مجموع فتاوي العلماء السلفيين في بدعة حمل المجمل على المفصل من كلام البشر
صفحة 1 من اصل 1
مجموع فتاوي العلماء السلفيين في بدعة حمل المجمل على المفصل من كلام البشر
إعلام الأنام بأن رد المجمل للمفصل من كلام الناس
ابتدعها وزاد فيها القول بالنسخ عبد الله عزام ولم يجرؤ عليه اللئام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالذي يسير سير الصالحين، ويتمسك بما عليه أهل الفقه في الدين من السابقين الأولين، يكون بإذن الله من الفائزين.
والذي يمشي على اعوجاج، ويلحق بالسراب، ليروي ظمأه وهو عطشان، أو {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} [الرعد:14]، فهذا حاله حال من تتبع أهل الضلال ومشي خلفهم في الظلام.
فأول من ابتدع قاعدة: (حمل المجمل على المفصل) من كلام الناس هو عبد الله عزام، دفاعا عن سيد قطب، بل زاد على هذا القول بالنسخ في كلام من ليس بمعصوم وغير مؤيد بوحي معلوم.
قال عبد الله عزام كما في ((سيد قطب المفترى عليه)) (ص 28-29): ((أولى أن تتخذ الخطوات التالية قبل الحكم على سيد في مسألة وحدة الوجود على النحو التالي:
أولا: يجمع بين النصوص لسيد قطب رحمه الله فيحمل المجمل على المبين والمبهم على الواضح.
ثانيا: أن يلجأ إلى النسخ. سورة البقرة التي كتبها سيد في الطبعة الثانية. بعد سورة الحديد والإخلاص. لأنه لم يصل إليها في الطبعة الثانية.
ثالثا: يُرجح بين النصوص المتعارضة فيرجح عبارة النص في سورة البقرة على إشارة النص في سورتي الإخلاص والحديد، ويُرجح الصريح في مهاجمة وحدة الوجود على المنطوق غير الصريح في السورتين)) اهـ.
هكذا قال عبد الله عزام عامله الله بما يستحق، نزل كلام سيد قطب منزلة نصوص الوحيين، فلم يكتفِ برد كلام سيد السيئ المجمل والخطأ البين إلى كلامه المفصل، بل زاد الطين بلة فقال بإعمال النسخ في كلام الناس، وترجيح الكلام الواضح على الكلام غير الصريح الخطأ.
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله في مقال ((وقفات مع القائلين بأصل حمل المجمل على المفصل)) كما في موقعه: ((: بيان منشأ هذا الأصل الباطل.
هو رد عبد الله عزام على تصريح العلامة الألباني –رحمه الله- بأن سيد قطب يقول بوحدة الوجود عند ذلك هبَّ عبد الله عزام يدافع عن سيد قطب، ويرد على الشيخ الألباني.
وخلال هذا الدفاع والرد اخترع وجوب حمل كلام الرجل المجمل على المفصل، وأن عامه يحمل على خاصه، ومطلقه يحمل على مقيده.
فهذا أول ظهور هذا الأصل الباطل بهذا اللفظ.
ولما تصديت أنا ربيع لنقد سيد قطب، رددتُ على هذه الأمور المخترعة ردوداً شافية لكل منصف.
ثم خلف عبد الله عزام أبو الحسن المصري المأربي يدافع عن سيد قطب، ويدعو إلى حمل مجملات سيد قطب على مفصلاته
فقول عبد الله عزام: يحمل المجمل على المبين والمبهم على الواضح.
وقول أبو الحسن المأربي: نحمل المجمل على المفصل.
وعرعور وأخوه والحلبي ومن لف لفهما ودار في فلكهما يدندنان حول هذه القاعدة البدعية؛ تشابهت قلوبهم وأقوالهم، فنصبوا أنفسهم مدافعين عن أهل البدع.
وهذه القاعدة العزامية مردودة بإجماع المسلمين.
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في ((الصوارم الحداد القاطعة لعلائق أرباب الاتحاد)): ((وقد أجمع المسلمون أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم)) اهـ.
غير أن هؤلاء اللئام لم يجرؤوا أن يقولوا بالنسخ في أقوال من يدافعون عنهم من أهل الزيغ والضلال، وقد تجرأ على هذا القول الفاجر ابن عزام.
وإلى هذا أشار العلامة ربيع المدخلي حفظه الله إلى أن عبد الله عزام يقول بإعمال النسخ في كلام الناس في ((الذريعة إلى بيان مقاصد كتاب الشريعة)) (1/574) قال: ((أما كل إنسان وكل ما هب ودب حتى ولو من أهل الباطل ومن أهل الضلال نحمل المجمل على المفصل بهذا الأسلوب والتأصيل الباطل، وهناك من أهل الباطل أناس ينادون بهذا الأصل، وأول من نادى به عبد الله عزام ليدافع عن سيد قطب، وقال نحمل المجمل على المقيَّد والناسخ على المنسوخ، فقلنا له: ما شاء الله! أهذا نبي يُعامل هذه المعاملة؟!
وتبعه أبو الحسن المأربي وتبعه عدنان عرعور وتبعه أهل الباطل – مع الأسف الشديد-، لا يريدون بهذا الأصل إلا المحاماة عن أهل البدع)) اهـ.
فالنسخ يخص ما جاء في الكتاب والسنة.
قال الناظم في مراقي السعود:
رَفْعٌ لِحُكْمٍ أَوْ بَيَانُ الزَّمَنِ *** بِمُحْكَمِ الْقُرْآنِ أَوْ بِالسُّنَنِ
أما من بداء له رأي آخر من عموم المسلمين، فلا يقال عنده نسخ، إنما هو رجع عن قوله الأول إلى قوله الجديد.
كما للشافعي رحمه الله مذهب قديم في العراق ومذهب جديد في مصر، ولا نعرف أن أهل العلم قالوا نسخ مذهب الشافعي الجديد القديم.
إنما يذكر العلماء رجع عنه، أو ترجح عنه.
قال النحاس رحمه الله في ((الناسخ والمنسوخ)): ((وأما البداء فهو ترك ما عزم عليه كقولك امض إلى فلان اليوم ثم تقول لا تمض إليه فيبدو لك عن القول الأول وهذا يلحق البشر لنقصانهم، وكذا إذا قلت ازرع كذا في هذه السنة ثم قلت لا تفعل)) اهـ.
هذا هو الرجوع عن القول الأول للنقص الذي يعتري البشر واصطلح عليه بالبداء، وليس نسخا.
هذا والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم السبت 4 ذي الحجة سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 26 أغسطس سنة 2017 ف
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- الدولة : مصر
المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 48
رد: مجموع فتاوي العلماء السلفيين في بدعة حمل المجمل على المفصل من كلام البشر
س1 - أرجو منكم يا شيخ أن تبين لنا موقف السلف من القاعدة التي يدندن بها البعض في هذا الزمان وهي حمل الواقع في بدعة على قاعدة (( حمل المجمل على المفصل واللاحق والسابق والناسخ والمنسوخ والنظر في تاريخ حياته )) ويدعي هؤلاء أن هذا قول شيخ الاسلام ؟
قال الشيخ : هذا قول باطل وحاشا شيخ الاسلام بن تيمية أن يشترط هذه الشروط وكتبه مليئة بالردود على أهل البدع والضلال وإن لم يكن في هذا الباب إلا حكم احمد بن حنبل على من توقف بالقول بخلق القران هل هو مخلوق أم ليس بمخلوق حكم عليهم بمجرد التوقف بأنهم جهمية ومن أهل الضلال وأيده أهل الحديث وأيده على هذا الكلام الذهبي رحمه الله وهو معروف ( بتساهله بالنسبة للسلف الصالح ) مع ذلك أيدهم في هذه القضية وابن عمر ماذا فعل في القدرية الذين أصلهم مسلمون وسلفيون ووقعوا في القدر فتبرأ منهم.
ومواقف السلف معروفة والحمد لله من أهل البدع فإذا وقع في بدعة واضحة مثل ما فصلنا لكم هذا - بارك الله فيكم - يحكم عليه بالضلال ولا يحتاج إلى ما يقولونه وإذا كان الشباب السلفي يأخذون بهذه الاصول الباطلة لما وجدت نبذا لاحد من أهل البدع .
وقفات مع القائلين بأصل حمل المجمل على المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد: فهذه وقفات مع القائلين بأصل حمل المجمل على المفصل وتأريخ نشأته وبيان بطلانه بالبراهين الإسلامية.
هذا وليعلم القارئ سلفاً أن دعاة حمل المجمل على المفصل لا يفرقون بين الأقوال المجملة وبين النصوص الواضحة أو الظاهرة مما ينتقده أهل السنة على أهل الباطل أو الأخطاء، وهذا التأصيل منهم من الباطل المصادم لمنهج القرآن والسنة ومنهج السلف الصالح القائم على الكتاب والسنة، وسترى في هذا البحث من النصوص القرآنية والنبوية ومن كلام السلف وواقعهم ما يبطل أصلهم الفاسد سواء أرادوا بالمجمل المجمل المعروف عند الأصوليين أو أرادوا به ما هو أعم من ذلك مما يشمل النص والظاهر عند الأصوليين أيضاً.
الوقفة الأولى: أن الذي يدرس كتب العقائد وكتب الجرح والتعديل وكتب الجرح الخاص مثل كتاب "الضعفاء" للبخاري، وكتاب "الضعفاء والمتروكين" للنسائي، وكتاب "المجروحين" لابن حبان، وكتاب أو كتب الضعفاء للدارقطني، وكتاب "الضعفاء" للحاكم وغيرها، لا يجد فيها ذكراً لحمل المجمل على المفصل، ولا يجد في كلامهم على الرجال أي تطبيق لهذا الأصل، ولو كان هذا أمراً مشروعاً على وجه الوجوب أو الاستحباب لوجدته قد امتلأت به كتبهم لعدلهم وإنصافهم وحرصهم على تطبيق شريعة الإسلام.
الوقفة الثانية: بيان منشأ هذا الأصل الباطل.
هو رد عبد الله عزام على تصريح العلامة الألباني –رحمه الله- بأن سيد قطب يقول بوحدة الوجود عند ذلك هبَّ عبد الله عزام يدافع عن سيد قطب، ويرد على الشيخ الألباني.
وخلال هذا الدفاع والرد اخترع وجوب حمل كلام الرجل المجمل على المفصل، وأن عامه يحمل على خاصه، ومطلقه يحمل على مقيده.
فهذا أول ظهور هذا الأصل الباطل بهذا اللفظ.
ولما تصديت أنا ربيع لنقد سيد قطب، رددتُ على هذه الأمور المخترعة ردوداً شافية لكل منصف.
ثم خلف عبد الله عزام أبو الحسن المصري المأربي يدافع عن سيد قطب، ويدعو إلى حمل مجملات سيد قطب على مفصلاته، ويطعن فيمن يقول: إن سيد قطب يقول بوحدة الوجود، أو ينتقد شيئاً من ضلالاته، وصبرتُ عليه سنوات أتلطف به رجاء أن يثوب إلى رشده، فما كان يزيد على مر الأيام إلا بلاء على بلاء.
هذا مع العلم أن ضلالات سيد قطب ليست من المجملات، بل هي من المفصلات الواضحات.
فلما ألجأني إلى الرد عليه قمتُ بواجب الرد، وبيّنتُ له بطلان هذا الأصل من وجوه، وانكشف أمره، وأنه يدافع بهذا الأصل الباطل عن أهل البدع غيّر أسلوبه وأنكر أنه يدافع عن أهل البدع وجاء بأسلوب جديد في المجمل والمفصل.
حيث قال في شريط رقم (4) القول الأمين، جهة (أ):
((هناك من يقول إن هذه القاعدة ([1]) لخدمة أهل البدع أبداً أنا أخالف في هذا([2])، حمل المجمل على المفصل سواءً من السني أو المبتدع؛ السني مفصله الخير والحسن، والبدعي مفصله القبيح والشر، مجمل السني الكلمة التي تحتمل خيراً وشراً تحمل على الخير، ومجمل البدعي يحمل على الشر لأن صريحه في هذا الموضع شر([3])، فأي خدمة لأهل البدع في هذا. حتى يقال إن هذه القاعدة تنافي جهاد الأئمة في الرد على أهل البدع لا منافاة أبداً".
وجاء بشبهات وشبهات، فرددتُ هذه الشبهات وبينتُ بطلانها من وجوه، ونقلتُ عن جمع من العلماء أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم، ومن جملة ما نقلته كلام العلامة الشوكاني في كتابه "الصوارم الحداد" (ص96-97) حيث قال:
" وقد أجمع المسلمون أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم".
فاستمر أبو الحسن في مكابرته وعناده، وأدرك كثير ممن كان مخدوعاً به أنه صاحب هوى، ويجادل بالباطل، فعادوا إلى جادة السلف.
أما هو فعاد إلى الدفاع عن سيد قطب وغيره من أهل الضلال، ويدَّعي عناداً ومشاقة لأهل السنة أن الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ من أهل السنة، بل السواد الأعظم من الأمة سلفيون، وهذا تطبيق لأصوله التي أصلها، ومنها: "المنهج الواسع الأفيح الذي يسع أهل السنة ويسع الأمة كلها" إلا السلفيين.
وعلى قوله يجب حمل إجمالات جماعة التبليغ والإخوان المسلمين البدعية على مفصلاتهم فتصبح ضلالاتهم كلها حقاً، ومفصلهم عند أبي الحسن هو كونهم من أهل السنة في زعمه، فتصبح ضلالاتهم مفصلها ومجملها كلها حق.
الوقفة الثالثة:
قال بعض القائلين بحمل المجمل على المفصل: ((وإذا وُجد لأحد من أهل السنة كلام مجمل وكلام مفصَّل فالذي ينبغي إحسان الظن به وحمل مجمله على مفصله؛ لقول عمر رضي الله عنه: ((ولا تظننَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً وأنت تجد لها في الخير محملاً))".
أقول:
أ- قولك: "أهل السنة" ، يشمل العلماء وطلاب العلم وعوام أهل السنة.
وهذا الكلام يفيد أن أهل السنة لا يعاملون دائماً إلا بحسن الظن المطلق، فلا تنتقد أخطاؤهم ومخالفاتهم؛ لأن هذا الأصل يحميهم وينـزلهم منـزلة المعصومين.
وواقع الكتاب والسنة وعمل السلف بخلاف ذلك.
هذا وينبغي أن يعرف القارئ الكريم أن مفصل السني عند أبي الحسن ومن يقلده هو "الخير والحسن"، وليس هو الكلام المفصل.
ب- استدللتَ على هذا القول بكلام منسوب لأمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- لا يثبت عنه.
1- لأنه ليس له إسناد إلى عمر -رضي الله عنه-.
2- يكفي القارئ أن ابن كثير -رحمه الله- لم يسق إسناده.
3- وأنه أشار إلى ضعفه بصيغة التمريض "روينا"، فبطل الاحتجاج به.
والذي يثبت عن عمر -رضي الله عنه- إنما هو كلامه الموافق للشريعة الإسلامية، ألا وهو قوله: " إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ في عَهْدِ رسول اللَّهِ e وَإِنَّ الْوَحْيَ قد انْقَطَعَ وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لنا من أَعْمَالِكُمْ فَمَنْ أَظْهَرَ لنا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا من سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ الله يُحَاسِبُهُ في سَرِيرَتِهِ وَمَنْ أَظْهَرَ لنا سُوءًا لم نَأْمَنْهُ ولم نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قال: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ"، أخرجه البخاري في "الشهادات" حديث (2641).
فهذا القول يتفق مع الأصل الإسلامي، وهو الأخذ بالظاهر من كلام الله وكلام رسوله وكلام الناس، فمن أظهر من الناس سوءاً أخذ بظاهر حاله ومقاله، سواء كان كلامه مجملاً أو مفصلاً.
فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلي وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِيَ له على نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَطَعْتُ له من حَقِّ أَخِيهِ شيئا فلا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له بِهِ قِطْعَةً من النَّارِ". أخرجه البخاري في كتاب "المظالم" حديث (2458)، ومسلم في كتاب "الأقضية" حديث (1713).
فهذا الحديث من أقوى الأدلة على الأخذ بالظاهر.
والعلماء من كل المذاهب إذا كان للعالم في مسألة ما قولان أو أكثر لا يحملون مجملاته على مفصلاته، بل يرجحون أقوى القولين أو الأقوال والذي يدل عليه الدليل، فعملهم هذا يدل على أنهم يرون أن القول المرجوح خطأ، وأنهم لا يرون حمل المجمل على المفصل.
وهذه كتب الفقه بين أيدينا، فمثلاً كثير من المسائل للإمام أحمد فيها قولان، فيأتي العلماء مثل أبي يعلى وابن قدامة وشيخ الإسلام نفسه وغيرهم، فيقدمون ما ترجحه الأدلة من الأقوال على ما يقابلها، ولا يقولون: نحمل المجمل على المفصل، فيصير القولان كلاهما حقاً، كما هو مؤدى كلام من يقول بحمل المجمل على المفصل.
لقد تعلمنا من شيخ الإسلام ومَن قبله من الأئمة ومن بعده قولهم: "كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
وأن العلماء بما فيهم الصحابة ليسوا بمعصومين من الخطأ.
ومن كلام شيخ الإسلام –رحمه الله- : إن الرجال يحتج لهم ولا يحتج بهم.
وكم حث العلماء المعتبرون على ترك التقليد، ولا سيما الإمامان الشافعي وأحمد وابن تيمية وابن القيم وغيرهم -رحمهم الله- فمن أقوال الإمام أحمد: "لَا تُقَلِّدْنِي وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلَا الثَّوْرِيَّ وَلَا الْأَوْزَاعِيَّ وَخُذْ من حَيْثُ أَخَذُوا".
وحاشاه أن يقول: احملوا مجمل أقوالي على مفصلاتها، أو على حالي الحسن.
ومن أقواله –رحمه الله-: " عجبتُ لقوم عرفوا الإسناد وصحته ، ويذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )، [سورة النور : 63 ]، أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة: الشرك . لعله إذا ردَّ بعضَ قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك" ، "فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد" (ص363).
فأين حمل مجمل سفيان على مفصلاته أو على حاله الحسنة عند الإمام أحمد وغيره؟
ولقد تكلم الإمام ابن القيم –رحمه الله- على التقليد والمقلدين، وردَّ على شبهاتهم من واحد وثمانين وجهاً في كتابه "إعلام الموقعين".
ولو كان حمل المجمل على المفصل أصلاً من أصول الإسلام، فكيف ينكر ابن القيم وغيره تقليد الأئمة الكبار؟
ولا يسمح العلماء بالتقليد إلا للعاجزين عن فهم الكتاب والسنة.
وهذا شيخ الإسلام -رحمه الله- يطعن فيمن يتكلمون بالمجملات وينقل ذلك عن السلف.
قال –رحمه الله- في "درء تعارض العقل والنقل" (1/254):
" فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون أيضا الألفاظ الشرعية، فيُعبِّرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردّوا عليه.
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا؛ نسبوه إلى البدعة أيضا، وقالوا إنما قابل بدعة ببدعة وردَّ باطلا بباطل".
أقول:
في هذا النص بيان أمور عظيمة ومهمة يسلكها السلف الصالح للحفاظ على دينهم الحق، وحمايته من غوائل البدع والأخطاء منها:
أ- شدة حذرهم من البدع، ومراعاتهم للألفاظ والمعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، فلا يُعبِّرون -قدر الإمكان- إلا بالألفاظ الشرعية، ولا يطلقونها إلا على المعاني الشرعية الصحيحة الثابتة بالشرع المحمدي.
ب- أنهم حراس الدين وحُماته، فمن تكلّم بكلام فيه معنى باطل يُخالف الكتاب والسنة ردّوا عليه، سواء كان كلامه مجملاً أو مفصلاً، وإذا كان مجملاً لا يحملون مجمله على مفصله.
ومن تكلّم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة، ولو كان يرد على أهل الباطل، ولا يحملون مجمله على مفصله.
وقال الإمام ابن القيم –رحمه الله- في "الكافية الشافية" (ص82):
فعليك بالتفصيل والتمييز فالـ ... إطلاقُ والإجمالُ دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبّطا الـ ... أذهانَ والآراءَ كل زمان
فهذه نظرة الإمام ابن القيم إلى الإطلاق والإجمال، وما لهما من الآثار السيئة على الأذهان والآراء، وهذا منه مشيٌ على منهج السلف والأئمة، فأين حمل المجمل على المفصل عند هذا الإمام؟
وقال شيخ الإسلام –رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (10/362-363) حاثاً على التمسك بالكتاب والسنة وآثار الصحابة وبناء العلم في الأصول والفروع على ذلك:
" فالعلم المشروع والنسك المشروع مأخوذ عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ما جاء عمن بعدهم فلا ينبغي أن يجعل أصلا ، وإن كان صاحبه معذورا، بل مأجورا لاجتهاد أو تقليد .
فمن بنى الكلام في العلم : الأصول والفروع على الكتاب والسنة والآثار المأثورة عن السابقين فقد أصاب طريق النبوة، وكذلك من بنى الإرادة والعبادة والعمل والسماع المتعلق بأصول الأعمال وفروعها من الأحوال القلبية والأعمال البدنية على الإيمان والسنة والهدى الذي كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقد أصاب طريق النبوة، وهذه طريق أئمة الهدى .
تجد " الإمام أحمد " إذا ذكر أصول السنة قال : هي التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" .
تأمل هذا الكلام الرصين، وتأمل دعاوى حمل المجمل على المفصل الذي اخترعه رجل جاهل ضال، لا يحترم هذه الأصول، ولا هذا المنهج العظيم؛ منهج السلف الصالح.
سوق بعض الأدلة من الكتاب والسنة على بطلان حمل المجمل على المفصل:
1- قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، [سورة النور : 4].
فالذي يرمي امرأة مؤمنة محصنة بالزنى مهما بلغ من العلم والفضل والمنـزلة والجهاد، ولو كان صادقاً في نفس الأمر، ثم لم يأت بأربعة شهداء على دعواه فحده ثمانون جلدة، وتسقط عدالته، ويصير من الفاسقين، لا تقبل له شهادة أبداً، إلا أن يتوب ويكذب نفسه، فأين حمل المجمل على المفصل عند الله وعند المؤمنين والحكام العادلين، وهذا في حماية الأعراض فكيف بحماية الدين؟
2- وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً)، [سورة الأحزاب : 58].
إذا قالوا كلاماً يؤذي المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فهذا حكمه عند الله سواء كان كلامه مجملاً أو مفصلاً.
وقال أبو داود: حدثنا القعنبي، حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد- عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة أنه قيل: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال: "ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
وهكذا رواه الترمذي، عن قتيبة، عن الدراوردي، به. ثم: قال حسن صحيح"، "تفسير ابن كثير" (11/241).
فلو ذكر أخاه المسلم بما يكره، ولو كان فيه فإنه يعتبر من الغيبة المحرمة مثل الذي يأكل لحم أخيه ميتاً.
فأين حمل المجمل على المفصل؟
أقول: ويستثنى من الغيبة أمور معلومة، ومنها التحذير من أهل البدع والفسوق وجرح الضعفاء والكذابين، فإن ذلك حماية للدين، ولا يعد من الغيبة.
3- عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ قال: كنت مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا منه وَنَحْنُ نَسِيرُ فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عن النَّارِ، قال: لقد سَأَلْتَنِي عن عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ على من يَسَّرَهُ الله عليه، تَعْبُدُ اللَّهَ ولا تُشْرِكْ بِهِ شيئا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قال: "ألا أَدُلُّكَ على أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كما يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ من جَوْفِ اللَّيْلِ"، قال: ثُمَّ تَلَا: ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عن الْمَضَاجِعِ )، حتى بَلَغَ ( يَعْمَلُونَ) ثُمَّ قال: "ألا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ"، قلت: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ، قال: "رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ"، ثُمَّ قال: "ألا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذلك كُلِّهِ"، قلت: بَلَى يا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قال: "كُفَّ عَلَيْكَ هذا"، فقلت: يا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ، فقال: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ الناس في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ أو على مَنَاخِرِهِمْ إلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ" ، أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (5/231)، والترمذي في "الجامع الكبير" في "أبواب الإيمان" حديث (2616)، وابن ماجه في "سننه" حديث (3973)، وأورده العلامة الألباني في "الصحيحة" حديث (1122) وصححه هنا، و (3284).
فهذا الحديث فيه بيان خطورة اللسان، وأن حصائد الألسن تكب الناس على وجوههم في النار سواء أكان الكلام مجملاً أو مفصلاً.
فأين حمل المجمل على المفصل في هذا التحذير النبوي؟
ألا ترى أن حمل المجمل على المفصل في واد، والمنهج النبوي في واد آخر؟
4- تقدم لنا قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلي وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِيَ له على نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَطَعْتُ له من حَقِّ أَخِيهِ شيئا فلا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له بِهِ قِطْعَةً من النَّارِ". أخرجه البخاري في كتاب "المظالم" حديث (2458)، ومسلم في كتاب "الأقضية" حديث (1713).
فهذا الحديث من الأدلة على وجوب الأخذ بالظاهر وبطلان حمل المجمل على المفصل.
5- قال الإمام أحمد في "مسنده" (2/332): ثنا أبو عَامِرٍ ثنا عِكْرِمَةُ بن عَمَّارٍ عن ضَمْضَمِ بن جَوْسٍ اليمامي قال: قال لي أبو هُرَيْرَةَ: "يا يمامي لاَ تَقُولَنَّ لِرَجُلٍ والله لاَ يَغْفِرُ الله لك أو لاَ يُدْخِلُكَ الله الْجَنَّةَ أَبَداً، قلت: يا أَبَا هُرَيْرَةَ إن هذه لَكَلِمَةٌ يَقُولُهَا أَحَدُنَا لأَخِيهِ وَصَاحِبِهِ إذا غَضِبَ، قال: فَلاَ تُقُلْهَا فإني سمعت النبي e يقول كان في بني إِسْرَائِيلَ رَجُلاَنِ كان أَحَدُهُمَا مُجْتَهِداً في الْعِبَادَةِ وكان الآخَرُ مُسْرِفاً على نَفْسِهِ فَكَانَا مُتَآخِيَيْنِ فَكَانَ الْمُجْتَهِدُ لاَ يَزَالُ يَرَى الآخَرَ على ذَنْبٍ فيقول يا هذا أَقْصِرْ فيقول: خلني وربي أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيباً؟ قال: إلى أَنْ رَآهُ يَوْماً على ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ فقال له: وَيْحَكَ اقصر، قال: خلني وَرَبِّى أَبُعِثْتَ عَليَّ رَقِيباً؟، قال: فقال: والله لاَ يَغْفِرُ الله لك أو لاَ يُدْخِلُكَ الله الْجَنَّةَ أَبَداً، قال أَحَدُهُمَا([4]) قال فَبَعَثَ الله إِلَيْهِمَا مَلَكاً فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا وَاجْتَمَعَا فقال لِلْمُذْنِبِ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ برحمتي وقال لِلآخَرِ أَكُنْتَ بي عَالِماً؟ أَكُنْتَ على ما في يدي خَازِناً؟ اذْهَبُوا بِهِ إلى النَّارِ قال: فوالذي نَفْسُ أبي الْقَاسِمِ بيده لَتَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ أوبقت دُنْيَاهُ وآخرته"، وأخرجه أبو داود في "سننه" كتاب "الأدب"، باب في النهي عن البغي، حديث (4901)، وابن حبان في "الإحسان" حديث (5712).
انظر أخي هذا رجل عابد مجتهد في العبادة، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر-وهذه من أحسن السير والأحوال-، قال كلمة دافعها الغيرة على دين الله، لكنها لم ترض الله، فأوبقت دنياه وآخرته، فأين حمل المجمل على المفصل؟
ولعل الذين يطالبون بحمل مجمله على مفصله قد أوبق مجمله دنياه وآخرته.
6- وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- سمع رَسُولَ اللَّهِ e يقول: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ ما يَتَبَيَّنُ فيها يَزِلُّ بها في النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بين الْمَشْرِقِ والمغرب"، أخرجه البخاري في "الرقاق" في "باب حفظ اللسان" حديث (6477)، ومسلم في "الزهد والرقاق" باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار، حديث (2988).
وعن أبي هريرة أيضاً –رضي الله عنه- عن النبي e قال: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ من رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لها بَالًا يرفعه الله بها دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ من سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لها بَالًا يهوي بها في جَهَنَّمَ" أخرجه البخاري في "الرقاق" في "باب حفظ اللسان" حديث (6478)، ومسلم في "الزهد والرقاق" باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار، حديث (2988).
7- وعن بلال بن الحارث المزني أن رَسُولَ الله e قال: إن الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ من رِضْوَانِ الله ما كان يَظُنُّ أن تَبْلُغَ ما بَلَغَتْ يَكْتُبُ الله له بها رِضْوَانَهُ إلى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلَمِةِ من سَخَطِ الله ما كان يَظُنُّ أن تَبْلُغَ ما بَلَغَتْ يَكْتُبُ الله له بها سَخَطَهُ إلى يَوْمِ يَلْقَاهُ". أخرجه مالك في الموطأ في كتاب "الكلام، باب ما يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ التَّحَفُّظِ في الْكَلاَمِ، حديث (5).
وفي لفظ لمسلم: " يهوي بها في النَّارِ أَبْعَدَ ما بين الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ".
فأين حمل المجمل على المفصل، فهذا في الكلام الذي لا يلقي له صاحبه بالاً، يهوي به في جهنم أبعد مما بين المشرق والمغرب، أو يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة، فكيف بمن يتعمد الكذب والباطل والبدع والتلبيس في كثير وكثير من كلامه.
8- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَضَى في امْرَأَتَيْنِ من هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَ بَطْنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الذي في بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إلى النبي e فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ ما في بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أو أَمَةٌ فقال وَلِيُّ الْمَرْأَةِ التي غَرِمَتْ كَيْفَ أَغْرَمُ يا رَسُولَ اللَّهِ من لَا شَرِبَ ولا أَكَلَ ولا نَطَقَ ولا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذلك يطل فقال النبي e إنما هذا من إِخْوَانِ الْكُهَّانِ". متفق عليه، أخرجه البخاري في "الطب"، باب الكهانة، حديث (5758)، وفي مواضع أخر، وأخرجه مسلم في "القسامة" حديث (1681).
أقول: وصف النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا الرجل الذي تكلم بهذا الكلام بأنه من إخوان الكهان، مع حسن حاله وسيرته وصحبته.
فأين حمل المجمل على المفصل؟
وإذن فمقتضى دين الله أن يحكم على الكلام الباطل بأنه باطل، مهما بلغ قائله من الفضل والمكانة، سواء كان الكلام مجملاً أو مفصلاً، وهذا دين الله، وهذا هو المنهج الحق الذي يعارضه دعاة حمل المجمل على المفصل، والمفصل عندهم في الغالب حسب حال المتكلم.
9- عن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ e يقول: "إذا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ".أخرجه البخاري في "الاعتصام" حديث (7352)، ومسلم في (الأقضية) حديث (1716).
في هذا الحديث بيان أن الحاكم قد يصيب فله أجران أجر اجتهاده وأجر إصابته الحق، وقد يخطئ في اجتهاده فلا يصيب الحق فله أجر اجتهاده، ويعفو الله عن خطئه، ولا يجوز لأحد أن يتبعه في خطئه، وهذا أصل عظيم عند أهل السنة.
وأن العالم المجتهد المخلص يصيب ويخطئ، فيقبل صوابه ويرد خطؤه مجملاً كان أو مفصلاً، ولو كان من كبار الصحابة أو كبار الأئمة، مع احترامه وحِفظ مكانته، ولا يعد رد خطئه تنقصاً له، والذي يقبل خطأه ويرى أن ردّ خطئه تنقصاً له إنما أُتيَ من جهله وهواه، فإن الحق أعظم وأكبر من الرجال مهما بلغوا من المنـزلة.
والشاهد أنه ليس في الحديث حمل المجمل على المفصل.
وإنما فيه الحكم على الصواب بأنه صواب، وعلى الخطأ بأنه خطأ.
وهذا منهج أهل العلم من السابقين واللاحقين.
وهو عكس قول من يقول بحمل المجمل على المفصل، حتى ينتفي الخطأ عن أهل الخطأ، والباطل عن أهل الباطل، ويصير مجمله ومفصله شيئاً واحداً يسمى حقاً.
فهذه تسعة أدلة صحيحة ثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تبطل دعوى حمل المجمل على المفصل، وتدين دعاته بأنهم دعاة إلى الباطل، وأنهم مضادون لمنهج الإسلام.
سوق أقوال بعض الأئمة من الصحابة وغيرهم التي فيها الرد على من يقول بحمل المجمل على المفصل.
1- عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ قال: حدثني ابن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: كنت أُقْرِئُ عَبْدَ الرحمن بن عَوْفٍ فلما كان آخِرُ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فقال عبد الرحمن بِمِنًى لو شَهِدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَاهُ رَجُلٌ قال: إِنَّ فُلَانًا يقول لو مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَبَايَعْنَا فُلَانًا فقال عُمَرُ لَأَقُومَنَّ الْعَشِيَّةَ فَأُحَذِّرَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ قلت: لَا تَفْعَلْ فإن الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ الناس يَغْلِبُونَ على مَجْلِسِكَ فَأَخَافُ أَنْ لَا يُنْزِلُوهَا على وَجْهِهَا فَيُطِيرُ بها كُلّ مطِيرٍ فَأَمْهِلْ حتى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ دَارَ الْهِجْرَةِ وَدَارَ السُّنَّةِ فَتَخْلُصَ بِأَصْحَابِ رسول اللَّهِ e من الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَيَحْفَظُوا مَقَالَتَكَ وَيُنْزِلُوهَا على وَجْهِهَا فقال: والله لَأَقُومَنَّ بِهِ في أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ قال ابن عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فقال إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا e بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عليه الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ آيَةُ الرَّجْمِ". أخرجه البخاري في "الاعتصام"، حديث (7323)، وفي "الحدود" حديث (6830) مطولاً، وفيه: "فَمُحَذِّرُهُم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم".
لقد غضب عمر من هذا القول وحكم على هذا الرجل والرهط الذين معه بأنهم يريدون أن يغصبوا المسلمين أمورهم، ثم أراد أن يخطب بهذا بمنىً محذراً منهم، ثم خطب في المدينة خطبة طويلة تعرض فيها لهذه المسألة، فلم يحمل عمر –رضي الله عنه- مجمل هؤلاء على مفصلهم، وهو حالهم الحسن، وأقرّه الصحابة على هذا الموقف الحازم، ومنهم عبد الرحمن بن عوف وابن عباس –رضي الله عنهم-.
2- قال يحيى بن يعمر لعبد الله بن عمر: "...يا أَبَا عبد الرحمن إنه قد ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يقرؤون الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ وَذَكَرَ من شَأْنِهِمْ وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ قال فإذا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي برئ منهم وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عبد اللَّهِ بن عُمَرَ لو أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ ما قَبِلَ الله منه حتى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ قال حدثني أبي عُمَرُ بن الْخَطَّابِ قال بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رسول اللَّهِ e ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عليه أَثَرُ السَّفَرِ ولا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حتى جَلَسَ إلى النبي e فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ على فَخِذَيْهِ...الحديث، أخرجه مسلم في "الإيمان" حديث (8).
وفيه سؤال جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة، وإجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه الأسئلة.
فهذا عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- بمجرد ما بلّغه يحيى بن يعمر بحال هؤلاء القوم تبرأ منهم، وحكم عليهم هذا الحكم الشديد، وإن كانوا يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم وإن كانت لهم مزايا، ولم يحمل مجملهم على مفصلهم.
3- قال أبو زرعة: " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله e فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول e عندنا حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله e وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة" "الكفاية" للخطيب (ص49).
يقول أبو زرعة هذا الكلام فيمن ينتقص أحداً من الصحابة، ولو كان من أهل السنة.
وأيدَّ أبا زرعة في هذا الحكم كل من بلغه هذا الكلام والحكم.
فأين حمل المجمل على المفصل؟
4- وبَلَغَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ عَنْ " ابْنِ أَبِي قتيلة " أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِمَكَّةَ فَقَالَ : قَوْمُ سَوْءٍ . فَقَامَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - وَهُوَ يَنْفُضُ ثَوْبَهُ وَيَقُولُ : زِنْدِيقٌ زِنْدِيقٌ زِنْدِيقٌ . وَدَخَلَ بَيْتَهُ" .
نقل شيخ الإسلام هذا الكلام وأقره، وقال: "فَإِنَّهُ عَرَفَ مَغْزَاهُ" ، "مجموع الفتاوى" (4/96).
فأين حمل المجمل على المفصل عند هؤلاء الأئمة الأخيار؟
5- ومعلوم لدى طلبة العلم تبديع من يقول لفظي بالقرآن مخلوق، وممن بدَّعهم الإمام أحمد بهذا القول: الحارث المحاسبي، وحسين بن علي الكرابيسي، وهما من كبار العلماء بالحديث والفقه، وأيد الإمامَ أحمد أهلُ السنة في ذلك، ولم يحملوا مجملهما على مفصلهما.
وعلى مذهب دعاة حمل المجمل على المفصل يكون الإمام أحمد ومن معه ممن بدّع هؤلاء يكونون ظالمين للمحاسبي والكرابيسي؛ لأنهما من أهل السنة والحديث، وكذلك الإمام أحمد ومن معه يكونون ظالمين لكل من حكموا عليه بالبدعة ممن يقول بأن القرآن كلام الله حقيقة لكن لفظي بالقرآن مخلوق، وأن كلامهم هذا مجمل، ألا قاتل الله الأهواء وأهلها.
6- وكذلك بدّع الإمام أحمد من يقول: القرآن كلام الله، ثم يقف فلا يقول مخلوق ولا غير مخلوق، ومن هؤلاء يعقوب بن شيبة، وهو من كبار المحدثين، وأيدَّ علماء الحديث الإمام أحمد في ذلك.
7- وكتب الجرح والتعديل وكتب الجرح الخاص مليئة بجرح من يستحق الجرح، وتبديع من يستحق التبديع، سواء كان كلامه مجملاً أو مفصلاً، ولا وجود ولا أثر لمنهج الموازنات ولا لمنهج حمل المجمل على المفصل.
8- هذا ولثلاثة من أئمة هذا العصر مواقف عظيمة تدل على احترامهم للحق ونصرتهم للحق والصدع بالحق ولو كان على النفس.
أولئك الثلاثة هم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ حمود التويجري رحمهم الله.
لقد انتقد الشيخ حمود التويجري الشيخ ابن عثيمين في عبارة مجملة تحتمل حقاً وباطلاً صدرت من ابن عثيمين ألا وهي قوله :" إن الله معنا بذاته" ثم بيّن ابن عثيمين ما قصده ونفى الاحتمال الباطل ومع ذلك انتقده التويجري وأيده الشيخ ابن باز وأثنى عليه خيراً فما كان من ابن عثيمين إلا أن ينصر التويجري وابن باز على نفسه بسماحة نفس وصدق وجد ولم يقل أحد منهم :" يحمل مجمل ابن عثيمين على مفصله"، ولا فكر هو في هذا.
ولم يقل أحد منهم ذلك مع إمامة ابن عثيمين وجلالة قدره ورسوخ قدمه في العلم وإمامته في السلفية.
1- قال الشيخ حمود التويجري ([5]) بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
"أما بعد: فقد رأيت مقالاً سيئاً لبعض المعاصرين ([6]) زعم في أوله أن معية الله لخلقه معية ذاتية تليق بجلاله وعظمته وأنها لا تقتضي اختلاطا بالخلق ولا حلولا في أماكنهم .
وقال في آخر مقاله : وهكذا نقول في المعية نثبت لربنا معية ذاتية تليق بعظمته وجلاله، ولا تشبه معية المخلوق للمخلوق ونثبت مع ذلك علوه على خلقه واستواءه على عرشه على الوجه اللائق بجلاله ونرى أن من زعم أن الله بذاته في كل مكان فهو كافر أو ضال إن اعتقده وكاذب إن نسبه إلى غيره من سلف الأمة أو أئمتها ([7]).
فعقيدتنا أن لله تعالى معية ذاتية تليق به وتقتضي إحاطته بكل شيء علماً وقدرة وسمعاً وبصراً وسلطاناً وتدبيراً وأنه سبحانه منـزه أن يكون مختلطا ً بالخلق أو حالاً في أمكنتهم بل هو العلي بذاته وصفاته وعلوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها وأنه مستو على عرشه كما يليق بجلاله وأن ذلك لا ينافي معيته ثم صرح أنه قال ذلك مقرراً له ومعتقداً له منشرحاً له صدره .
هذا كلام الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-.
ثم قال الشيخ حمود:"وأقول : لا يخفى على من له علم وفهم ما في كلام الكاتب من التناقض والجمع بين النقيضين وموافقة من يقول من الحلولية : إن الله بذاته فوق العالم وهو بذاته في كل مكان وما فيه أيضاً من مخالفة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها.
ثم أخذ رحمه الله يبين مآخذه على ابن عثيمين ([8]) .
2- قال الشيخ عبد العزيز بن باز مؤيداً للشيخ حمود التويجري رحم الله الجميع:
"الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد :
فقد اطلعت على ما كتبه أخونا العلامة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري في بيان الأدلة الشرعية والعقلية على إثبات علو الله سبحانه فوق عرشه واستوائه عليه استواء يليق بجلاله لا يشابه فيه خلقه .
وفي إثبات معيته لعباده بعلمه وإطلاعه وحفظه وكلاءته لأوليائه والرد على من زعم أن معية الله لعباده ذاتية.
بل قد سمعته جميعه بقراءة مؤلفه حفظه الله فألفيته كتاباً عظيم الفائدة مؤيداً بالأدلة الشرعية والعقلية كما ألفيته رداً عظيماً على أهل البدع القائلين بالحلول والاتحاد ورداً كافياً شافياً على من قال : إن معية الله للخلق ذاتية .
فجزاه الله خيراً وزاده علماً وهدى وتوفيقاً ونفع به وبمؤلفاته المسلمين .
وبالجملة فهذا كتاب عظيم القدر كثير الفائدة مشتمل على أدلة كثيرة من الكتاب والسنة على إثبات أسماء الله وصفاته وعلوه سبحانه فوق خلقه والرد على جميع أهل البدع كما أنه مشتمل على نقول كثيرة مفيدة من كلام علماء السنة المتقدمين والمتأخرين ومن كلام الصحابة والتابعين رضي الله عن الجميع ورحمهم رحمة واسعة .
فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن ينفع به المسلمين وأن يقيم به الحجة ويقطع به المعذرة وأن يضاعف المثوبة لمؤلفه ويجعلنا وإياه وسائر إخواننا من أئمة الهدى وأنصار الحق وأن يثبتنا جميعاً على دينه حتى نلقاه سبحانه إنه ولي ذلك والقادر عليه .
قاله الفقير إلى عفو ربه : عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله وعفا عنه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 27/ 7/ 1404 هـ
موقف الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-.
3- لقد طلب رحمه الله كتاب أخيه الشيخ حمود التويجري ثم قرأه ثم كتب ما يؤيد أخاه التويجري منتصراً للحق ولأخيه على نفسه فقال:
"الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
"الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره،ونتوب إليه ونعوذ بالله، من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنـا، من يهده الله فلا مضل لـه، ومن يضلل فلا هـادي لـه.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.وأشهد أن محمداً عبده ورسوله r وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
وبعد : فقد قرأت الكتاب الذي ألفه أخونا الفاضل الشيخ حمود بن عبد الله التويجري في إثبات علو الله تعالى ومباينته لخلقه والرد على من زعم أن معية الله تعالى لخلقه معية ذاتية فوجدته كتاباً قيماً قرر فيه مؤلفه الحقائق التالية :
الأولى : إثبات علو الله تعالى بذاته وصفاته لدلالة الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة على ذلك .
الثانية : إثبات استوائه تعالى بذاته على عرشه استواء حقيقياً يليق بجلاله وعظمته من غير تكييف ولا تمثيل لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على ذلك .
الثالثة : إثبات معية الله لخلقه بعلمه وإحاطته إن كانت عامة وبنصره وتأييده مع العلم والإحاطة إن كانت خاصة وتأييد ذلك بما نقله عن السلف والأئمة .
الرابعة : إبطال قول الحلولية القائلين بأن الله تعالى بذاته في الأرض أو في الأرض وعلى العرش لدلالة الكتاب والسنة والإجماع والعقل على إبطاله .
الخامسة : إنكاره القول بالمعية الذاتية .
وكل ما قرره فهو الحق فعلو الله تعالى على خلقه بذاته وصفاته دل عليه القرآن في آيات متعددة وعلى وجوه متنوعة معلومة لكل من قرأ كتاب الله تعالى موجبة للعلم القطعي ودلت عليه السنة بأنواعها القولية والفعلية والإقرارية في أحاديث كثيرة تبلغ حد التواتر وعلى وجوه متنوعة ودل عليه العقل من وجهين .
ثم أخذ في ذكرهما .
ثم قال : وبطلان القول بالحلول معلوم بدلالة الكتاب والسنة والعقل والفطرة والإجماع وذلك لأن القول به مناقض تمام المناقضة للقول بعلو الله تعالى بذاته وصفاته فإذا كان علو الله تعالى بذاته وصفاته ثابتاً بهذه الأدلة كان نقيضه باطلاً بها .
وإنكار القول بالمعية الذاتية واجب حيث تستلزم القول بالحلول لأن القول بالحلول باطل فكل ما استلزمه فهو باطل يجب إنكاره ورده على قائله كائنا من كان.
وأسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من المتعاونين على البر والتقوى وأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً وأن ينصرنا بالحق ويجعلنا من أنصاره إنه ولي ذلك القادر عليه وهو القريب المجيب .
قاله كاتبه محمد الصالح العثيمين في 15/4/1404 هـ ([9]).
أقول:
هؤلاء هم الرجال الأقوياء وهم القمم العماليق، وإن في مواقفهم هذه لعبرة عظيمة للعقلاء النبلاء، وإن لها دلالات على تقوى وورع وصدق وإخلاص هؤلاء الرجال ولا سيما ابن عثيمين رحمه الله.
فلا مداهنة ولا مجاملة من ابن باز والتويجري، ولا حمل مجمل على مفصل ، ولا مراوغة ولا ضجيج، ولا مطالبة بحمل المجمل على المفصل، ولا صخب من ابن عثيمين لأن الجميع يريدون وجه الله تعالى ويحترمون الحق وينصرونه ولو على النفس.
ولقد حققوا قول الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)).
وإن في هذا لشرفاً كبيراً للسلفية والسلفيين الصادقين.
وكم جالست هؤلاء الكبار الأفذاذ، ولا سيما ابن باز والعثيمين، فإذا حاورتهم في شيء أجد منهم تواضعاً وأخلاقاً عالية وصدوراً رحبة تقبل الأخذ والعطاء، وتحترم الحق، ولو كان مع من هو أصغر منهم.
اللهم اغفر لهم وارفع درجاتهم في عليين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
21/7/1433هـ
أضغط هنـــــــــــــــــpdfــــــــــــا
من موقع الشيخ
___________________________________
([1]) أي حمل المجمل والمفصل في تعريفه.
([2]) إن ما قالوه حق، وقد كنت تدافع بهذه القاعدة عن سيد قطب الذي انطوى على بدع الجهمية والمعتزلة والخوارج وصوفية وحدة الوجود والحلول والجبر وغير ذلك من الضلالات الكبرى، فكيف لا تكون هذه القاعدة خدمة لأهل البدع جميعاً.
([3]) ما هذا يا أبا الحسن؟! إن أصل النـزاع بينك وبين خصومك كان في سيد قطب، ومن تلبس ببدع وأنت تراهم من أهل السنة، وقد اعترفت أنك كنت تحمل كلام سيد قطب الذي تزعم باطلاً أنه مجمل على ما تزعم أنه مفصل والأمر على خلاف ما تقول؛ فإن كلامه في وحدة الوجود والحلول صريح واضح مفصل.
وأنا أسألك كم من السنين مرت عليك وأنت تدافع عنه بمجملك ومفصلك المزعومين، فلماذا الآن تطالع الناس في عام (1423هـ) بهذا القول الجديد.
[4] - كذا في مسند أحمد، ولا توجد هذه الجملة في "سنن أبي داود"، ولا في "الإحسان".
([5]) في كتاب سماه "إثبات علو الله ومباينته لخلقه والرد على من زعم أن معية الله للخلق ذاتية".
([6]) يقصد مقال ابن عثيمين ولم يأنف ابن عثيمين من هذا الوصف.
([7]) كل هذه البيانات والاحتياطات من ابن عثيمين لم تمنع الشيخ التويجري من نقده ولم تمنع ابن باز والعثيمين نفسه من تأييد التويجري.
([8]) ص( 7-8)
([9]) ص( 157- 161).
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في الثلاثاء أبريل 23, 2024 2:14 pm عدل 2 مرات
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- الدولة : مصر
المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 48
رد: مجموع فتاوي العلماء السلفيين في بدعة حمل المجمل على المفصل من كلام البشر
شاعت هذه الايام توسعة لمسألة المجمل و المفصل و تلطيف للبدعة
حمل المجمل على المفصل لا يكون الا في النصوص الشرعية
أضغط هنــــــــــــــــــا
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في الأحد أبريل 21, 2024 2:41 pm عدل 3 مرات
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- الدولة : مصر
المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 48
رد: مجموع فتاوي العلماء السلفيين في بدعة حمل المجمل على المفصل من كلام البشر
لا يؤول إلا كلام المعصوم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال الشيخ ربيع المدخلي في أضواء إسلامية [ ص160- 166] :
فلو كتب مقالة في مدح الصحابة ، ثم كتب كتاباً أو مقالاً يطعن فيه في أصحاب رسول الله ، أو ألف كتباً يحرم فيها الربا والزنى والخمر، ثم ألف كتاباً يبيح فيه هذه المحرمات ، أو كتب كتاباً في إثبات الصفات ، ثم كتب كتاباً يعطل فيه صفات الله ، أو كتب كتباً ومقالات فيها توحيد الله ، والفصل بين الخالق والمخلوق ،ثم كتب في أحد كتبه القول في وحدة الوجود مرة واحدة ؛ فإنه يدان بعمله هذا ، ويتحمل مسؤوليته ، ولا يربط بين ماضيه وحاضره ، ولا يعبأ بما يناقض هذا الضلال ، ولا يعامل انحرافه وضلاله معاملة نصوص الرب تبارك وتعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وعلى هذا جرى عمل علماء السنة من هذه الأمة وسلفها الصالح ، وهذه أقوالهم وكتبهم طافحة بهذاالمنهج الحق في مواجهة أهل الضلال والبدع ، ولم يستعملوا مع معبد الجهني ولا مع الجعد بن درهم وعمرو بن عبيد وجهم بن صفوان وبشر المريسي وابن أبي داؤد ولا مع طوائفهم هذا المنهج الذي رفع فيه عبد الله عزام والقطبيون سيد قطب إلى مكانة الرب وأقواله إلى مكانة الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
قال البقاعي رحمه الله في كتابه [ تنبيه الغبي على تكفير ابن عربي ]:
لأني لم أستشهد على كفره وقبيح أمره إلا بما لا ينفع معه التأويل من كلامه ، فإنه ليس كل كلام يقبل تأويله وصرفه عن ظاهره ، وذلك يرجع إلى قاعدة الإقرار بشيء، وتعقيبه بمايرفع شيئاً من معناه ، ولا خلاف عند الشافعية في أنه إن كان مفصولاً لا يقبل ، وأما إذا كان موصولاً ؛ ففيه خلاف.
ومن صور ما لا ينفع فيه الصرف عن الظاهر، كما لو أقر ببيع أو هبة ، ثم قال : كان ذلك فاسداً ، فأقررت بظني الصحة ؛ فإنه لا يصدق في ذلك.
وقال إمام الحرمين : لو نطق بكلمة الردة ، وزعم أنه أضمر تورية ؛ كفرظاهراً وباطناً.
قال الغزالي في "البسيط" بعد حكايته عن الأصوليين : لحصول التهاون منه ، وهذا المعنى – يعني : التهاون – لا يتحقق في الطلاق ، فاحتمل قبول التأويل بإطلاقه "
انظر كيف ينكر العلماء على المواقف والأقوال المعينة ، وكيف يضعون القواعد والضوابط بحزم لإدانة المغالطين والمتلاعبين والمتهربين ، فليس كل كلام يقبل التأويل والصرف عن ظاهره ، وليس هناك ربط بين ما يتضمن الكفر من كلامه وما يتضمن الإيمان من كلامه السابق أو اللاحق ، ولو نطق بكلمة الردة فهو كافر باطناً وظاهراً ، ولو أبدى أقوى المعاذير لأنه متهاون وتهاونه واستهانته بموجبات الكفر ذنب لا يغتفر ، يسلكه في عداد الكافرين المرتدين .
قال البقاعي :
" قال الشيخ ولي الدين بن العراقي ابن الشيخ زين الدين : وقد بلغني عن الشيخ علاء الدين القونوي ، وأدركت أصحابه ، أنه قال في مثل ذلك : إنما يؤول كلام المعصومين. وهو كما قال"
ثم ذكر كلام الذهبي فيه ( أي : في ابن عربي ) ، وساق الأسانيد إلى ابن عبد السلام بما يأتي من تكفيره ، ثم قال :
"وأما ابن الفارض ؛ فالاتحاد في شعره ، وأمرنا أن نحكم بالظاهر ، وإنمانؤول كلام المعصومين "
انظر إلى كلام العلماء في الكلام الذي ظاهره الكفر ، لا يجوز عندهم تأويله ؛ لأن التأويل لايكون إلا لكلام المعصومين ، ولم يقولوا : نجمع بين نصوصه المتعارضة ، أو نرجع إلى النسخ أو الترجيح ؛ لأن هذه الضوابط والقواعد إنما وضعت لكلام المعصومين عن الخطأوالكذب فيما يبلغونه عن الله ، وليس حال غيرهم وشأنه كذلك ، حتى يلجأ العلماء إلى مساواتهم بالمعصومين .
وقال البقاعي رحمه الله في خلال رده على من يتأول كلام ابن الفارض :
"مع أن الفاروق ابن الخطاب رضي الله عنه الذي ما سلك فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجه ، قد أنكر التأويل لغير كلام المعصوم ، ومنع منه رضي الله عنه ، وأهلك كل من خالفه وأرداه وبسيف الشرع قتله وأخزاه ، فيما رواه عنه البخاري في كتاب الشهادات من [ صحيحه ]: " إن ناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله ، وإن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ، فمن أظهر خيراً ؛ أمناه ، وقربناه ، وليس إلينا من سريرته شيء ، والله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءاً ؛ لم نأمنه ، ولم نصدقه ، وإن قال : إن سريرته حسنة "
وقد أخذ هذا الأثر الصوفية ، وأصلوا عليه طريقهم ، منهم صاحب " العوارف "، استشهد به في "عوارفه" وجعله من أعظم معارفه ، فمن خالف الفاروق رضي الله عنه ؛ كان أخف أحواله أن يكون رافضياً خبيثاً ، وأثقلها أن يكون كفاراً عنيداً .
وهذا الذي سماه الفاروق رضي الله عنه ظاهراً هو الذي يعرف في لسان المتشرعة بالصريح ، وهو ماقابل النص ، والكناية والتعريض .
وقد تبع الفاروق رضي الله عنه على ذلك بعد الصوفية سائر العلماء ، لم يخالف منهم أحد ؛ كمانقله إمام الحرمين عن الأصوليين كافة ، وتبعه الغزالي ، وتبعهما الناس .
وقال الحافظ زين الدين العراقي : إنه أجمع عليه الأمة من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل الاجتهاد الصحيح .
وكذا قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في التمهيد .
وأصله إمامنا الشافعي في " الرسالة " ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم [ إنكم تختصمون إليَّ ، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته ، فأقضي له...] الحديث. رواه الستة عن أم سلمة رضي الله عنها في أمثال كثيرة .
وقال الأصوليون كافة : التأول إن كان لغير دليل ، كان لعباً ، وما ينسب إلى بعض المذاهب من تأويل ما هو ظاهر في الكفر فكذب أو غلط منشؤه سوء الفهم… وإنما أولنا كلام المعصوم ؛ لأنه لا يجوز عليه الخطأ ، وأما غيره ؛ فيجوز عليه الخطأ سهواً وعمداً.
هذه أقوال من يجيز التأويل ؛ فكيف بأقوال أئمة الإسلام الذين لا يجيزون تأويل نصوص صفات الله ، ويوجبون الأخذ بظاهرها اللائق بالله ، المنزه عن مشابهة المخلوقين ؟! فإن هؤلاء أشدالناس أخذاً لأهل الباطل والبدع بظاهر أقوالهم "
انتهى كلام الشيخ ربيع حفظه الله تعالى
قلت : هذاتحرير بالغ من فضيلة الشيخ ربيع في تقرير أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم .
وفيه الرد على من يقول :" لا بد من تأويل كلام السلفي " فالسلفي ليس معصوماً ، فتكون هذه الكلمة مخالفةً للإجماع ، ولا يعني هذا عدم اعتبار السياق المفسر لمراد المتكلم فتنبه .
والتأويل هوصرف الكلام عن المعنى الراجح إلى معنى مرجوح لقرينة ، ويقابله الظاهر الذي هو دلالة الكلام على معنى راجح مع احتمالٍ لغيرٍ مرجوح .
وغير المعصوم يجوز عليه التناقض والضلال لهذا انعقد الإجماع على أنه لا يجوز تأويل كلامه .
وتأمل كيف أنهم لم يتأولوا كلام من ظاهر قوله الكفر الأكبر الذي يفوق كفر اليهود والنصارى كابن عربي وغيره مع انتسابهم لأهل العلم ، فمن باب أولى لا يتأول كلام من ظاهر قولهِ البدعة فنقل المرء من السنة إلى البدعة أهون من نقله من الإسلام إلى الكفر .
وهنا تذكر قاعدة :" ليس كل من وقع في الكفر كافر وليس كل من وقع في البدعة مبتدع "
وكذلك القول بحمل الكلام على أحسن المحامل ، إن كان المقصود به تأويل ما كان ظاهره باطلاً لم يجز ذلك.
وعلى ما سبق نقول :
لا يجوز تأويل قول من يقول :" الأصل في التعامل مع الكفار المودة "
فالظاهر المتبادر إلى ذهن كل من يقرأ الكلام الدعوة إلى مودة الكفار ، فلا يجوز حمل هذا الكلام على غير ظاهره لأن ذلك سيكون تأويلاً لكلام غير المعصوم .
ولا يجوز تأويل قول القائل:" والأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم ،فلا قتال حيث لاعدوان "
فظاهره تعطيل جهاد الطلب بل هو نصٌ في ذلك وحمله على غير هذا تأويل لكلام غير المعصوم .
ولا يجوز تأويل قول القائل : " وضمان حاجاته الأساسيّة ، وإدارة شؤون المجتمعات وفق مبادئ العدل والشورى ، والاستفادة مما قدّمه المجتمع الإنساني من صيغ وآليات لتطبيق الديمقراطيّة "
فظاهره الثناء على الديمقراطية الكافرة فلا يجوز تأويله على غير هذا لأنه تأويلٌ لكلام غير المعصوم .
وهذه العبارات وغيرها قد دلت القرائن على أن قائلها ما أراد إلا ظاهرها ، مع كون الأصل هو الظاهر .
القرينة الأولى : دعوة الناس متعلمهم وجاهلهم إلى تأييد هذا الكلام .
الثانية : الإحتفاء بتواقيع أهل الضلال على هذا الكلام .
الثالثة : كون عامة المواطن المنتقدة كلها سائرةً على وتيرة واحدة وهي وتيرة التمييع .
وإن من المكر الكبار جعل الظاهر من قبيل المجمل ، ومعلومٌ عند من درس علم الأصول الفرق الواضح بين ( المجمل ) و ( الظاهر ) ، فإن المجمل ما لا يستفاد منه عند الإطلاق عمل ، أوما يتوقف فهم معناه على غيره ، وبعضهم عرفه بأنه ما لا يستفاد منه عند الإطلاق معنى وهذا أشبه بكلام أهل التفويض والتعريفان السابقان أصح.
فما صح أن يستفاد منه معنى مستقل بذاته لا يكون مجملاً البتة
وإنما هو من قبيل الظاهر أو النص ، وكيف يكتب المرء ميثاقاً يدعو جميع المسلمين على القول به وتكون أهم فقراته من قبيل المجمل الذي لا يفهم إلا بغيره !
ثم إنهم هم يجنون على أنفسهم بأنفسهم فيقولوا :
" نتأول هذه الفقرة بكذا "
و : " يمكنك حمل هذه الفقرة على كذا "،
والتأويل إنما يقابل الظاهر كما يقابل المجمل المبين ، وكذا كلام سيد ابن قطب في خلق القرآن ووحدة الوجود هو من قبيل الظاهر وليس من قبيل المجمل.
ثم إننا لوتنزلنا وقلنا أن هذه الألفاظ مجملة فقد ذم السلف استخدام الألفاظ المجملة المحتملة في الرد على أهل الباطل.
قال الشيخ ربيع في جواب حول مسألة اشتراط إقامة الحجة في التبديع :" قال شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل [ 1/254] :
فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل.
ويرُاعون أيضاً الألفاظ الشرعية ، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا , ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتابوالسنة ردوا عليه .
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا ، وقالوا : إنما قابل بدعة ببدعة وردَّ باطلا بباطل"
أقول - الشيخ ربيع - :
في هذا النص بيان أمور عظيمة ومهمة يسلكها السلف الصالح للحفاظ على دينهم الحق وحمايته من غوائل البدع والأخطاء منها :
1- شدة حذرهم من البدع ومراعاتهم للألفاظ والمعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل ، فلا يعبرون - قدر الإمكان - إلا بالألفاظ الشرعية ولا يطلقونها إلا على المعاني الشرعية الصحيحة الثابتة بالشرع المحمدي .
2- أنهم حراس الدين وحماته ، فمن تكلم بكلام فيه معنى باطل يخالف الكتاب و السنة ردوا عليه .
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة ولو كان يرد على أهل الباطل ، وقالوا إنما قابل بدعة ببدعة أخرى ، ورد باطلا بباطل ، ولو كان هذا الراد من أفاضل أهل السنة والجماعة ، ولا يقولون ولن يقولوا يحمل مجمله على مفصله لأنا نعرف أنه من أهل السنة .
قال شيخ الإسلام بعد حكاية هذه الطريقة عن السلف والأئمة :" ومن هذا القصص المعروفة التي ذكرها الخلال في كتاب " السنة " هو وغيره في مسألة اللفظ والجبر ".
أقول:
يشير - رحمه الله تعالى- إلى تبديع أئمة السنة من يقول :" لفظي بالقرآن مخلوق " لأنه يحتمل حقاًوباطلاً ، وكذلك لفظ " الجبر " يحتمل حقاً وباطلاً ، وذكر شيخ الإسلام أن الأئمة كالأوزاعي وأحمد بن حنبل ونحوهما قد أنكروه على الطائفتين التي تنفيه والتي تثبته .
وقال رحمه الله :" ويروى إنكار إطلاق " الجبر " عن الزبيدي وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم.
وقال الأوزاعي وأحمد وغيرهما :" من قال جبر فقد أخطأ ومن قال لم يجبر فقد أخطأ بل يقال إن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ونحو ذلك .
وقالوا ليس للجبر أصل في الكتاب والسنة وإنما الذي في السنة لفظ - الجَبْل - لا لفظ الجبر ؛ فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأشج عبد القيس :" إن فيك لخلقين يحبهما الله : الحلم والأناة فقال : أخلقين تخلقت بهما أم خلقين جبلت عليهما ؟، فقال : " بل جبلت عليهما "،
فقال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ".
وقالوا إن لفظ " الجبر " لفظ مجمل .
ثم بين أنه قد يكون باعتبار حقاً وباعتبار باطلاً ، وضرب لكل منهما مثالاً .
ثم قال :" فالأئمة منعت من إطلاق القول بإثبات لفظ الجبر أو نفيه ، لأنه بدعة يتناول حقاً وباطلاً " اهــ
قلت : والعلماءالسلفيون لم يتأولوا لبعض الأجلاء لما زلت أقدامهم
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (14 /354 ) :" وشاع هذا القول في كثير من الصوفية ومشايخ المعرفة و الحقيقة فصاروا يوافقون جهماً في مسائل الأفعال و القدر و إن كانوا مكفرين له في مسائل الصفات كأبي إسماعيل الأنصاري الهروي صاحب كتاب ذم الكلام فانه من المبالغين في ذم الجهمية لنفيهم الصفات و له كتاب تكفير الجهمية و يبالغ في ذم الأشعرية مع أنهم من أقرب هذه الطوائف إلى السنة و الحديث و ربما كان يلعنهم
وقد قال له بعض الناس بحضرة نظام الملك أتلعن الأشعرية فقال ألعن من يقول ليس في السموات إله و لا في المصحف قرآن و لا في القبر نبي و قام من عنده مغضبا.
ومع هذا فهو في مسألة إرادة الكائنات و خلق الأفعال أبلغ من الأشعرية لا يثبت سببا و لاحكمة بل يقول إن مشاهدة العارف الحكم لا تبقي له استحسان حسنة و لا استقباح سيئة
والحكم عنده هي المشيئة لأن العارف المحقق عنده هو من يصل إلى مقام الفناء فيفنى عن جميع مراداته بمراد الحق و جميع الكائنات مرادة له و هذا هو الحكم عنده والحسنة و السيئة يفترقان في حظ العبد لكونه ينعم بهذه و يعذب بهذه و الالتفات إلى هذا هو من حظوظ النفس و مقام الفناء ليس فيه إلا مشاهدة مراد الحق "
قلت : أبوإسماعيل الأنصاري هذا عالمٌ جليل وقد اشتهر عنه تكفير الأشاعرة ولعنهم وله كتابٌ عظيم اسمه ( ذم الكلام ) كله ( حدثنا ) و ( أخبرنا ) عقد فيه فصلاً في لعن أهل البدع وأهل الكلام .
وقد عرض على السيف على عدة مرات لا يقال له ارجع عن مذهبك وإنما يقال له ( اسكت عمن خالفك)
وقد تمعر منه بعض متعصبة الأشعرية حتى قال السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى " (3/132): اعلم أن أبا إسماعيل الهروي الذي تسميه المجسمة شيخ الإسلام..اهـ
ومع هذا كله لما تأثر بالمتكلمين في باب العلل والأسباب ، أدانه العلماء السلفيون بذلك كما في كلام شيخ الإسلام السابق ، ولم يقولوا :" قد صنف كتاباً عظيماً في ذم أهل الكلام فكيف يصدر منه هذا " وإن كان ذلك دخل عليه من باب التصوف لا من باب الكلام غير أن كلاهما منافٍ للتمسك بالأثر الذي دعا إليه الهروي في كتابه العظيم ( ذم الكلام ) .
وقال السبكي في طبقات الشافعية (5/270) : " ذكر البحث عما رمي به الماوردي من الاعتزال
قال ابن الصلاح هذا الماوردي عفا الله عنه يتهم بالاعتزال وقد كنت لا أتحقق ذلك عليه وأتأول له وأعتذرعنه في كونه يورد في تفسيره في الآيات التي يختلف فيها أهل التفسير تفسير أهل السنة وتفسير المعتزلة غير متعرض لبيان ما هو الحق منها وأقول لعل قصده إيراد كل ما قيل من حق أو باطل ولهذا يورد من أقوال المشبهة أشياء مثل هذا الإيراد حتى وجدته يختار في بعض المواضع قول المعتزلة وما بنوه على أصولهم الفاسدة ومن ذلك مصيره في الأعراف إلى أن الله لا يشاء عبادة الأوثان وقال في قوله تعالى { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن } وجهان في جعلنا أحدهما معناه حكمنا بأنهم أعداء والثاني تركناهم على العداوة فلم نمنعهم منها.
وتفسيره عظيم الضرر لكونه مشحونا بتأويلات أهل الباطل تلبيسا وتدسيسا على وجه لا يفطن له غير أهل العلم والتحقيق مع أنه تأليف رجل لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة بل يجتهد في كتمان موافقتهم فيما هو لهم فيهم وافق ثم هو ليس معتزليا مطلقا فإنه لا يوافقهم في جميع أصولهم مثل خلق القرآن كمادل عليه تفسيره في قوله عز وجل
{ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } وغير ذلك ويوافقهم في القدر وهي البلية التي غلبت على البصريين وعيبوا بها قديما "
قلت : انظر كيف حذر ابن الصلاح من تفسير الماوردي لوجود تأويلات المعتزلة فيه ، مع كون المارودي يخالفهم في بعض المسائل فلم يجعل مخالفته لهم في بعض الأبواب حادياً له على ( تأويل ) كلامه الآخر الذي يوافقهم فيه
وتأمل كيف حذر ابن الصلاح من تفسير الماوردي مع كون مصنفه عالماً شافعياً جليلاً وهو صاحب كتاب ( الحاوي ) الذي يعد من أنفس كتب الفقه الشافعي وأوسعها ، فكيف لو رأى تفسير ( ابن قطبٍ ) أو غيره ممن تجرأ على كتاب الله عز وجل وافتأت على علماء الأمة والله المستعان.
قال الشيخ ربيع المدخلي في النصوص النبوية السديدة : " ومنها حديث ابن عباس-رضي الله عنهما - : أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ما شاء الله وشئت ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : أجعلتني لله عدلاً.قل : ما شاء الله وحده.
الشاهد من الحديث : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الصحابي الجليل الذي لا يريد إلا إجلال النبي - صلى اللهعليه وسلم -: أجعلتني لله عدلاً , وفي لفظ : أجعلتني لله ندًا .
وله شاهد من حديث قتيلة بنت صيفي الجهنية - رضي الله عنها - قالت : إن حبرًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : إنكم تشركون ، تقولون : ما شاء الله وشئت ، وتقولون : والكعبة . فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم- : قولوا : ما شاء الله ثم شئت ، وقولوا : ورب الكعبة .
والشاهد منه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يغضب من قول اليهودي بل أقره وأمر أصحابه : أن يقولوا القول الصواب الذي لا يخدش في التوحيد ، ولم يأمرالنبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ولا أمر اليهودي بحمل المجمل على المفصل - صلى الله عليه وسلم-وهو الناصح الأمين .
وللحديثين شواهد في الجملة فيها النهي عن قول : ما شاء الله وشئت .
• قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخطيب من خطباء أصحابه يريدالخير . قال هذا الصحابي في خطبته : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى
فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: بئس خطيب القوم أنت .
هذا صحابي جليل - رضي الله عنه - لم يحمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجمله على مفصله وإن كان صحابيًا لا يريد إلا خيرًا.
هذا النص وحده في نظر المؤمنين يدك قواعد من يقول : " حمل المجمل على المفصل " و" منهج الموازنات " و " نصحح ولا نهدم الأشخاص " ، فهل هناك أشد من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : بئس خطيب القوم أنت !؟
فإذا قال خطيب قوم كلامًا باطلاً ، أو قال في كتاب ، أو شريط ببدعة فقلنا له : بئست البدعة بدعتك لحق لنا ذلك ؛ لأننا مستندون إلى جبل عظيم وهو هذا النص النبوي العظيم والموقف المحمدي الكريم .
فلو جاءنا احدهم بقال فلان وقال علان نقول له : سلم للأدلة واعرف قواعد السلف المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله مثل قولهم : ( إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ) و ( كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم ")
أقول : فأين التأويل ؟ ، والحمل على أحسن المحامل لمن كان على الجادة وإن كان ظاهر كلامه باطلاً ؟
قال البخاري [212 ]حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ.
قلت : في هذا الحديث أن النية السليمة لا تصحح العامل الفاسد فالذي سيسب نفسه لا يقصد ذلك قطعاً
فلا يأتي أحدهم بتأصيلات يهون فيها من شأن البدع ويقول :" لا أقصد التهوين "
فالمراد لا يدفع الإيراد وذاك الصحابي ما قصد أن يجعل لله نداً قطعاً
وكذلك من يسب الصحابة ويصفهم بــ الغثاء ثم يزعم أنه لا يقصد السب ، أو يقول تأولوا للسني إذا قالها متناسياً أن غير المعصوم لا يتأول كلامه .
ولا يأتين بعد ذلك متحذلق يقيس قياساً بارداً ويقول :" إذا كان كلام الله يؤول وفيه محكم ومتشابه فكلام الناس من باب أولى "
وما علم المسكين أن الوحي لا يتناقض والخلق يتناقضون .
وقال العلامة أحمد بن يحيى النجمي في " تنبيه الغبي على مخالفات أبي الحسن المأربي" ( ص/14 ), إذ قال : أنا لا أمنع من جمع كلام العالم الذي فيه احتمال , إلى كلامه الآخر , ليتبين بالكلام الآخر هل القائل يسير على وتيرةٍ واحدة , أم أن كلامه الآخر مناقض للأول , بل إن هذا الجمع المقصود منه أن يتبين هل هو مشى على الحق والأدلة في الموضعين , فتعرف نزاهته , أو يتبين ميله في أحدهما , فيدان بذلك الميل.اهـ
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
منقول
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- الدولة : مصر
المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 48
رد: مجموع فتاوي العلماء السلفيين في بدعة حمل المجمل على المفصل من كلام البشر
سؤال :
لماذا لا يتأول إلا كلام المعصوم؟
الجواب :
لأن المعصوم صلى الله عليه وسلم لا يصدر منه إلا الحق والصدق؛ فإذا جاء عنه ما يخالف ذلك في ظاهره تأولناه، لوجود قرينة صارفة عن الأخذ بالظاهر.
وحينما تتأول كلام شخص ليوافق الحق فكأنك ترى أنه معصوم عن الوقوع في الخطأ، لذا لا يتأول إلا كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وهذه مسألة غير مسألة فهم مراد الشخص من كلامه؛
فهنا من حقه أن تجمع كلامه بعضه إلى بعض لتفهم مراده.
ولك أن تقول: إن كلامه في هذا المحل موهم الخطأ، لكنه في الموضع الآخر أصاب الحق، إن شاء الله.
ففرق بين أن تتأول كلامه ليوافق الحق. وبين أن تجمع كلامه لتفهم مراده.
والشوكاني رحمه الله لما قيل له - كما في الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (كتاب الصوارم الحداد) (2/ 1000) -
نتأول كلام ابن العربي الطائي الصوفي ليوافق الحق؟
أجاب بمامعناه:
يلزم على هذا جواز أن نتأول كلام اليهود والنصارى وسائر المشركين ليوافق الحق!
[وقد أجمع المسلمون أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم مقيدا بعدم المانع منه.
والتصريح بأن المراد بالكلام ظاهره يمنع تأويل كلام المعصوم، فكيف يؤول كلام ابن عربي بعد تصريحه بذلك ؛
فانظر يا مسكين ما صنع بك الجهل وإلى أي محل بلغ بك حب هؤلاء، والله جل جلاله قد حكم على النصارى بالكفر بقولهم: هو ثالث ثلاثة فكيف لا نحكم على هؤلاء. مما يقتضيه قولهم!]
والله الموفق!
من موقع الشيخ علي الفيس
ومن العبارات الموهمة:
قولهم: "يحمل كلام كل أحد من العلماء مجمله على مبينه".
هكذا يقول بعض الناس، دفاعاً عن من صدرت منه عبارة بدعية، يؤيد بها مقولة من مقولات أهل البدع، فإذا جئت تحذر منه لعبارته تلك، دفع في صدرك بقوله: "احمل عبارته هذه على كلامه في الموضع الآخر من كتبه"؛ وهذا الأمر من الباطل، ومعول من معاول هدم السنة، ونصرة أهل البدعة، وبيان ذلك من وجوه:
الأول : أننا لو سلمنا جدلاً صحة هذه العبارة، فإننا نقول: إن المجمل هو الكلام الذي لم يظهر معناه، وهنا العبارة المنتقدة عبارة ظاهرة في تقرير البدعة، فكيف تكون من باب المجمل؟ بل هي عبارة ظاهرة في معناها، فلا تحمل على غيرها. كيف وهذه العبارة غير صحيحة كما سيأتي؟!
الثاني : هذا الأسلوب في التعامل مع عبارات غير المعصومين غير صحيح، لأن الأصل هو التعامل مع الناس بحسب الظاهر، والله يتولى السرائر. كما جاء في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رحمه الله أنه قال: "إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة".
الثالث : إنما يحمل الكلام المجمل على المفصل إذا صدر من معصوم من الوقوع في الخطأ، و لا يناقض كلامه بعضه ببعض، أما غير المعصوم فلا! و لذلك ذكر أهل العلم أنه لا يتأول لغير المعصوم.
الرابع : أن هذا خروج عن منهج السلف الصالح في باب رد البدع والإنكار على أهلها، فلم نرهم رحمهم الله حملوا كلام أحد مجمله على مبينه، أو ظاهره على مؤوله، بل كانوا رحمهم الله ينكرون المقالة البدعية إذا صدرت من أي أحد، ولم يقل أحد منهم: علينا أن نحمل كلام هذا العالم بعضه على بعض!
الخامس : أن هذا المنهج يعطل باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنك ما تعود تنكر باطلاً ولا منكراً حتى تسأل عن مبينه وعن مؤوله، وهكذا حتى لا يتميز الحق ويضيع.
السادس : أن هذا المنهج يفتح الباب لأهل الباطل في بث باطلهم، وكلما أراد أهل السنة فضحهم وبيان بدعهم تستروا بمثل هذه العبارات من باب حمل المجمل على المبين والظاهر على المؤول!
السابع : أن هذه العبارة فتح لباب شر عظيم على عوام المسلمين، إذ يؤدي إلى تضييع التمييز بين أهل السنة وغيرهم، فلا يعرف أهل السنة فيؤخذ عنهم، و لا يعرف أهل البدعة فلا يؤخذ عنهم.
الثامن : بالرجوع إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الألفاظ والعبارات التي كان يسمعها فإننا نراه عليه الصلاة والسلام لم يحمل مجملها على مبينه، و لا عامها على خاصه، إنما حكم على كل عبارة بحسبها، وانظر ما جاء في إنكاره صلى الله عليه وسلم قول الرجل: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل إنا نستشفع بك إلى الله ونستشفع بالله إليك؛ وتأمله تعلم صدق قولي في بطلان قولهم: يحمل كلام كل أحد مجمله على مبينه.
التاسع : أن هذه العبارة تؤدي إلى تقرير تفسيرات الباطنية للشريعة، وتصحح كلام أكابرهم، وتروج له، وما أدى إلى باطل فهو باطل!
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في الأحد أبريل 21, 2024 1:49 pm عدل 1 مرات
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- الدولة : مصر
المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 48
رد: مجموع فتاوي العلماء السلفيين في بدعة حمل المجمل على المفصل من كلام البشر
حول المجمل والمفصل في كلام الناس
إن الحمد لله، نحمده، و نستعينه ، و نستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ }[آل عمران :102].
{ يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً }[النساء :1].
{ يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب : 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أمّا بعد:
حمل المجمل على المفصل يُبحث - ابتداء - في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم – لأنه لا يكون إلا حقاً فالنبي- صلى الله عليه وسلم- معصوم لا يتضمن كلامه معنىً باطلاً فما كان من كلامه – صلى الله عليه وسلم –مجملاً فيحمل على المبين المفسر من كلامه أيضاً أو من فعله فمجمله ومفصله حق لا يكون باطلاً لكن المجمل يتوقف عن العمل به حتى يتجلى المراد منه بالمفصل المبين .
بينما كلام غيره – صلى الله عليه وسلم – من الناس يجري فيه الخطأُ و الباطلُ والغفلةُ والسهو فما كان مجملاً متضمناً لمعنى باطل أو كان ظاهراً في المعنى السيئ فإننا نردُّه ولا نلجأ إلى قولنا يحمل المجمل على المفصل كما يُفعل مع كلامه – صلى الله عليه و سلم – للفارق البيَّن .
فإن أهل العلم تعاملوا مع إطلاقات العلماء ومجمل كلامهم بالنظر فيه فإن كان متضمناً لباطل أو كان ظاهراً في المعنى السيئ فإنهم يردون هذا المجمل ويحكمون عليه بحسبه خطأً أو بدعةً .
ويأتون بمبين المتكلم الغالب عليه كحكم على حال الرجل ويعتذرون له لا سيما إذا كان من العلماء الحريصين على السنة والاتباع ويعلمون بُعده عن هذا المعنى الباطل لكنهم يردون مجمله السيئ ولا يقبلونه و يعتذرون له لمكانته وفضله هذا في الأموات من أهل العلم أمَّا الأحياء منهم فيطالبون بسلوك طريق البيان وترك الإجمال الموهم للمعاني الباطلة .
وانظر إلى إطلاق حمل المجمل على المفصل على كلام غير رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دون النظر إلى هذا المجمل وما تضمنه من معنى باطل أو بدعة كيف يهوّن من شأن إطلاق المجملات ويفتح باباً لتقرير البدع والضلالات تحت هذه القاعدة ولا يخفاك أن الألفاظ المجملة هي تُكأةُ أهل البدع وظلهم الذي يستظلون بمكرهم تحته .
إن إطلاق[1] القول بأنَّ ا لمجمل يحمل على المفصل في كلام الناس الذي لا يخلو من حدوث خطأ أو وهم أو بدعة يجعل المخطئ يتفلت من النقد فراراً إلى المفصل و يقول – دفاعاً – لِمَ تنكرون عليّ ومجمل كلامي يحمل على المفصل !
فهل كان العلماء يتعاملون مع المجمل لا سيما الظاهر في البدعة و المعاني السيئة بما يلهج به القائلون بحمل المجمل على المفصل - مطلقاً – .
إليك ما قاله شيخ الإسلام[2]
(( فطريقة السلف والأئمة يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل ويراعون أيضاً ألألفاظ الشرعية فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة –أيضاً – وقالوا إنما قابل بدعة ببدعة وردّ باطلاً بباطل )) .
هذه هي طريقة السلف مع الألفاظ فلم يقل – رحمه الله – ومن تكلم بما فيه معنى باطل حملوه على المفصل من كلامه بل قال : ردوا عليه ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً لم يقل هو من أهل السنة يحمل عل المفصل بل قال شيخ الإسلام نسبوه إلى البدعة .
نعم النظر إلى القائل معتبرٌ والتأمل في حاله وطريقته وقصده وعرفه أمرٌ يعتني به العلماء لكن هذا لا يمنع من نقده في إطلاقه والحكم على هذا الإطلاق بحسبه خطأً أو بدعةً بل يجب ذلك إتباعاً لطريقة السلف وحماية من الآثار السيئة للألفاظ المجملة التي يتلفظ بها ولا يتفطن لها إلا العلماء الراسخون فيحكمون على العالم المعلوم نصرته للسُنة وذبه عنها وقد عرفوا سلامة قصده وحسن إتباعه وتوخيه للحق بخطأ هذا الإطلاق وسلامته من لازمه لما عُلم من طريقته وحاله .
وأهلُ العلم يجرون فيما يقررُنه من مسائل العلم على البيان والتفصيل لا على الإجمال والتعمية لا سيما في المضايق ومواطن الالتباس وهذا من سيما العالم أنه يُحسن إيراد ما يريد بحيث يُفهم منه العلم وتُفقه الحجُّة ولذا يقلُّ الإجمال في كلامهم بخلاف أهل الأهواء فإن الإجمال مركبهم في لُجج الإضلال وسبيلهم في نشر باطلهم وأهل النقد من العلماء يحكمون على هذا الإطلاق والإجمال الظاهر في المعنى السيئ بحسبه ويردونه ويأمرون قائله بسلوك سبيل البيان وفق منهج أهل السنة وترك اللبس والإيهام .
فإن فَعل شكروا له ذلك وتأكد لهم سلامة قصده وبُعده عن الهوى وتوخيه للحق وإن لم يفعل وأصرَّ على عبارته عُدّ معانداً قاصداً الهوى لا الحق فيحكمون عليه بحسب خطئه وقرائن أحواله .
وتأمل ما قاله شيخ الإسلام حول الألفاظ المجملة كلفظ الجوهر والعرض والجسم المتضمنة للمعاني الباطلة هل قال رحمه الله تُحمل ممن تكلم بها على المفصل أم ردَّ هذه الإطلاقات لما تحمله من إجمال وإيهام للمعاني السيئة .
قال رحمه الله [3] : (( فَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ لَمْ يَكْرَهُوا الْكَلَامَ لِمُجَرَّدِ مَا فِيهِ مِنْ الِاصْطِلَاحَاتِ الْمُوَلَّدَةِ كَلَفْظِ " الْجَوْهَرِ " وَ " الْعَرَضِ " وَ " الْجِسْمِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ بَلْ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِيهَا مِنْ الْبَاطِلِ الْمَذْمُومِ فِي الْأَدِلَّةِ وَالْأَحْكَامِ مَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ لِاشْتِمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَعَانٍ مُجْمَلَةٍ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ )) .
كما قال الإمام أحمد - رحمه الله - في وصفه لأهل البدع[4] : ((هم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون على مخالفة الكتاب يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويُلَبسون على جهال الناس بما يتكلمون به من المتشابه فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات ووزنتْ بالكتاب والسنة كان ذلك هو الحق بخلاف ما سلكه أهل الأهواء من التكلم بهذه الألفاظ نفياً وإثباتاً في الوسائل والمسائل من غير بيان التفصيل والتقسيم الذي هو الصراط المستقيم وهذا من مثارات الشبه ... ))
فتأمل – طالب العلم – في قول شيخ الإسلام وما سلكه أهل الأهواء من التكلم بهذه الألفاظ نفياً وإثباتاً في الوسائل والمسائل من غير بيان التفصيل والتقسيم كيف جعل هذا الإطلاق المتضمن للباطل المذموم سبيلاً لأهل الأهواء .
فإن قال قائل : فإن أطلق العبارة المتضمنة للمعنى السيئ ثم فصّل ما يريد وفاقاً لأهل السنة , كان الجواب ما تقدم نقله عن شيخ الإسلام في تقرير طريقة السلف حيث قال : (( فطريقة السلف والأئمة يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل يراعون أيضاً الألفاظ الشرعية فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً )) اهـ
وإن كان ما يقرره وفق منهج أهل السنة فإن العبارة التي بها إجمال وإيهام للمعنى السيئ أو متضمنة لباطل يجب إبدالها بعبارة لا لَبْسَ فيها ولا إيهام وأكدَّ هذا شيخ الإسلام فقال[5] : (( فليس لأحد أن يبتدع اسما مجملاً يحتمل معاني مختلفة لم ينطق به الشرع ويعلق به دين المسلمين ولو كان قد نطق باللغة العربية فكيف إذا أحدث اللفظ معنى آخر)).
والمعنى الذي يقصده إذا كان حقاً عبر عنه العبارة التي لا لبس فيها .
إن هذا الموقف من الأئمة سدٌّ لذريعة تقرير المعاني الباطلة لدى أهل الأهواء عبر طريق الإجمال والإيهام فإنهم لا يستطيعون أن يصرحوا بالباطل المحض وإنما يلجئون إلى الألفاظ المحتملة التي فيها من الحق ما يخادعون به ومن التلبيس ما يغررون ...
قال شيخ الإسلام[6] :(( لا يشتبه على الناس الباطل المحض بل لابد أن يشابه بشيء من الحق )) .
فيقطع الأئمة على هؤلاء طريقهم بزجرهم عن هذا الإجمال و الإطلاق لا سيما في فيما يعود على قواعد الدين بالنقض والهدم.
وكل زمن تنشأ فيه أمور ولأهل الأهواء في كل وقت طرقٌ غامضة .
وتأمل لفظ ( الجبر ) ماذا جرى حوله في زمن الإمام أحمد رحمه الله ومن قبله من الأئمة كالأوزاعي وغيره كيف تعامل معه الأمام أحمد إمام أهل السنة وهو لفظ مجمل ٌ ظاهر في إرادة الباطل وإن قيل أن له معنىً صحيحاً , فمنع الأئمة إطلاق هذا اللفظ المجمل نفياً وإثباتاً وحذّروا منه لما يفضي إلى موافقة أهل الأهواء في باطلهم .
قال شيخ الإسلام[7]: (( ولهذا نصّ الأئمة كالإمام أحمد ومن قبله من الأئمة كالأوزاعي وغيره على إنكار إطلاق القول بالجبر نفياً وإثباتاً فلا يقال ( إن الله جبر العباد ) ولا يقال ( لم يجبرهم ) فإن لفظ ( الجبر ) فيه اشتراك وإجمال فإن قيل ( جبرهم ) أشعر أن الله يجبرهم على فعل الخير والشر بغير اختيارهم وإذا قيل ( لم يجبرهم ) أشعر بأنهم يفعلون ما يشآؤون بغير اختيار وكلاهما خطأ )) .
وقال - رحمه الله -[8] : ((وأما الأوزاعي فإنه منع من إطلاق هذا اللفظ وإن عُني به هذا المعنى حيث لم يكن له أصل في الكتاب والسنة فيفضي إلى إطلاق لفظ مبتدع ظاهر في إرادة الباطل وذلك لا يُسَوغ وإن قيل أنه أراد به معنى صحيح !)) .
ثم قال : (( وجواب الأوزاعي أقوم من جواب الزبيدي لأن الزبيدي نفى الجبر والأوزاعي منع إطلاقه إذ هذا اللفظ يحتمل معنى صحيحاً فنفيه قد يقتضي نفي الحق والباطل )) .
... إلى أن قال (( فإذا امتنع من إطلاق اللفظ المجمل المحتمل المشتبه زال المحذور وكان أحسن من نفيه وإن كان ظاهراً في المجمل المعنى الفاسد خشية أن يظن أنه ينفي المعنيين جميعاً )) .
وقال - رحمه الله -[9] : (( فلمّا كان لفظ الجبر مجملاً نهى الأئمة الأعلام عن إطلاق إثباته أو نفيه ))
وقُل مثل هذا في ألفاظ كثيرة فيه إجمال كلفظ الرزق والتأثير.... وغيرها منع الأئمة إطلاقها نفياً وإثباتاً .
فأئمة أهل السنة لا يقبلون الألفاظ الموهمة للمعاني السيئة وإن كان قائلُها له قصدٌ حسن .
انظر ماذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ لبعض من ناظره[10] : (( فقلت له : من قال إن الظاهر غير مراد بمعنى أن صفات المخلوقين غير مراده , قلنا له أصبت في " المعنى " لكن أخطأت في " اللفظ " وأوهمت البدعة وجعلت للجهمية طريقاً إلى غرضهم وكان يمكنك أن تقول : تُمَر كما جاءت على ظاهرها مع العلم بأن صفات الله تعالى ليست كصفات المخلوقين وأنه منزه مقدس عن كل ما يلزم منه حدوثه أو نقصه )) .
فأين حمل هذا اللفظ الموهم المجمل على المفصل بل ترى حرص العلماء على دفع الألفاظ الموهمة وتخطئة إطلاقها واستعمال الألفاظ الصريحة في الحق وتأمل قول شيخ الإسلام : (( وأوهمت البدعة وجعلت للجهمية طريقاً إلى غرضهم )) .
مع أن هذا المتكلم بهذا اللفظ الموهم له معنى حسن غير مُريد للباطل لكن لم يتركه شيخ الإسلام دون نقد لإطلاقه هذا اللفظ المُوهم المُجمل وجعله مُخطئاً في لفظه فكيف بمن عُرف من طريقته وقرائن أحواله أن له معنى سيئا ًيخدم به أهل الأهواء ويُنافح به عن باطلهم .
وقد مرّ بي في مداواة النفوس لابن حزم ذمه للإجمال الظاهر في المعنى السيئ ولو فُسِّر بعدُ وبُيِّن .
قال رحمه الله[11] : (( وأنا أقول إن من وصفي بذلك فقد أجمل الكلام ولم يفسره والكلام إذا أُجمل اندرج فيه تحسين القبيح وتقبيح الحسن ألا ترى لو أن قائلاً قال : إن فلاناً يطأ أخته ! لفحش ذلك ولاستقبحه كل سامع له حتى إذا فُسّر فقال : هي أخته في الإسلام ظهر فُحش هذا الإجمال وقبحه)) .
لم يقل ابن حزم حتى إذا فسّر زال الحرج والملام بل قال حتى إذا فسّر ظهر فحش هذا الإجمال وقبحه .
أنظروا – يا قوم - مجملٌ ويُوسَم بالفُحش والقبح ومع ظهور قبح قول القائل : ( فلان يطأ أخته ) إلاّ أنه لا يزال في اللفظ إجمال لاحتمال أن يكون المراد أخته في الإسلام .
فتأمل تعبير العلماء في إطلاق لفظ المجمل على ما كان ظاهراً في المعنى السيئ ودفع هذا الإجمال وردُّه ولا يتسلُّون عن هذا الزجر للمجمل بأنه له تفسيراً حسناً !
وانظر إلى موقف الإمام أحمد - رحمه الله - مع أحمد ابن رجاء لمّا أطلق لفظ (( الجبر )) وهو لفظ مجمل مع أن أحمداً كان في صدد الرد على رجل قدري وأحمد بن رجاء من أهل السنة أنظر كيف زجره الإمام أحمد وأمر المسلمين بهجره .
قال أنبائنا المروذي قال : كتبت إلى عبد الوهاب في أمر حسن بن خلف العكبري وقال : إنه تنزه عن ميراث أبيه فقال رجل قدري : إن الله لم يجبر العباد على المعاصي فردّ عليه أحمد بن رجاء فقال : إن الله جبر العباد على ما أراد أراد بذلك إثبات القدر فوضع أحمد بن علي كتاباً يحتج فيه فأدخلته على أبي عبد الله فأخبرته بالقصة فقال : ويضع كتاباً !! وأنكر عليهما جميعاً على ابن رجاء حين قال : جبر العباد وعلى القدري لمّا قال : لم يجبر وأنكر على أحمد بن علي بن رجاء في وضعه الكتاب واحتجاجه وأمر بهجرانه لوضعه الكتاب وقال لي : يجب على ابن رجاء أن يستغفر ربه لمّا قال جبر العباد فقلت لأبي عبد الله فما الجواب على المسألة ؟
قال : يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء
قال المروذي في هذه المسألة أنه سمع أبا عبد الله لمّا أنكر على الذي قال لم يجبر وعلى من ردّ جبر فقال أبو عبد الله : (( كلما ابتدع رجل بدعة اتسعوا في جوابها وقال : يستغفر ربه الذي ردّ عليهم بمحدثة وأنكر على من ردّ بشيء من جنس الكلام إذا لم يكن له فيها إمام مقدم )).
قال المروذي : فما كان بأسرع من أن قَدُمَ أحمد بن علي بن رجاء من عكبر ومعه مشيخة وكتاب من أهل عكبر فادخل أحمد بن علي على أبي عبد الله فقال :(( يا أبا عبد الله هو ذا الكتاب ادفعه إلى أبي بكر حتى يقطعه وأنا أقوم على منبر عكبر وأستغفر الله عز وجل فقال أبو عبد الله لي : ينبغي أن تقبلوا منه فرجعوا إليه )).إهـ
وفي قصة الإمام أحمد مع أحمد بن رجاء فوائد وعِبَر لمن تأمل انظر إلى قوة الإمام أحمد في السنة وإغلاق الباب بإحكام أمام الألفاظ المجملة المتضمنة لمعان باطلة حماية للدين وقطعاً لطريق أهل الأهواء القائم على الإجمال والتعمية وإن كان المتكلم بهذا اللفظ المجمل ينصر السنة في نظره ويرد على أهل البدع في ظنه .
لم يقل الإمام أحمد : أحمد بن رجاء من أهل السنة معلومٌ طريقه ومسلكه وله مفصل حسن يُحمل عليه !!
بل بادر بالإنكار لهذا اللفظ الموهم للبدعة وزجر أحمداً وأمر الناس بهجره لأنه لم يكن ساكتا عما يعتقد بل أخرج للناس كتابا مُقررا فيه أن الله جبر العباد على ما أراد فكان بذا داع إلى هذا اللفظ المحدث فكان من الإمام أحمد هذا الزجر الشديد آمرا الناس بهجره وتركه .
وتأمل أنه لم يغفر لابن رجاء كونه يرد على قدري وهو خصم لأهل السنة جميعا فمن رام أن يرد على أهل الأهواء فلا يرد بدعة ببدعة .
وأهل السنة ليسو بحاجة إلى أن يتسعوا في جواب أهل البدع فعندهم من الحق الأبلج الواضح ما يغنيهم عن غياهب المجملات ومغبة الإطلاقات , وتأمل رعاك الله أن الإمام أحمد لم يزجر ابن رجاء تاركا الحق غامضا بل دل الأمة إلى الحق من كتاب الله فقال مجيباً عن المروذي حين سأله عن جواب المسألة قال : يضل من يشاء ويهدي من يشاء , فما أخصره من جواب وما أقوى حجته ومن لم يقنع به فلا قنع .
إن أمتنا ترزأ في أحيان كثيرة بمن كثر كلامه وقل علمه وضعفت بصيرته وتعمق وتكلف , ورضي الله عن عبد الله بن مسعود لما وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ... أبرُّ هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا ) .
وانظر إلى ما قال شيخ الإسلام شارحا : ( وأصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم أكمل الناس علما نافعاً وعملا صالحاً أقل الناس تكلفاً يصدر عن أحدهم الكلمة والكلمتان من الحكمة أو من المعارف ما يهدي بها أمة وهذا مِنْ مِنَنِ اللَّهِ على هذه الأمة , وتجد غيرهم يحشون الأوراق من التكلفات والشطحات ما هو أعظم الفضول المبتدعة والآراء المخترعة لم يكن لهم في سلف إلا رعونات النفوس المتلقاة ممن ساء قصده في الدين ) إهـ .
إنه التكلف الذي صير من لم يقف عند الكتاب والسنة وفهم السلف إلى الوقوع في مزلة الآراء وحمأة البدع , قال الشاطبي في الموافقات[12]: (( ومن طِماح النفوس إلى ما لم تكلف به نشأت الفرق كلها أو أكثرها )) .
إننا نعيش اليومَ معاركَ ألفاظٍ مُجملةٍ ما أن يقرر الحق في لفظ حتى يقحم لفظ آخر وبدل أن نثبت على الحق في لزوم سبيل الألفاظ الشرعية قد يجاري بعضنا القوم في ألفاظهم التي يشاغبون بها .
وانظر إلى ما قال ابن أبي العز في شرحه للطحاوية[13] : ( والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة ) .
فهذا حسن البنا يأتي بقاعدة (نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) وهي قاعدة تمييع للمنهج السلفي وإذابة لجهود الأئمة في منافحة الباطل وأهله , ويأخذ قوس التقرير لهذه القضايا العظيمة مغرراً بكثيرين وهو ليس بارياً لها فيتصدى العلماء الراسخون لمقالته المطلقة وينكرونها ويقررون الحق في مثل هذا الباب العظيم مفصلاً مبيناً .
ويستمر التلبيس بمثل هذه الإطلاقات وتلكم الإجمالات التي هي مطية القوم حتى يأتي من ينتسب إلى المنهج السلفي ومن بابته يتكلم فيقرر عدنان عرعور ( نصحح ولا نجرح ) ويأتي أبو الحسن المصري بـ ( نصحح ولا نهدم ) ألفاظ مطلقة تعود على قاعدة في الدين عظيمة وكليةٍ من كلياته ودعامةٍ من دعائمه وهي ( جرح المجروحين وتنقية طريق السنة من شوائب الأهواء والبدع والمضلين ) تعود عليها بالنقض والهدم وقد بذل المحدثون وغيرهم من العلماء جهودا كبيرة وأعمارا طويلة ورحلات مضنية لوضع الأمور في نصابها وإنزال الناس منازلهم قدحا ومدحا جرحا ونصحا ولولا تهيئة الله سبحانه لهؤلاء الحماة لأدخل من شاء في الدين ما شاء .
وضَبط هذا الباب بما قرره العلماء وأُحكم وجعلوا لمن يتصدى له شروطا كي لا يلج فيه متطفل أو يحمل أعباءه مدَّع وأعطوا مفتاحه لمن رسخ فيه المتبصر بأحوال أهل الأهواء وطرقهم .
فباب نقد المخطئين وبيان مواطن الزلل في كلامهم أو كتاباتهم يشمل من كان منتسباً إلى السنة فإن فاء إلى الحق والصواب فهذا الظن بمن طريقه السنة وشأنه الإتباع , وإن استمر في باطله معاندا للحق وأهله فهذا مُشاقٌ لطريق السنة راكب للهوى , فمن أعطى المنتسب إلى السنة أماناً من الزلل وسياجاً له من النقد ؟!.
فالعلماء يترفقون بمن علموا من طريقه وسيره محبة السنة فينبهونه على خطأ إطلاقه تلكم العبارات التي تفتح لأهل الأهواء طريقا لغرضهم السيئ ويبالغون في أخذه إلى الحق بسلوك سبيل البيان والتفصيل ولا يجعلون من معرفتهم بهذا المتكلم مانعا من زجره عن الإجمال الموهم للمعاني الباطلة ولا يعطونه لكونه منتسبا إلى السنة إذنا بأن يجمل متى شاء ويطلق من الألفاظ كيفما شاء .
وانظر إلى ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى[14] : ((وأما الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها وإثباتها فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده ، فإن أراد معنى يوافق خبر الرسول أقر به وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول أنكره ، ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه أو إجمال عبر بغيرها أو بين مراده بها بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرعي , فإن كثيرا من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة )) .
فتأمل قوله رحمه الله ( ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه أو إجمال عبر بغيرها أو بين مراده منها ) ترى شيخ الإسلام يغلق الباب أمام الألفاظ المجملة المشتبهة وليعبر المتكلم بالعبارات التي لا إجمال فيها ولا تعمية لا أن نقف عند كل لفظ مجمل حتى نستوفي البحث عن مفصله , تاركين للفظ المجمل صولته وفتنته ، ونقرر ذا قاعدة ( يحمل المجمل على المفصل ) توهينا من خطر تلكم الألفاظ المجملة التي حذر منها السلف ووصموا بها أهل الأهواء , وتأمل بصرك الله جواب الشيخ الفقيه ابن عثيمين رحمه الله عند أن سئل عن قول بعضهم ( إن الله تعالى في قلب المؤمن ) فأجاب : (( وأما قولهم إن الله تعالى في قلب المؤمن فهذا لا دليل عليه من كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا كلام أحدٍ من السلف الصالح فيما نعلم وهو أيضا على إطلاقه باطل فإنه إن أريد به أن الله تعالى حال في قلب العبد فهو باطل قطعا فإن الله تعالى أعظم وأجل من ذلك , ومن العجائب _ والعجائب جمة _ أن ينفر شخص مما دل عليه الكتاب والسنة من كون الله تعالى في السماء ثم يطمئن بما لم يدل عليه الكتاب والسنة من زعمه أن الله تعالى في قلب المؤمن إذ ليس في الكتاب والسنة حرف واحد يدل على ذلك .
وإن أريد بكون الله تعالى في قلب العبد المؤمن أنه دائما يذكر ربه في قلبه فهذا حق ولكن يجب أن يُعَبَرَ عنه بعبارة تدل على حقيقته وينتفي عنه المدلول الباطل فيقال مثلا : إن ذكر الله تعالى دائما في قلب العبد المؤمن .
.... فليحذر المؤمن من إنكار ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه السلف إلى عبارات مجملة غامضة تحتمل من المعاني الحق والباطل وليلتزم سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار حتى يدخل في قوله تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) ))[15] .
إطلاق قول ( إن الله تعالى في قلب المؤمن ) إطلاق باطل كما عبر الشيخ رحمه الله وإن كان قد ذكر لها معنى حسنا لكن العبارة ظاهرة في المعنى السيئ فأين حمل المجمل على المفصل مع قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إطلاق باطل .
وهل تأملت قوله في الجواب : ( ولكن يجب أن يعبر عنه بعبارة تدل على حقيقته وينتفي عنها المدلول الباطل ) وهذا هو البيان الذي يأمر به أهل السنة كل من تكلم بالألفاظ المجملة لا أن يبحثوا وراء سراب المفصل ولتعمل تلكم الألفاظ المجملة عملها في نصرة الباطل وإزاحة الحق وأهله .
وقد قال الأمام أحمد في هشام بن عمار السلمي : طياش خفيف ، فقال الذهبي :(( أمّا قول الإمام فيه طياش فلأنه بلغه عنه أنه قال في خطبته : (( الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه )) فهذه الكلمة لا ينبغي إطلاقها وإن كان لها معنى صحيح لكن يحتج بها الحلولي والإتحادي )).[16]
وفي ميزان الاعتدال[17] إن المروذي سأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن قول هشام بن عمار في خطبة كتابه : الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه
فقال :(( هذا جهمي الله تجلى للجبال يقول هو : تجلى لخلقه بخلقه إن صلوا خلفه فليعيدوا صلاتهم )).
قال الذهبي لقول هشام اعتبار ومساغ ولكن لا ينبغي إطلاق هذه العبارة المجملة .
فأين حمل المجمل على المفصل مع إدانة الإمام أحمد بن حنبل لهشام بن عمار السلمي بهذه اللفظة المجملة التي يحتج بها أهل الأهواء والبدع من حلوليةٍ وإتحاديةٍ وتأمل فيما علق به الذهبي بقوله هذه الكلمة لا ينبغي إطلاقها وإن كان لها معنى صحيح .. لم يقل رحمه الله هذه الكلمة مجملة تحمل على المفصل من أنَّ هشاماً محدثٌ و معروفٌ بالسُنة فلا يؤاخذ بعبارته .
ولو فتح الباب لولوج هذه القاعدة حمل ا لمجمل على المفصل في كلام الناس لطابت السلامة لكلِّ مُبطلٍ ولتفلت كل صاحب هوى إذا ما ضيق عليه علماء السنة إلى رحاب المفصل .
بل الحقَّ أن يحكم على هذه العبارة المجملة بحسبها خطاءً أو بدعةً وأن يزجر قائلها عن هذا الإجمال ويؤمر بسلوك طريق البيان .
وهل يحكمون على قائلها بما تقتضيه هذه العبارة المجملة وهى ظاهرةٌ في المعنى السيئ ؟
هذا يخضع لنظر العلماء فيما تفضي إليه هذه الكلمة ويدرسون حال المتكلم بها هل هو صاحب سنة وإتباع وإنما وقع منه هذا فلتةً وخطاءً أم هو صاحب هوى يسعى في باطله عبر طريق المجملات .
وسبيل العلماء هو بيان الحق لمن زلَّ لسانه أو قلمه فمن فاء إلى الحق والصواب وتبرأ من هذه الألفاظ المجملة وقرر الحق واضحاً جلياً قبلوا منه ورجوعه إلى الحق دالٌ على بعده عن الهوى وسرعة فيئته دالةٌ على طلبه للحق وتوخيه .
ومن عاند الحق ودافع نصح العلماء حكم عليه بحكم أهل الأهواء .
هذا - أيها الموفق - فيما يقع منه إطلاق لفظة مجملة ظاهرة في المعنى السيئ فكيف فيمن ينصب نفسه مؤصلاً لقاعدة تفتح الباب للتساهل في إطلاق الألفاظ المجملة وتعطي المتكلم أماناً إذ ستحمل عباراته المجملة على المفصل .
وإذا أردت أن تبين مدى أدراك أبى الحسن المصري لخطر الألفاظ المجملة المتضمنة للمعاني الباطلة أنظر إلى تعامله مع عبارة ((نصحح ولا نجرح )) التي ينادي بها عدنان عرور .
قال أبو الحسن المصري المأربي : فإن كان المراد بكلامه هذا (( نصحح ولا نجرح )) فيرجع إلى قصد عدنان في ذلك .
(( فإن كان قصده إغلاق باب الجرح والتعديل الذي هو سيف الله المسلول في وجوه أهل الزيغ والضلال ومنع استعماله من الطريقة الصحيحة فهذا قولٌ باطل – وما أظنه يقول هذا – وإن كان قصده نصحح خطأ المخطئ من أهل السنة بنصحه قبل تجريحه والتشهير به ومحاولة إسقاطه – كما هو موجود الآن – فحيهلا بهذا المعنى ...))
عبارة عدنان (( نصحح ولا نجرح )) عبارة باطلة أنتقدها مشائخ أهل السنة وعلى رأسهم ابن عثيمين رحمه الله وقال أنها قاعدة مداهنة فمن استحق الجرح جرِّح – وإن كان ينتسب إلى السنة – والقائمون على باب الجرح والتعديل علماء سنة يعرفون من الذي يستحق الجرح ومن الذي ينفعه النصح ولهم الخبرة والبصيرة بحيل أهل الأهواء وطرقهم ولا ريب أن أهل الأهواء يضيقون غاية الضيق من هذا الباب العظيم لعلمهم بأنهم مجروحون وودوا لو يزول الجرح والطعن من الوجود وليبق العتب والملام لكل من يعمل – زعموا – في دائرة الإسلام !! إن أخطاء مهما بلغ خطأه ، فرموا بما بذله أهل السنة والجماعة في الرد على أهل البدع من جهود عظيمة أدراج الرياح (( إذ تطهير سبيل الله ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدواتهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتفاق المسلمين ولولا من يقيمهم الله لدفع بغي هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً وأما أولئك يفسدون القلوب ابتداءً)) [18]
فعلماء السنة يردون هذه العبارة ( نصحح ولا نجرح ) لما تحمله من هدم لجهود عظيمة بذلها العلماء المخلصون في بيان عوار أهل الأهواء وقبح أحوالهم ،ووصفها الشيخ الفقيه ابن عثيمين بأنها قاعدة مداهنة ولم يلجأ – يا أبا الحسن – إلى التفصيل إن أراد كذا فكذا بل ردَّ هذا الإطلاق لما يحمله من معنى سيئ يفرح له أهل البدع وتبرق له أسارير وجوههم والذي حمل أبا الحسن على هذا الجواب المتكلف لعبارة عدنان عرعور(( نصحح ولا نجرح )) أنها تلتقي مع عبارته (( نصحح ولا نهدم )) ولما عجز أن يمنع هذا الالتقاء ذهب يدافع عن عبارة عدنان ملقياً نقد علماء السنة لها وراء ظهره وبدل أن يزجر عدنان عرعور عن هذا الإطلاق السيئ كما فعل العلماء الناصحون ذهب يبحث له بل ولنفسه عن المخارج .
ولمَّا ردَّ الشيخ ربيع – وفقه الله – عليه عبارته (( نصحح ولا نهدم )) بأنها قاعدة عدنان عرعور ، تأمل في جواب أبي الحسن لِتَعلمَ تمويه هذا الرجل واستخفافه بمن يقرأ له قال :(( لو سلَّمنا بأنها نفس مقالة عدنان عرعور وأنها تسير معها حذو القذة بالقذة فهل كل ما قاله عدنان عرعور ليس بصحيح ؟!! ألسنا نقبل الحق ممن قاله ...)) .
وهذا غريب لأن الذي قاله عدنان – هنا – ليس بحق فماذا تريدنا أن نقبل منه .
ثم أخذ أبو الحسن يدلل على قبول الحق ممن قاله !!! .
فأقول : إنما كان عدنان عرعور مبطلاً بهذه القاعدة ونحوها فأي حق عند عرعور تريد أخذه والبحث حول عبارته (( نصحح ولا نجرح )) وهى عبارة خاطئة .
فليثبت أبو الحسن أن عبارة عدنان عرعور حق وأنى له ذلك وقد أنتقدها مَنْ عَلِمَ بها من علماء السنة ثم يأتي البحث الآخر وهو قبول الحق ممن جاء به لكنك تقبل باطلاً انتقده العلماء من مبطلٍ جَرّحوه وأدانوه ، وإذا ما ضُيِّق على عدنان عرعور وأمثاله في هذه العبارات الباطلة لجأ إلى أنه يقصد كذا وكذا .
فلِمَ لا يتخير للمقصد الحسن عبارة صريحة بعيدة عن الإيهام الذي يتعلق به أهل الأهواء .
ثم لا تكن غافلاً على أن مواقف المرء وطريقته وأحواله تدل على مقاصده وما يضمر من خير أو شر .
ومعرفة ذا للعلماء الراسخين العارفين بطرق أهل الأهواء وتلبيساتهم .
ويقال لهؤلاء لماذا هذه القواعد الموهمة في وقت يشتد كيد المبتدعة وحربهم لأهل السنة وتشويه دعوتهم بأنهم أهل طعن وتجريح ويجاهدهم علماء السنة ببيان انحرافهم وزيغهم و يجرحونهم كما جَرَّحَهُم سلف الأمة ودونوا ذلك في كتبهم .
فإذا صاح العلماء بانحراف داعيةٍ وبينوا ضلاله فلتكن منه على حذر فهم النصحة للأمة الأمناء على الشريعة قال تعالى : { فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }[19] .
أمَّا قول أبي الحسن المتقدم في توجيه عبارة عرعور (( نصحح ولا نجرح )) : وإن كان قصده إننا نصحح خطأ المخطئ من أهل السنة بنصحه قبل تجريحه والتشهير به ومحاولة إسقاطه – كما هو موجود الآن – فحهيلا بهذا المعنى .
فالرد عليه أن علماء السنة القائمين على هذا الباب العظيم يرجون رجوع أهل البدع الظاهرة عن بدعهم ومقالاتهم إلى الحق فضلا عمن ينتسب إلى السنة والمنهج السلفي !! .
إنهم يحرصون غاية الحرص على نصح المخطئ وأخذه إلى الحق وقد يقضون في هذا أوقاتاً طويلةً قد تصل إلى بضع سنين ولا يلجؤون إلى تجريحه والتحذير منه إلا إذا علموا إتباعه للهوى وعناده للحق كما قال الشاطبي في الاعتصام[20] :(( حتى إذا عاندوا وأشاعوا الخلاف وأظهروا الفرقة قوبلوا بحسب ذلك ..)) .
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية[21](( فالمجتهد الاجتهاد العلمي المحض ليس له غرض سوى الحق وقد سلك طريقه ، وأمَّا متبع الهوى المحض فهو من يعلم الحق ويعاند عنه )) .
فعلماء السنة يسعون في نجاة المخطئ وسلامته من الزيغ وهو يسقط نفسه بتمسكه بالباطل وعناده للحق.
فهل – يا هذا – يتركونه يدعو إلى باطله ويغرر بمن حوله لا سيما وهو ينسب نفسه إلى أهل السنة – بدعوى (نصحح ولا نجرح ) أو نصحح ولا نهدم ).
فما استراب فيه الشباب من حال بعض الدعاة نقلوه إلى العلماء وسألوا عنه فينظر العلماء في كلامه أو في كتبه ويناصحونه بحسب المعلوم من حال الرَّجُل ، فإذا ما أصر على باطله حذر منه العلماء كي لا ينخدع بكلامه من يسمع له أو يقرأ .
فليس ثمة محاولة إسقاط كما يدعي أبو الحسن فمن هذا الذي حاول علماء السنة أن يسقطوه سمِّ لنا ؟! .
ما أسقطوا إلا من دعا إلى باطله وخاصم أهل السنة فتكلم وكتب فردُّوا عليه من أشرطته وكتبه بأرقام الصفحات ليست هى محاولة إسقاط وإنما الحقُّ الذي يصدر من العلماء هو حكم بسقوط هذا الرجل إذ لم تجدي محاولة إصلاحه فتـأمل .
وما أختم به هذه الكتابة في التحذير من قاعدة حمل المجمل على المفصل في كلام الناس وبيان خطر هذه القاعدة في تسويغ مقالات أهل البدع واستتار أصحاب هذه المجملات وراء المفصل كي يوهن باب الجرح للمجرحين .
ما قاله[22] ابن القيم الجوزية في الصواعق المرسلة :(( فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المُشتبهة ولا سيما إذا صادفت أذهاناً مخبطة فكيف أنضاف إلى ذلك هوى وتعصب فسل مثبت القلوب أن يثبت قلبك على دينه وإلا يوقعك في هذه الظلمات )) .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
كتب في أوائل عام 1426 هـ ثم أضفت عليه ما تيسر في عام 1429 هـ
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- الدولة : مصر
المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 48
رد: مجموع فتاوي العلماء السلفيين في بدعة حمل المجمل على المفصل من كلام البشر
إمتاع النظر في ذكر الأسباب التي تمنع من حمل المجمل على المفصل في كلام البشر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فمسألة حمل المجمل على المفصَّل في كلام البشر دون المرسلين مسألة أُثير فيها الكلام في هذا العصر من قبل أبي الحسن المأربي، وإنما كان منشأ الخلاف معه حول أقوال سيد قطب في مسألة وحدة الوجود!.
فكان المأربي يُبرِّئ سيد قطب من عقيدة وحدة الوجود ويدفع عنه هذه العقيدة لمجرد وجود نقل له في أحد مواضع تفسير الظلال استنكر فيه هذه العقيدة الباطلة، بينما أعرض عن المواضع الأخرى التي صرَّح بها سيد قطب بهذه العقيدة الضالة وبنفس عبارات الاتحادية الأوائل. وقد أنكر العلماء الأكابر هذه المواضع على سيد قطب، وأكَّدوا أنها توافق عقيدة الاتحادية، لكنَّ المأربي راح يؤصِّل قاعدة للدفاع عن سيد قطب فقال: يُحمل كلام سيد قطب المجمل على المفصَّل.
وكان يقول المأربي معانداً مجادلاً أنه لو علم أنَّ سيد قطب يقول بهذه العقيدة لكفَّره، ولم يقيِّد ذلك بمراعاة إقامة الحجة ولا ضوابط التكفير ولا شروطه ولا موانعه!.
ثم بعد أن اطلع المأربي بنفسه على كلام سيد قطب المثبت لعقيدة الاتحادية، لم نجده يفي بوعده في تكفير سيد قطب، بل اكتفى بإثبات هذه العقيدة لسيد!.
ولم يقل له حينئذ أحدٌ من متعصبيه ولا من حزبه ومدافعيه: لماذا لا تكفِّر سيد قطب؟!
ولماذا تنازلت من التكفير إلى التخطئة؟!
لكن لما قال الشيخ ربيع حفظه الله تعالى: أنَّ الحلبي يدافع عن فكرة وحدة الأديان؛ وهو حق لا يجادل فيه إلا متعصب معاند، صاح حزبهم بصوت واحد: لماذا تنازل الشيخ ربيع من التكفير إلى التبديع؟!!
سبحان الله ما أعز الإنصاف، وقاتل الله الجهل والتعصب والحزبية.
والعجيب أنَّ المأربي مع تراجعه في الدفاع عن سيد قطب في مسألة عقيدة وحدة الوجود، إلا أنه لم يتراجع عن أصله الذي أصَّله آنذاك، وهو حمل المجمل على المفصَّل في كلام البشر، ذلك ليُبقيه وسيلة سهلة في الدفاع عن أهل الأهواء ممن يجادل عنهم بالباطل، بل راح يستدل لهذا الأصل، ويُلبِّس على الناس، ويستدل بالمتشابه من كلام أهل العلم.
ولستُ بصدد بيان تلبيسه والرد على استدلالاته، فقد بيَّن ذلك الشيخ النجمي والشيخ ربيع وغيرهم من أهل العلم هذا الأمر أكمل البيان وأحسنه، وقد كتب أخونا أبو مصعب الليبي في منتديات الآجري مقالاً جامعاً نافعاً في ذلك بعنوان [المجمل والمفصل في كلام الناس] لمن أرد التوسع في قراءة هذا الموضوع.
وإنما أردتُ بهذه الكلمة الموجزة، بيان الأسباب التي تمنع من استعمال قاعدة "حمل المجمل على المفصَّل" في كلام البشر لمَنْ خفيت عليه حقيقة هذه المسألة المثارة اليوم.
السبب الأول: أنَّ حمل المجمل على المفصَّل إنما قال به العلماء في كلام الله تعالى وفي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك لأنَّ التعارض في كلام الوحي ممتنع، فكان لزاماً أن يُحمل المجمل الذي يحتمل في ظاهره أكثر من معنى (وقد يكون أحد هذه المعاني باطلاً) على المفصَّل الذي لا يحتمل إلا معنى واحداً (وهو الحق)، فنشأت هذه القاعدة من أجل دفع هذا التعارض من حيث الظاهر.
أما كلام البشر دون الأنبياء فلا يُستبعد فيه التعارض، بل يقع في التعارض علماء أجلاء وأئمة كبار، وهذا من مقتضى النسيان والخطأ والغفلة التي لا تنفك عن الإنسان، فلا يوجد دافع للقول بهذه القاعدة في كلامهم
السبب الثاني: أنَّ السلف الصالح كانوا يُنكرون القول المجمل أو الكلام المشتبه الذي يحتمل الحق والباطل، دون تفريق بين قائله سنياً كان أو بدعياً؛ وهذا أصل مهم، بل يعلمون أنَّ من عادة أهل البدع الإجمال في الأجوبة والاشتباه في الكلام ليلبسوا على الناس دينهم، ولئلا يؤاخذوا على أقوالهم، فيكون لهم من ألفاظهم مرادان، مراد يذكرونه أمام أهل الحق ممن يخالفهم!، ومراد يذكرونه أمام أهل الباطل ممن يوافقهم!. فالقول بهذه القاعدة تسويغ لهؤلاء المبطلين وإعانة لهم على إنفاق أباطيلهم وتغرير الناس الجهال بهم.
السبب الثالث: أنَّ رد ما أُشكل أو أُجمل من كلام الناس إلى مفسِّره؛ ليس هو من باب حمل المجمل على المفصل، كلا، بل هو من باب معرفة مذهب هذا القائل، ثم يُنظر بعده إنْ كان حقاً قُبِل، وإن كان باطلاً ردَّ. بينما حمل المجمل على المفصَّل محله حينما يكون القائل لا يقول إلا حقاً، فإذا وجد كلاماً له يحتمل حقاً وباطلاًً، وكلاماً أخر لا يحتمل إلا الحق، حُمِل الأول على الثاني؛ ومثل هذا لا يكون إلا في كلام المعصوم عن الخطأ.
فلا بد من التفريق بين حمل كلام البشر المجمل على المفسَّر لمعرفة مذاهبهم، ثم بعدها يكون القبول والرد، وبين حمل المجمل على المفصَّل في كلامهم؛ والذي يلزم منه أنَّ البشر لا يتناقضون ولا يصدر الباطل منهم.
السبب الرابع: أنَّ التناقض معناه وجود مقالتين لأحد الناس؛ الأولى تنفي شيئاً والثانية تثبت ذلك الشيء نفسه، فحمل المقالة الأولى على الثاني أو العكس من باب حمل المجمل على المفصَّل يلزم منه الجمع بين الحق والباطل أو الجمع بين النقيضين؛ وهو ممتنع وباطل.
السبب الخامس: أنَّ ما قد يقع من بعض الأئمة والعلماء المعروفين بسلامة العقيدة وسداد المنهج والراسخين في العلم من كلام مجمل أو مشتبه إنما هو كالزلة أو الفلتة، وهي من قبيل الخطأ غير المقصود أو الغفلة، فالاعتذار لهم وحفظ مكانتهم مع بيان الحق ورد الباطل والتحذير منه، لا يسوِّغ لأحد أن يقيس عليه مَنْ يتقصَّد الأجوبة المجملة ويُكثر من الكلام المشتبه!، وكذلك لا يُقاس عليهم مَنْ لم ترسخ قدمه في العلم!. ومثل هذا كمثل الاعتذار للأئمة المشهورين في مخالفة الدليل، لا يُمكن أن نتوسَّع فيه أو نقيس عليه دونهم ممَنْ لم ترسخ أقدامهم في العلم فضلاً عمَّن عُرِف منهم البدعة والهوى، وإنما نعتذر لمَنْ ظهر لنا من هؤلاء – دون الأئمة المشهورين - أنه استفرغ وسعه في طلب الحق وكان يتحراه ويقصده ويسلك طريقه لكنه أخطأه.
فالأصل في الأئمة المشهورين أنهم كانوا أهل اجتهاد وتقوى وكانوا يحرصون على تحري الحق ويسلكون طريق النبي صلى الله عليه وسلم في تحصيله، فلا تقصير ولا تفريط ولا تأثيم. أما غيرهم فلا يُمكن أن نعتبر فيهم هذا الأصل، وإلا لكان كل مَنْ ينتسب إلى السنة معذور في مخالفة الدليل!، ولا يقع منه التقصير والتفريط في تحصيل الحق!، وهذا باطل، فكيف بمَنْ عُرِف عنه الهوى وظهر عليه الانحراف الجلي؟! مثل هذا لا يُمكن أن يقاس حاله على الأئمة، ولا يُعتذر له بما يُعتذر للأئمة ألبتة.
ثم لا بد التفريق بين كلام العالم الذي مات وصدرت منه بعض الكلمات المجملة أو المشتبهة ولم نعلم أنَّ أحداً أنكر عليه فأصر وعاند، وبين الحي الذي يمكن له أن يتدارك غلطه ويتراجع عن تلك الألفاظ ولكنه أصر وجادل بالباطل؛ وهذا ما لا يتنبَّه له مَنْ يطلق القول بحمل المجمل على المفصَّل في كلام الناس.
السبب السادس: أنَّ من نتائج العمل بقاعدة حمل المجمل على المفصَّل في كلام البشر التهوين من الباطل والمخالفات!؛ وليس فقط الاعتذار لصاحب القول المجمل وإنكار جرحه. فتجد كثيراً ممَنْ يقول بهذه القاعدة صار كلما أطلعناه على انحراف لأحد مشايخه قال: هذا كلام مجمل يحتاج إلى تفصيل، وينبغي لنا أن نحمله على أحسن المحامل؛ سواء عرف أنَّ له كلاماً مفصلاً أو لم يعرف، بل هو في ظنه لا يحتاج إلى البحث عن ذلك، فيُرد ناقد الكلام بمثل هذه العبارة، وعلى هذا فهو لا ينكر القول فضلاً عن الإنكار على القائل!.
قال عماد طارق أبو العباس في مقال بعنوان [موقف إمامنا الألباني من رد الشيخ المدخلي على الشيخ عدنان فيما نقله شيخنا الحلبي]: ((وقفتُ على مقطع صوتي لشيخنا الحلبي, نقل فيه حفظه الله موقف الشيخ الألباني رحمه الله من مؤاخذات الشيخ ربيع المدخلي, على الشيخ عدنان عرعور حفظهما الله, جاء فيه: "عندما ذكرتُ لشيخنا الألباني حفظه الله شيئاً من حجج الشيخ ربيع في الرد على عدنان ونقضه ونقده، قال: هذه أمور حق يجب على عدنان أن يجيب عنها بوضوح، ولا يكتفي بمجرد القول أو مجرد أن يقول: إجمال وتفصيل، وعموم وخصوص، إلى آخر هذه الكلمات التي قد لا تصلح ولا تنفع في مثل هذا")).
قلتُ:
وقد تكلَّمتُ مع بعض المتعصبين لكتاب الحلبي [منهج السلف الصالح] فكان من قوله: (أنَّ الكتاب فيه أصول هي حق، وأصول أخرى محتملة؛ وهي من باب المجمل والمفصل والمطلق والمقيد والعام والخاص)، واعتبر هذا المتعصِّب قوله هذا نقداً ورداً وتحذيراً كافياً من أخطاء الكتاب!!. مع إني لما طالبته بالتفصيل لما أجمله الحلبي؛ تردد واضطرب قوله، ثم عاد إلى ما قاله الحلبي ولكن بلفظ آخر!!.
وأخيراً:
لا بد من النظر إلى الفرق بين حمل المجمل على المفصل أو المتشابه على المحكم من جهة، وبين حمل المطلق على المقيد أو العام على الخاص من جهة أخرى، فالأول من باب وضوح اللفظ وخفائه، والثاني من باب وضعه وأفراده.
بمعنى أوضح: أنَّ المجمل أو المتشابه هو من باب دلالة اللفظ على أكثر من معنى محتمل، فمحل الإشكال في اللفظ نفسه، وأما المطلق والعام فهو من باب دلالة اللفظ على معنى واحد، ولكن هذا المعنى يدخل فيه أفراد كثيرون، وقد يكون بعضهم غير مراد، فالإشكال في تنزيل هذا اللفظ على أفراده، ويُعرف هذا من تخصيص الكلام وتقييده ولو في مواضع أخرى.
ومن هنا نعلم: أنَّ أصل الإشكال في قبول حمل المجمل على المفصل أو المتشابه على المحكم في كلام البشر، أنَّ السلف كانوا يُنكرون الكلام المجمل أو المشتبه، لئلا يلتبس الحق بالباطل، والله تعالى يقول: ((وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)).
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [درء التعارض 1 /120-121]: ((الذين يعارضون الكتاب والسنة بما يسمونه عقليات من الكلاميات والفلسفيات ونحو ذلك؛ إنما يبنون أمرهم في ذلك على أقوال مشتبهة مجملة تحتمل معاني متعددة!، ويكون ما فيها من الاشتباه لفظاً ومعنى يوجب تناولها لحق وباطل؛ فبما فيها من الحق يقبل ما فيها من الباطل لأجل الاشتباه والالتباس، ثم يعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وهذا منشأ ضلال من ضلَّ من الأمم قبلنا، وهو منشأ البدع، فإنَّ البدعة لو كانت باطلاً محضاً لظهرت وبانت وما قبلت، ولو كانت حقاً محضاً لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة؛ فإنَّ السنة لا تناقض حقاً محضاً لا باطل فيه، ولكن البدعة تشتمل على حق وباطل)).
إلى أن قال: ((والمقصود هنا قوله: يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، وهذا الكلام المتشابه الذي يخدعون به جهال الناس هو الذي يتضمن الألفاظ المتشابهة المجملة التي يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة، وتلك الألفاظ تكون موجودة مستعملة في الكتاب والسنة وكلام الناس لكن بمعان أخر غير المعاني التي قصدوها هم بها، فيقصدون هم بها معاني أخر فيحصل الاشتباه والإجمال)).
وقال في [المجموع 8 /294]: ((الواجب إطلاق العبارات الحسنة وهي المأثورة التي جاءت بها النصوص، والتفصيل في العبارات المجملة المشتبهة)).
وقال في [درء تعارض العقل والنقل 1 /145]: ((فطريقة السلف والأئمة: أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون أيضاً الألفاظ الشرعية؛ فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ومَنْ تكلَّم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه، ومَنْ تكلَّم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة أيضاً، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة ورد باطلاً بباطل))
وقال في [درء التعارض 1/149]: ((والمقصود هنا: أنَّ الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة المشتبهة لما فيه من لبس الحق بالباطل؛ مع ما توقعه من الاشتباه والاختلاف والفتنة، بخلاف الألفاظ المأثورة والألفاظ التي بينت معانيها، فإنَّ ما كان مأثوراً حصلت له الألفة وما كان معروفاً حصلت به المعرفة؛ كما يُروى عن مالك رحمه الله أنه قال: "إذا قلَّ العلم ظهر الجفاء وإذا قلَّت الآثار كثرت الأهواء". إذا لم يكن اللفظ منقولاً ولا معناه معقولاً ظهر الجفاء والأهواء، ولهذا تجد قوماً كثيرين يحبون قوماً ويبغضون قوماً لأجل أهواء لا يعرفون معناها ولا دليلها؛ بل يوالون على إطلاقها أو يعادون من غير أن تكون منقولة نقلاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة، ومن غير أن يكونوا هم يعقلون معناها ولا يعرفون لازمها ومقتضاها، وسبب هذا إطلاق أقوال ليست منصوصة وجعلها مذاهب يُدعى إليها ويوالي ويعادى عليها)).
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في [الصواعق المرسلة 3 /927]: ((قال تعالى: "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون"، فنهى عن لبس الحق بالباطل وكتمانه؛ ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر، ومنه التلبيس وهو التدليس والغش الذي يكون باطنه خلاف ظاهره، فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحق، وتكلم بلفظ له معنيان معنى صحيح ومعنى باطل، فيتوهم السامع أنه أراد المعنى الصحيح ومراده الباطل فهذا من الإجمال في اللفظ.
وأما الاشتباه في المعنى فيكون له وجهان؛ هو حق من أحدهما وباطل من الآخر، فيوهم إرادة الوجه الصحيح ويكون مراده الباطل.
فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة؛ ولاسيما إذا صادفت أذهاناً مخبطة، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب، فسل مثبِّت القلوب أن يثبِّت قلبك على دينه، وأن لا يوقعك في هذه الظلمات))
وقال في [شفاء العليل ص136]: ((أصل بلاء أكثر الناس من جهة الألفاظ المجملة التي تشتمل على حق وباطل فيطلقها مَنْ يريد حقها، فينكرها مَنْ يريد باطلها، فيرد عليه مَنْ يريد حقها؛ وهذا باب إذا تأمله الذكي الفطن رأى منه عجائب، وخلصه من ورطات تورط فيها أكثر الطوائف)).
ولا بد التفريق أيضاً بين إنكار السلف لمَنْ يتكلَّم بالألفاظ المجملة ويستعمل الكلام المتشابه في مسائل الدين؛ لأنَّ الأصل في هذه الأمور التعبير بالألفاظ الشرعية أو المأثورة، وبين حسن الظن وحمل كلام المتكلِّم على أحسن المحامل - ما لم يظهر أو يقترن به ما يُعارضه أو ينقضه - في الأخلاق والآداب والتعامل مع الناس؛ لأنَّ الأصل في هذا حسن الظن، ولا يجب التعبير فيها بالألفاظ الشرعية أو المأثورة.
أقول:
وبسبب عدم النظر إلى هذه الأسباب التي تمنع من حمل المجمل على المفصل في كلام البشر، وبسبب عدم النظر إلى الفوارق بينها وبين غيرها من الأبواب والمسائل، خاض الكثيرون في الكتابة في هذا الموضوع بجهل، واستدلوا بكلام بعض أهل العلم بجهل أيضاً، والله تعالى الموفِّق.
أبو معاذ رائد آل طاهر
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- الدولة : مصر
المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 48
رد: مجموع فتاوي العلماء السلفيين في بدعة حمل المجمل على المفصل من كلام البشر
بيان فساد حمل المجمل على المفصل في غير كلام المعصوم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ,من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ور سوله { يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون}[1] {يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونسآءً واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}[2]يأيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}[3]
أما بعد فأن أصدق الحديث كلام الله ,وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعه وكل بدعةٍ ضلاله وكل ضلاله في النار,
وبعد:
فإن اهل البدع والأهواء يأتون بالأصول المبتدعة والتي ليس عليها دليل من كتاب الله ولا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فهم السلف الصالح وتأصيلاتهم , بل غاية ماينصرون به باطلهم إتباع المتشابه من القول وتتبع شواذ الأقوال لعلهم يظفرون بما يسعفهم , وكل ذلك لأجل حماية بدعهم وحماية رؤس المبتدعة حتى لاتصيسبهم سهام علماء الجرح والتعديل.
ومن الأصول التي أتوا بها لهذا الغرض هي :
حمل المجمل على المفصل ,نصحح ولا نجرح , المنهج الواسع الأفيح ,ومنهج الموازنات , وقبلها قاعدة المعذرة والتغاون , وغيرها . كما قال الشيخ ربيع حفظه الله :
ومن جهة أخري وضعوا أصولا لحماية أهل البدع وزعمائهم ولمواجهة أصول السلف ومنهجهم في نقد البدع وأهلها مثل:
"حمل المجمل على المفصل" وهم لا يريدون المجمل والمفصل لدى الأصوليين وعلماء الإسلام، وإنما يريدون مجملاً ومفصلاً ابتدعوه.
"نصحح ولا نجرح أو ولا نهدم"، فيعتبرون نقد البدع وأهلها والتحذير منها هدماً، وهم لا يصححون وفي المقابل يهدمون أهل السنة ويحاربونهم أشد الحرب كما يحاربون أصولهم المستمدة من الكتاب والسنة.
"منهج الموازنات"، الذي يطبقونه ثم يجحدون مكابرة منهم هذا التطبيق.
قولهم:" نريد منهجاً واسعاً يسع أهل السنة ، ويسع الأمة "، ثم يفسرونه تفسيراً كاذباً يفضحهم تطبيقهم له، ومن يتظاهر منهم بعدم تطبيقه يفضحه تأييد ومولاة من يطبقه.
.آهـ[4]
ولنذكر واحد من هذه الأصول الفاسدة مساهمة بسيطة في الدفاع عن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام , وهو :
حمل المجمل والمفصل.
أطلق هذا الأصل كغيره من الأصول الهدامة لحماية رؤس أهل البدع كسيد قطب وحسن البنا ومن سار على منهجهما, وأول من أتى بهذه القاعدة هو عبدالله عزام وتبعه عليها بقوة ابو الحسن المصري نزيل مأرب, ثم تتابع كل من في قلبه زيغ في نصرا لهذا الأصل والععمل به والدعوة اليه .
تعريف المجمل والمفصل عند ألأهواء.
لم نجد تعريف لدى أهل البدع لهذا الأصل الجائر لكن وجدنا كلاما لإبي الحسن المصري هو خلاصة قوله في هذا الأمر وهو:
حمل المجمل على المفصل سواءً من السني أو المبتدع؛ السني مفصله الخير والحسن، والبدعي مفصله القبيح والشر، مجمل السني الكلمة التي تحتمل خيراً وشراً تحمل على الخير، ومجمل البدعي تحمل على الشر.آهـ[5]ِ
بيان فساد هذا الفهم المحدث.
قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله:
وأقول إيراداً على أبي الحسن: إذا صدرت كلمة مجملة تتضمن سباً لله أو لرسوله أو كتابه أو لأحد الأنبياء أو الصحابة من سني ومبتدع فهل تحمل من السني على الحق ومن المبتدع على الباطل.
وإذا صدر من رجلين سني ومبتدع أو سني ومنافق أو كافر كلمة تتضمن قذفاً فهل تحمل من السني على الحسن والحق، وعلى غيره على القبح والباطل وإذا صدرت أي كلمة تتضمن الردة من رجلين سني ومبتدع فهل تكون ردة من المبتدع وحقاً وحسناً من السني.آهـ[6]
وقال شيخ الأسلام رحمه الله:
فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل ويراعون أيضا الألفاظ الشرعية فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا وقالوا : إنما قابل بدعة ببدعة وردا باطلا بباطل .آهـ[7]
وقال رحمه الله:
فأنكر الأئمة ـ كالأوزاعي و أحمد بن حنبل ونحوهما ـ ذلك[القول بأثبات الجبر أو نفيه] على الطائفتين ويروى إنكار إطلاق الجبر عن الزبيدي وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم وقال الأوزاعي و أحمد ونحوهما : من قال إنه جبر فقد أخطأ ومن قال لم يجبر فقد أخطأ بل يقال : إن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ونحو ذلك
وقالوا : ليس للجبر أصل في الكتاب والسنة وإنما الذي في السنة لفظ الجبل لا لفظ الجبر فإنه قد صح [ عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال لأشج عبد القيس إن فيك لخلقين يحبهما الله : الحلم والأناة فقال : أخلقين تخلقت بهما أم خلقين جبلت عليه ؟ فقال : بل خلقين جبلت عليهما فقال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ]
وقالوا : إن لفظ الجبر لفظ مجمل فإن الجبر إذا أطلق في الكلام فهم منه إجبار الشخص على خلاف مراده.آهـ[8]
فلم يقولوا يحمل هذا المجمل من لفظ الجبر على المفصل بل أنكروه وردوه على قائله كما هو واضح
وكذلك بدع السلف كالأمام أحمد وغيره من الأئمة من قال لفظي بالقران مخلوق ,وكذلك بدعوا الواقفة الذين يقولون القرآن كلام الله ويقفون فلايقولون مخلوق ولاغير مخلوق , ولم يقولوا هذا من المجمل فيحمل على المفصل.
قال الذهبي رحمه الله:
قال أحمد بن كامل القاضي: كان يعقوب بن شيبة من كبار أصحاب أحمد بن المعذل، والحارث بن مسكين، فقيها سريا، وكان يقف في القرآن.
قتال الذهبي قلت: أخذ الوقف عن شيخه أحمد المذكور، وقد وقف علي بن الجعد، ومصعب الزبيري، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وجماعة،
وخالفهم نحو من ألف إمام، بل سائر أئمة السلف والخلف على نفي الخليقة عن القرآن، وتكفير الجهمية.
نسأل الله السلامة في الدين.
قال أبو بكر المروذي: أظهر يعقوب بن شيبة الوقف في ذلك الجانب من بغداد، فحذر أبو عبد الله منه، وقد كان المتوكل أمر عبدالرحمن بن يحيى بن خاقان أن يسأل أحمد بن حنبل عمن يقلد القضاء.
قال عبد الرحمن: فسألته عن يعقوب بن شيبة، فقال: متبدع صاحب هوى .
قال الخطيب: وصفه أحمد بذلك لاجل الوقف.آهـ[9]
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
انظر هذا التأييد القوي من الذهبي على تساهله ، يقول عن يعقوب بن شيبة ومن معه من الواقفة إنه قد خالفهم ألف إمام بل أئمة السلف والخلف على نفي الخليقة عن القرآن، وتكفير الجهمية ، نسأل الله السلامة في الدين.
لأن الجهمية يقولون إن القرآن مخلوق فكفرهم السلف ، واضطروا أن يقولوا إنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق، فصار بعض الجهمية يقول مكراً القرآن كلام الله ويقف، ويريد أن الله خلقه، فصار لفظاً مجملاً يحتمل حقاً وباطلاً.آهـ[10]
فأين هذه القاعدة الماكرة عن هؤلاء الأئمة الأعلام إذ لم يقل بها واحد منهم فلا مجمل ولامفصل , إنما يرد الخطاء على قائله بل ويحذر منه.
وقال شيخ الأسلام رحمه الله:
ثم إن هؤلاء صاروا يقولون : هذا القرآن المنزل المسموع هو تلاوة القرآن وقراءته وتلاوة القرآن مخلوقة وقراءة القرآن مخلوقة ويقولون : تلاوتنا للقرآن مخلوقة وقراءتنا له مخلوقة ويدخلون في ذلك نفس الكلام المسموع ويقولون : لفظنا بالقرآن مخلوق يدخلون في ذلك القرآن الملفوظ المتلو المسموع
فأنكر الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة هذا وقالوا : اللفظية جهمية وقالوا : افترقت التجهمية ثلاث فرق : فرقة قالت : القرآن مخلوق وفرقة قالت : نقف فلا نقول مخلوق ولا غير مخلوق وفرقة قالت : تلاوة القرآن واللفظ بالقرآن مخلوق .آهـ[11]
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
ولم يقل أحد من أئمة السنة - ومنهم من ذكرت أسماؤهم - إن كان إطلاقه من سني حمل على المعنى الحسن، وإن أطلقه مبتدع حمل على المعنى القبيح كما يقول ذلك أبو الحسن المصري المأربي.آهـ[12]
لايسوغ التأويل إلا في كلام المعصوم.
قال الشوكاني رحمه الله:
وقد أجمع المسلمون أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم مقيدا بعدمالمانع منه والتصريح بأن المراد بالكلام ظاهره يمنع تأويل كلام المعصوم .آهـ[13]
قال ابن القيم رحمه الله في قصيدته:
فعليك بالتفصيل والتمييز فال ... إطلاق والاجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا ... الاذهان والآراء كل زمان[14]
قال الشيخ صالح ال الشيخ حفظه الله:
فمن اقتصر على الإجمال دون التفصيل فهو على غير السبيل .آهـ[15]
شبهات أصحاب المجمل والمفصل.
وقد حاول أصحاب هذه القاعدة الأتكاء على بعض الأقوال التي صدرت من بعض العلماء , كأن تكون إعتذارا لبعض الأئمة الكبار عن بعض العبارات التي صدرت منهم, أو قيلت لرد إفتراء أهل الزيغ أثناء المناظرات , ولم يقصدوا رحمهم الله وضع قواعد لترويج أقوال أهل البدع والدفاع عنهم حاشاهم عن مثل ذلك , وهذه كتب الجرح والتعديل لعلماء الأسلام شاهدة على ذلك , ورحم الله شيخ الأسلام إذ يقول:
فرب قاعدة لو علم صاحبها ما تفضي إليه لم يقلها.آهـ[16]
وسنذكربأذن الله شبهتين فقط ذكرهما الشيخ ربيع حفظه الله من كلام أبي الحسن المصري والرد عليهما للأختصار.
الشبهة الأولى : قال الشيخ ربيع : قال ابوالحس:
فقد تكلم حسان بن ثابت في عائشة أم المؤمنين، كما تكلم أهل الإفك فرماه الناس بالنفاق، كما جرى من الذين وقعوا في ذلك فكانت عائشة تدافع عنه وتقول : لا، أليس هو القائل:
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء.
فاستدلت ببيت الشعر، وهو موضع آخر من كلامه وهو في موضع النزاع، فإن فيه دفاعاً عن عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستدلت بأنه بريء من النفاق بهذا البيت مع أنه بلسانه قال مقالة المنافقين، ووقع في عرض عائشة، واتهمها كما اتهمها غيره عبد الله ابن أبي بن سلول وغيره، ولكن شفع له موضع آخر من كلامه، فحمل الموضع الأول على ذلك الموضع، هذا وهو ليس في كلام الله ولا كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم .آهـ[17]
قال الشيخ ربيع في رد هذه الشبهة:
قصة حسان ليس فيها حجة لكم وذلك من وجوه:
أولا - أنها لا تدخل في باب المجمل والمفصل بل يقال إنَّ رميه لعائشة رضي الله عنها هو المفصل وقد أخذه الله به.
ثانياً - أنَّ الله تبارك وتعالى قد وصف كلام من وقعوا في عرض عائشة بالإفك، وتوعدهم بالعذاب العظيم إلى آخر ما ذكره الله عنهم في سورة النور، فهذا حجة عليك.
ثالثاً - أنَّ الله عاقبه بالعمى وذلك من العذاب الذي توعد الله به المنوه عنهم كما ذكرت عائشة .
= رابعاً - أنه قد أكرمه الله بالتوبة الصادقة ولولا ذلك لهلك مع الهالكين ولما دافعت عنه عائشة، وأكد ذلك عندها أنه صحابي جليل ومن أقوى المنافحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، فقالت في شأنه ما قالت في الذب عنه. ولو أصر على رميه لعائشة رضي الله عنها، كيف سيعامله الله ورسوله والمؤمنون ومنهم عائشة رضي الله عنها فأين حمل المجمل على المفصل؟.
فظهر من هذه اللمحات أنَّ قضية حسان حجة عليك لا لك، وأن من يخطئ بالمقال أو الفعال يقال له أخطأت، ولا يقال يحمل المجمل على المفصل، وقد يعاقب على حسب خطورة وضرر مقالته، فقد يكون جلداً، وقد يكون قتلاً ، وقد يكون تعزيراً، وقد يكون تكفيراً، وقد يكون تبديعاً.
ولو أخذنا بهذا المنهج - حمل المجمل على المفصل ...إلخ- لضاع دين الله وضاعت حقوق العباد، ودين الله قائم على رعاية المصالح ودرئ المفاسد..آهـ[18]
الشبهة الثانية : قال الشيخ ربيع: قال ابو الحسن:
قال أبو الحسن: ((وأنا أقول للذين يخالفون في هذا سأضع عليكم إشكال وأريد الجواب.
ثبت عن شعبة ابن الحجاج وعن مسعر بن كدام الهلالي أنهما قالا: إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله، وعن الصلاة فهل أنتم منتهون هذا ثابت بالإسناد الصحيح عن شعبة وعن مسعر في شرف أصحاب الحديث وغيره، لو أنا قلت لك هذه الكلمة، ولم أذكر لك قائلها هل تشك أن هذا زنديق يطعن في الحديث وأهله ويزهد في الحديث هل تشك في هذا؟
العلماء أولوا هذه الكلمة في حق مسعر وفي حق شعبة بالرغم أنه ما جاء نص آخر في هذا الموضع بعينه أن مسعراً وأن شعبة يقصدان بهذا كذا وبهذا كذا إنما هذا من فهم أهل العلم لأن هذين عالمان من أهل السنة، فكيف تنسب لهما الزندقة)).
الجواب:
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
- أن هذا ليس من باب حمل المجمل على المبين عند الأصوليين أو المفصل.
2- أن شعبة إمام كبير جداً بل أمير المؤمنين في الحديث وأفنى حياته في تعلمه وتعليمه ونقد رجاله، ويقوم بالرحلة الطويلة الشاقة في الحديث الواحد. فهذه قرائن عظيمة جداً أنه لا يقصد ظاهر الكلام، وقل مثل ذلك في مسعر -رحمه الله-.
وقرينة أخرى أن من أهل الحديث من يتشاغل بالغرائب وقد نهى السلف عن الاهتمام بالغرائب ووصف أبو خليفة تلميذ تلميذ شعبة ذلك بالمكاثرة وقد نقل أبو الحسن مثل هذا.
3- ممن تأول هذا الكلام الإمام أحمد رحمه الله لهذه القرائن وغيرها ولم يتأول لعلماء كبار مثل داود الظاهري ويعقوب بن شيبة(1).
وكذلك تكلموا في إسماعيل بن علية والمحاسبي والكرابيسي في قضايا القرآن، فكيف بمن هو مثل أبي الحسن والمغراوي وسيد قطب ولم يتأول عمر -رضي الله عنه- لصبيغ ولا ابن عمر لمعبد الجهني وهو ما كان يعرفه ولا كان مشهوراً ببدعة عنده ولا عند غيره فأعلن البراءة منه، والحاصل أن كتب العقائد وكتب الجرح الخاص والعام مليئة بنقد الناس في أقوالهم وأفعالهم فبماذا تحكم عليهم وهم لم يأخذوا بأصلك الذي توجبه على الناس؟ ألا يدل صنيع العلماء أن أصلك الذي تهوش به ليس بأصل، ولو سلكوا منهج أبي الحسن ودعوا إليه لما وجد نقد.آهـ[19]
المجمل والمفصل عند العلماء.
وسننقل في هذا المبحث تعريف العلماء للمجمل والمبين والمفصل لييتبين للقاريء أن أصل أبي الحسن في المجمل والمفصل وتعريفه لهما هو أصل محدث لايعرفه علماء الأصول ولاغيرهم ,إنما وضع لحماية أهل البدع من جرح العلماء.
قال حسن بن محمد بن محمود العطاررحمه الله :
الشَّيْءَ الْمُجْمَلَ هُوَ الَّذِي لَمْ تُدْرَكْ حَقِيقَتُهُ وَالْمُفَصَّلَ هُوَ مُدْرَكُ الْحَقِيقَةِ .آهـ [20]
قال ابن القيم رحمه الله:
الخطاب المجمل الذي أحيل بيانه على خطاب آخر .آهـ [21]
قال الشيخ العثيمين رحمه الله:
المجمل لغة : المبهم والمجموع
واصطلاحاً : ما يتوقف فهم المراد منه على غيره إما في تعيينه أو بيان صفته أو مقداره .
المبين لغة : المظهر والموضح .
واصطلاحاً : ما يفهم المراد منه إما بأصل الوضع أو بعد التبيين .آهـ[22]
وقال رحمه الله:
وبه نعرف أنَّ القائِلَ بأنّ هذه الإحدى عَشْرة، تُجمعُ الأربعُ فيها في سَلامٍ واحدٍ، والأربعُ في سَلامٍ واحدٍ لم يُصِبْ، ولعلَّه لم يَطَّلعْ على الحديث الذي صَرَّحتْ فيه بأنَّه يُسلِّمُ من كُلِّ رَكعتينِ.
وعلى فَرَضِ أَنَّ عائشةَ لم تُفصِّلْ؛ فإنَّ قولَ الرسول صلى الله عليه وسلم: «صلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى» يَحْكم على هذه الأربع بأنَّهُ يُسلَّم فيها مِن كُلِّ رَكعتين؛ لأنَّ فِعْلَ الرَّسولِ المُجْمَلَ يفسِّرُه قولُهُ المفصَّلُ.آهـ[23]
قال الشيخ صالح ال الشيخ حفظه الله :
كلمة (مجمل) تارة يقابل بها المبيَّن، وتارة يقابل بها المفصَّل، ومعناها إذا قوبل بها المبيَّن يختلف عن معناها إذا قوبل بها المفصل:
?والأول هو الذي يبحثه الأصوليون حين يجعلون في مباحثهم في الركن الثالث من أركان أصول الفقه -وهو البحث في الاستدلال- المجمل ويقابلون به المبيَّن، والمجمل الذي يقابل به المبيَّن اختلفت عباراتهم في تعريفه؛ ولكن حاصلها يرجع إلى:
· أن المجمل ما لم تتضح دلالته.
· أو كما قال بعضهم: ما احتمل شيئين ولا مرجِّح.
· أو كما قال بعضهم: ما لم يكن متحد المعنى، ولم يكن ثَم ما يبين ذلك المعنى فيه.
فإذن المجمل الذي يقابَل بالمبيَّن هذا يبحث فيه من جهة دِلالة الألفاظ ومن جهة الاستدلال، فيقال هذا مجمل وهذا مبيَّن.
ومعلوم أن النصوص إذا جاء فيها شيء مجمل فلا بد من البحث عما يبيِّنه حتى يتم الاستدلال؛ لأن الاستدلال بالمجمل لا يصح؛ لأنه محتمل لأشياء ولا مرجح لأحد الاحتمالات من اللفظ أو من التركيب، وإنما لابد من البحث؛ البحث عن البيان في أدلة أخرى.
?وأما في مقام البرهان وعند أهل الحجاج والاستدلال فإنهم يستخدمون لفظة المجمل المقابل لها المفصَّل، وهو الذي عناه الشيخ رحمه الله في هذا المقام حيث قال (من طريقين: مجمل ومفصل)، والمجمل هنا هو المجمل في باب الحجاج وباب الاستدلال وإقامة البرهان، وذلك أنّ البراهين في إقامتها تنقسم إلى براهين مجملة وبراهين مفصَّلة.
ويُقصد بالإجمال البرهان العام الذي يمكن أن تُرجع أفرادا كثيرة إليه من جهة الاحتجاج، فيصلح حجة لأشياء كثيرة دون تحديد.
وأما المفصل المقابل بالمجمل هذا فإنه الرد الذي يقابل به كل شبهة على حدا، وتكون الشبهة لها رد بالتفصيل عليها. وقد يكون هناك في الرد المفصل ما يشترك فيه بين رد ورد، وهذا يأتينا إن شاء الله تعالى.
فتحصّل لك أن قول الإمام رحمه الله تعالى (جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل ومفصل) أن:
المجمل: هو الجواب العام، والاستدلال العام، والبرهان العام، الذي يصلح لكل حجة يوردها المورد؛ يوردها المجادِل.
والمفصل: هو البرهان والدليل لإبطال كل شبهة على حِدَى ذلك على وجه التفصيل.
فإذن عندنا هنا الإجمال غير الإجمال المعروف في أصول الفقه، الإجمال هنا واضح بخلاف المجمل في أصول الفقه فإنه ما لم تتضح دلالته.آهـ[24]
شرح كشف الشبهات 182
وقال حفظه الله في منهج أهل السنة والجماعة في أصول الفقه:
أما المبين بالفتح فهو مقابل المجمل، فإن قلت في تعريف المجمل: هو ما لا يفهم منه عند الإطلاق معنى معين، فقل في تعريف المبين: هو ما فهم منه عند الإطلاق معنى. فيشمل النص والظاهر، وإن قلت في المجمل: هو اللفظ المتردد بين احتمالين فأكثر على السواء، فقل في المبين: هو ما دل على المعنى دون احتمال.[25]
وفي الختام أسأل الله تعالى الصدق والإخلاص في القول والعمل والثبات على منهج أهل السنة والجماعة (المنهج السلفي ) حتى تخرج هذه الروح الى خالقها .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب اليك
كتبه
أبوحسام محمود الزوبعي
_______________________________
[1] ال عمران 102
[2] النساء 1
[3] الأحزاب 70:71
[4] النصوص النبوية السديدة صواعق تدك قواعد الحزبية الماكرة الجديدة /3
[5] إطال مزاعم ابي الحسن 4
[6] إبطال مزاعم ابي الحسن 4
[7] درء التعارض 1/145
[8] درء التعرض1/146
[9] 12/478
[10] إبطال مزاعم ابي الحسن
[11] درء التعارض 1/146
[12] إبطال مزاعم ابي الحسن 5
[13] الصوارم الحداد 31-32
[14] شرح نونية ابن القيم 1/325
[15] شرح كشف الشبهات 9
[16] الفتاوى الكبرى 6/92
[17] تنبيه البي الحسن 27
[18] تنبيه ابي الحسن 27
[19] تنبيه ابي الحسن 23-24
[20] حاشية العطار على شرح الجلال المحلى على جمع الجوامع 6/90
[21] الصواعق المرسلة 1/389
[22] الأصول من علم الأصول
[23] الشرح الممتع 1/901
[24] شرح كشف الشبهات 182
[25] منهج أهل السنة والجماعة في أصول الفقه 4/5
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- الدولة : مصر
المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 48
رد: مجموع فتاوي العلماء السلفيين في بدعة حمل المجمل على المفصل من كلام البشر
حمل المجمل على المفصل في كلام من دون المعصوم
أضغط هنــــــــــــــــــا
تفريغ مختصر لمحاضرة
«حمل المجمل على المفصَّل في كلام مَنْ دون المعصوم»(1)
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فمحاضرتنا اليوم تتعلق بمسألة منهجية مهمة ومعروفة، وهي: «حمل المجمل على المفصل في كلام من دون المعصوم».
والمقصود بهذه المسألة: كيفية التعامل مع كلام البشر -سيما المتكلمين في الدين-، ممن هم دون النبي المعصوم -صلى الله عليه وسلم-.
فإذا وقع في كلام المشار إليهم خطأٌ أو إيهامٌ؛ فكيف نتعامل معه؟ وهل يلزم أن يُحمل كلامهم دائما على المحمل الحسن؟
هذا هو ما سنتعرف عليه -إن شاء الله- في المباحث التالية.
** المبحث الأول: تعريف «المجمل» و«المفصل»:
قال الشوكاني في «إرشاد الفحول»: «المجمل في اللغة: المبهم، من: أُجمل الأمر، إذا أُبهم. وقيل: هو المجموع، من: أُجمل الحساب، إذا جُمع وجُعل جملة واحدة. وقيل: هو المتحصِّل، من: أجمل الشيء، إذا حصَّله» اهـ.
ثم قال -بعد ذكر الاختلاف في تعريفه اصطلاحا-: «والأَوْلى أن يقال: هو ما دل دلالة لا يتعين المراد بها إلا بمعيِّن، سواء كان عدم التعيين بوضع اللغة، أو بعرف الشرع، أو بالاستعمال» اهـ.
والمعنى: أن «المجمل» هو الذي تكون دلالته محتملة مشتبهة، لا نستطيع تعيينها إلا بدليل.
وقال بعض العلماء -ونحن نذكر هذا القول من جملة الاختلاف؛ لأهميته، ولأنه هو المنقول عن السلف-: «المجمل» هو الذي لا يكفي في العمل به وحده؛ والمعنى: قريب مما تقدم.
ومن أمثلته: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾، فهذه الآية وحدها لم تبيِّن لنا كيفية إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فنحن نحتاج -في معرفة ذلك- إلى دليل آخر، وهذا الدليل الموضِّح للمراد يقال له: «المبيِّن» أو «المفصِّل».
ومن هنا يُعرف أن «المفصَّل» هو الموضَّح المبيَّن، الذي لا يحتاج إلى ما يوضِّحه أو يبيِّنه.
وعليه؛ فحمل «المجمل» على «المفصل» معناه: رد الدليل المحتمِل المشتبه إلى الدليل الواضح البيِّن، فتُرَدُّ الآية السابقة -مثلا- إلى ما يبيِّنها من السنة التفصيلية في إقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
** المبحث الثاني: حمل المجمل على المفصل في النصوص الشرعية:
لقد اتفق العلماء -سوى من شَذَّ من أهل البدع- على وقوع الإجمال في نصوص الكتاب والسنة، وعلى أنه لا بد من رده إلى المفصل.
وهذا ينبني على أصل عظيم، وهو سر هذه المسألة؛ وذلك أن المجمل -كما عرفنا- هو المحتمِل، وهذا المحتمِل قد يشتمل على حق أو باطل؛ ولكن كلام الله ورسوله لا يمكن أن يشتمل على باطل أو يحتمله؛ بل لا يكون -دائما- إلا حقا، وما من إجمال فيه إلا وقد بُيِّن.
فإذا أتاك شيء من كلام الله أو رسوله؛ فلا بد أن تحمله على المحمل الحسن -دائما-، ولا يجوز لك أن تظن أنه يحتمل معنى فاسدا، وما يُتوَهَّم من المعنى الفاسد إنما هو في أذهاننا، لا وجود له في النص الشرعي مطلقا.
فمثلا: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزني الزاني -حين يزني- وهو مؤمن»؛ هل يحتمل تكفير العصاة؟! كلا، وإنما هذا الاحتمال يوجد في أذهان بعض الناس، ولا وجود له في نفس النص.
وقد قال أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «إذا سمعتم الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فظُنُّوا به الذي هو أَهْدَى والذي هو أَقْوَم».
فهذا هو سر المسألة، وعليه ينبني التفريق بين المعصوم وغيره؛ لأن المعصوم لا يُتصور منه الخطأ ولا يقع -في مسائل الشرع-، ولا يمكن أن يحتمل كلامه معنى فاسدا؛ بخلاف غيره.
________________
(1) هذه هي المحاضرة الرابعة من سلسلة محاضرات بعنوان: «بصائر سلفية فيما أثير بين مشايخ السنة بمصر من المسائل المنهجية».
وهذا التفريغ يشتمل على اختصار وتصرف كبيرَيْن؛ بل هو أقرب للتفريغ بالمعنى؛ لطول مدة المحاضرات، ولما يقتضيه مقام المقالات المكتوبة، والفرق بينه وبين مقام المحاضرات المسموعة.
وقد كانت طريقة المحاضرات: أنني أجيب عن أسئلة المحاضرة المعينة في المحاضرة التي تليها، فخالفتُ ذلك في هذه التفريغات، وضممتُ إلى كل محاضرة أسئلتَها وما يتعلق بها من توضيحات؛ حتى تكون المسألة الواحدة -بمتعلقاتها- في مكان واحد، بما يسهل الاستفادة ويعممها -إن شاء الله-.
لقراءة بقية المحاضرة مفرغة ومنسقة وبصيغة بي دي أف
أضغط هنــــــــــــpdfـــــــــأ
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- الدولة : مصر
المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 48
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى