جميعاً من داره إلى باب القلعة ، وأخليت له قاعة ،
وأجري إليه الماء ، ورسم له بالإقامة فيها . وكان معه أخوه زين الدين
يخدمه بإذن السلطان ، ورسم بما يقوم بكفايته . انتهى كلامه . فأنظر كلام
تلامذته وغيرهم ، من العارفين بحاله ، أهل الورع والأمانة والديانة ، يتضح
لك كذب ، هذا المغربي عامله الله بما يستحق ، والله أعلم . وكم كذبوا عليه
، وبهتوه وقولوه أشياء هو برئ منها ، والأمر كما قال تلميذه الناظم :
فـالبهت عنــدكم رخيص ســعره . . . حثــوا بلا كيل ولا مــيزان . أ . هـ
من شرح قصيدة ابن القيم للعلامة أحمد بن عيسى
والله من وراء القصد
منقول


أبو عبد الله أحمد بن نبيل
أبو عبد الله أحمد بن نبيل
المشرف العام
المشرف العام

الدولة : مصر
المساهمات : 1424
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 47

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ابن بطوطة يفتري الكذب على ابن تيمية   Empty رد: ابن بطوطة يفتري الكذب على ابن تيمية

مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل الثلاثاء مارس 19, 2024 12:17 pm


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في الله حق جهاده وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، فصلى الله عليه وعلى آله الطبين الطاهرين وصحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .

نص التهمة
قال ابن بطوطة (57/1):"
فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس - أي ابن تيمية - على المنبر ...ونزل درجة من درج المنبر وقال - أي ابن تيمية - هكذا ينزل الله إلى السماء الدنيا ونزل درجة "
يقول أبو ناصر : وحاشاه أن يقول ذلك شيخ الإسلام .
أتهم شيخ الإسلام ابن تيمية بتشبيه الله تعالى بخلقه أو التجسيم على كثرة ردوده على المشبهة والمجسمة كما كان يرد على القدرية والجهمية والمعتزلة
وغيرهم من المؤولة والمعطلة وهو لا يزيد على ما وصف الله تعالى به نفسه في قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فقط ,
أثبت في هذه الآية لنفسه ذاتا وصفاتا وفيهما التنزيه عن المماثلة وهو سبحانه كما وصف نفسه سبحا نه بقوله :{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ}وكل شيء محتاج إليه وهو مستغني عما عداه وهو مالك العرش ومدبره فهو مستول على عالم الأجسام وأعظمها العرش كما هو مستول على عالم الروحانيات وهي مسخرة له .
لقد صدق كثير من العلماء والأدباء في مختلف العصور هذه الرواية الآتية في رحلة ابن بطوطة الشهير وجعلوها قضية مسلمة يروونها ويتوارثونها إلى عصرنا هذا حتى أن دائرة المعارف الإسلامية التي تنقل الآن إلى العربية في مصر قد ترجمت لإبن تيمية ترجمة بقلم الأستاذ محمد بن شنب فيها أغاليط كثيرة ونقلت عبارة ابن بطوطة هذه .

إن ابن بطوطة رحمه الله لم يسمع من ابن تيمية ولم يجتمع به إذ كان وصوله إلى دمشق يوم الخميس من شهر رمضان عام ست وعشرين وسبعمائة هجرية وكان سجن شيخ الإسلام في قلعة دمشق أوائل شعبان من ذلك العام إلى أن توفاه الله تعالى ليلة الإثنين لعشرين من ذي القعدة عام ثمان وعشرين وسبعمائة هجرية فكيف رآه ابن بطوطة يعظ على منبر الجامع وسمعه .
لم يكن ابن تيمية يعظ الناس على منبر الجامع كما زعم ابن بطوطة ( 57/1)" فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع " بل لم يكن يخطب أو يعظ على منبر الجمعة كما يوهمه قوله :" ونزل درجة من درج المنبر" وإنما كان يجلس على كرسي يعظ الناس ويكون الناس غاصا بأهله
على إن ابن بطوطة لم يكتب رحلته بقلمه وإنما أملاها على ابن جزي الكلبي وقال هذا في المقدمة( ونقلت معاني كلام الشيخ أبي عبد الله بألفاظ موفية
للمقاصد التي قصدها موضحة للمعاني التي اعتمدها ), فيجوز أن يكون ذلك من تحريف النساخ أو وسوسة بعض الخصوم والله أعلم .

وقال ابن خزي الكلبي في آخرها :" انتهى ما لخصته من تقييد الشيخ ابن بطوطة " وهذا دليل واضح على أن الرحلة لم تصلنا بألفاظ مؤلفها .

يقول زين العابدين : ولو قال ذلك شيخ الإسلام لطار بها ألد أعداء ابن تيمية ولم يتفرد بالإخبار عنها رحاله وهو ابن بطوطة .

المراجع
[تحقيق شرح حديث النزول لإبن تيمية لمحمد الخميس , ترجمة شيخ الإسلام لبهجت البيطار عليه رحمة الله] .


منقول


أبو عبد الله أحمد بن نبيل
أبو عبد الله أحمد بن نبيل
المشرف العام
المشرف العام

الدولة : مصر
المساهمات : 1424
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 47

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى