شبكة سبيل المؤمنين العلمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجموع مغالطات حسن عبدالستير الواهية والرد عليه

اذهب الى الأسفل

مجموع مغالطات حسن عبدالستير الواهية والرد عليه Empty مجموع مغالطات حسن عبدالستير الواهية والرد عليه

مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل الأربعاء مايو 01, 2024 9:06 am


بيان حال حسن عبد الستير
مقطع صوتي
لفضيلة الشيخ/ أبو عبد الأعلى خالد عثمان
حفظه الله
التحميل
أضغط هنـــــــــــــــــــــــا




عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في الجمعة مايو 17, 2024 8:03 am عدل 2 مرات
أبو عبد الله أحمد بن نبيل
أبو عبد الله أحمد بن نبيل
المشرف العام
المشرف العام

الدولة : مصر
المساهمات : 1424
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 47

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مجموع مغالطات حسن عبدالستير الواهية والرد عليه Empty رد: مجموع مغالطات حسن عبدالستير الواهية والرد عليه

مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل الأربعاء مايو 01, 2024 9:08 am


البينات الواضحات في كشف مغالطات حسن عبدالستير الواهية
ومنها: موافقته أصول علي الحلبي البدعية
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اتَّبع هداه،
أما بعد، فإن الحق قديم، والرجوع إليه عزيز خاصة في زمن الغربة الذي انقلبت فيه الموازين، وظهر أناس يقلبون الحق باطلاً، والباطل حقًّا.
ومن ثَمَّ تعين على أهل العلم والبصيرة الذين حملوا هذا العلم عن العدول أن ينفوا عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، من أجل أن تقام حجة الله على خلقه {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
وقد كنت أرسلت منذ سنتين نصيحة إلى حسن عبدالستير حول الأصول الباطلة والقواعد المحدثة التي ذكرها في لقاء معه بعنوان: "العاصمة من قاصمة الحدادية"، والتي وافق فيها أصول علي الحلبي.
ولما أرسلت إليه هذه النصيحة كنت حريصًا على رجوعه إلى الحق محبًا لهذا راجيًا له، كما قال الشافعي: "ما ناظرت أحدًا، وأحببت أن يخطئ".
وانتظرت منه جوابًا عن هذه النصيحة، فتباطأ ولم يرسله إلا بعد أشهر، فلمَّا اطلعت عليه، وجدته لم يستفد كثيرًا من البينات الواضحة والبراهين الساطعة التي سقتها له على بطلان ما قرَّره، بل أصر على هذه القواعد الحلبية، وأخذ يورد الشبهات لتزيينها، رغم ظهور بطلانها.
وأخيرًا بلغني الردَّ الصوتي لحسن عبدالستير، والذي عنون له بـ: "فتح العلي الأعلى في بيان مغالطات أبي عبدالأعلى"، والذي صاغه ردًّا على ما كنت أفتيت به الجمعة الماضية نصحًا للمسلمين في تحذير الطلبة من التلقي عنه لما بينته في الفتوى.
وقد كنت أتمنى أن يعلن في هذا الرد رجوعه الحميد إلى الحق، بأنه ترك الأصول والقواعد الحلبية، وترك أسلوب أبي الحسن والحلبي في المراوغة وتضييع الحق، لكن للأسف وجدته مستمسكًا بذَنَب الباطل مستعليًا بنفسه مغلِّبًا حظها على الاعتراف بالخطأ، متماديًا في لبس الحق بالباطل، مصِّرًا على صحة هذه القواعد الحلبية محاولاً تزيينها كي تروج على السُّذَّج، وجمع إلى هذا الغمز واللمز في ناصحه بدلاً من شكره على ما تكلَّفه في نصحه لما يرجوه له من الخير والهدى، كما يأتي بيانه -إن شاء الله-.
وقد سميت هذا الرد: "البينات الواضحات في كشف مغالطات حسن عبدالستير الواهية وموافقته لأصول علي الحلبي البدعية"،و قسَّمته على فصلين:
الفصل الأول: نصُّ النصيحة التي أرسلتها إلى حسن عبدالستير.
الفصل الثاني: كشف مغالطات حسن عبدالستير في ردِّه المعنون بـ: "فتح العلي الأعلى في بيان مغالطات أبي عبدالأعلى".
والمصادر التي اعتمدت عليها في نقد أقواله هي:
أولاً: اللقاء المعنعن بـ: "العاصمة من قاصمة الحدادية".
ثانيًا: مقاطع صوتية مختلفة بصوته منشورة على الشبكة العالمية للاتصالات.
أسأل الله سبحانه أن يرده إلى الحقِّ ردًّا جميلاً، وأن يوفّقه إلى إعلان التوبة الصادقة مِمَّا وقع فيه من القواعد الباطلة، والله عز وجل يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ . إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
(الفصل الأول): نصُّ النصيحة التي أرسلتها إلى حسن عبدالستير
من: أبي عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان.
إلى الأخ الشيخ: حسن بن عبدالستير –حفظه الله-.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أما بعد، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، وأصلي وأسلم على نبي الهدى محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه.
وبعد، فقد وقفت في منتديات "كل السلفيين !!"، على مقال بعنوان: "العاصمة من قاصمة الحدادية"، وهو عبارة عن أسئلة وُجهت إليكم في ليلة الخميس الثالث من شهر جمادى الثانية لعام ثلاثين وأربع مائة وألفٍ من هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الموافق الثامن والعشرين من الشهر الخامس لعام تسعٍ وألفين من ميلاد المسيحِ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ..وقد أجبتم على بعضها إجابات تحتاج إلى وقفة ومراجعة، كما سيأتي.
فأرجو أن يتسع صدركم لقبول نصح أخيكم، الذي لا يريد لكم إلا الخير وإصابة الحق.
وقد آثرت أن أكتب لكم هذه النصيحة بدلاً من اللقاء المباشر لأمرين:
الأول: أن مقام الكتابة –كما هو معلوم- يكون تحرير المسائل فيه أضبط، لاستجماع الكاتب قوى ذهنه، وقيامه بمراجعة ما كُتب لتصويب ما يحتاج إلى تصويب.
والثاني: أن النصيحة القولية المباشرة قد تستعلي النفس أحيانًا عن قبولها، فأحببت أن أقطع على الشيطان سبيله، وأن أعطيكم الحرية الكاملة لمراجعة النصيحة، والتأمل فيها بروية وسكينة، حتى تقع موقعها وتؤتي ثمارها المرجوَّة إن شاء الله.
فأقول –سلمكم الله-:
قولكم في هذا اللقاء في الدفاع عن قاعدة علي الحلبي: "لا يجب أن يكون انتساب الرجل إلى السلفية خالصًا كما أنه لا يجب انتساب الرجل إلى الإسلام خالصًا": "أنا أسأل الناس هل يجب أن يكون الرجل مؤمنًا كامل الإيمان أم أن الرجل قد يكون مؤمنًا وهو على شعبة من شعب النفاق على شعبة من شعب الكفر هذه هي فتنة الخوارج الكبرى أنهم جعلوا الإيمان كتلة واحدة جزءاً واحدًا لا يتبعض وإنما أهل السنة جعلوا الإيمان ماذا؟ شعبًا جعلوا الإيمان شعبًا قد يكون الرجل مؤمنًا وهو على شعبة من شعب الكفر كما جاء في الحديث: "إنك امرؤ فيك جاهلية"، وعليها أقول: لا يجب أن يكون انتساب الرجل للإيمان خالصًا بمعني هو أن يكون معتقدًا بهذه الشعبة ليس كافراً بها، ولكن أنا اتكلم عن العمل فالرجل يعتقد أن سباب المسلم فسوق ولكن يفعل هل هذا انتسابه خالص للإيمان ؟ أم أن انتسابه ليس خالصاً كاملاً ؟ فهو هنا على شعبة من شعب الفسق من سب أخيه المسلم كذلك الأمر انتساب الرجل إلى السلفية لا يجب أن يكون خالصًا..".
قلت: هذه القاعدة هي من قواعد علي الحلبي المحدثة، وهي تشبه قاعدة: "عدم تأثير مخالفة المنهج إذا صحت العقيدة وقويت، ولا يخرج عن السلفية"، كما في "المسألة الحادية عشرة: (بين العقيدة والمنهج) من كتاب منهج السلف الصالح (ص139).
وهي تابعة لقواعده الباطلة الأخرى، والتي قعَّدها في كتابه "منهج السلف الصالح"، نحو:
قاعدة: "لا نجعل خلافنا في غيرنا سببًا في للخلاف بيننا".
وقاعدة: "اشتراط الإجماع في الجرح"، والتي ردَّ بها قاعدة الجرح المفسَّر مقدَّم على التعديل.
وقاعدة: "عدم مصلحة هجر أهل الأهواء في هذا الزمان".
وقد بيَّن بطلان هذه القواعد بتفصيل أخونا الشيخ أحمد بن عمر بازمول –حفظه الله- في كتابه "صيانة السلفي من وسوسة وتلبيسات علي الحلبي"، فارجع إليه فإنه مهم في بابه.
ويعتبر كتابَيَ: "الكواشف الجلية للفروق بين السفلية والدعوات الحزبية البدعية"، و"الحدود الة بين أصول منهج السلف الصالح وأصول القطبية السرورية"، ردًّا مفصَّلاً في بيان بطلان هذه القاعدة.
وأقول مذكِّرًا لكم على سبيل الإيجاز: إن إنزال قاعدة زيادة الإيمان ونقصانه على السلفية خلط في غير موضعه؛ حيث إن السلف الصالح ما تعاملوا بهذا الفهم المحدث حال حكمهم على أهل البدع.
وإن كان بلا شك الوقوع في البدعة يؤثر في الإيمان بالنقصان، لكن مَن يقع في بدعة ظاهرة ليست خفية فإنه يتنزل عليه الحكم بالابتداع –أي يصير مبتدعًا-، وإن وافق المنهج السلفي في بقية المسائل، فالعبرة ليست بما وافق فيه إنما بما خالف فيه.
وإن هذه القاعدة يترتب عليها إسقاط منهج التبديع؛ حيث إنه لا يوجد مبتدع إلا وله شيء من الموافقة للسنة والمنهج السلفي في بعض المسائل.
فإذا قلت: العبرة بما يغلب عليه. قلت: وكيف نحدد هذا الغالب؟
هل يكون بالنسبة المئوية، أم ماذا؟
ولكن الصواب الذي كان عليه السلف، هو الاعتبار بنوعية المخالفة لا بكمها، أي العبرة بالكيف لا بالكم.
ولنا الأسوة الكاملة في رسولنا صلى الله عليه وسلم في حكمه على الخوارج بالمروق من الدين رغم ما هم عليه من اجتهاد في العبادة وتلاوة القرآن، بل حكم عليهم بأنهم كلاب أهل النار، وأنهم شر الخلق والخليقة؛ فلم تشفع حسناتهم وموافقتهم للسنة في بعض المسائل في إلحاقهم بأهل السنة.
فلم يطبق الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة البدعية عليهم، فلم يقل إنهم ينتسبون إلى السنة والسلفية انتسابًا مشوبًا ليس خالصًا !!
وكذا صنيع أصحابه رضي الله عنهم بعده صلى الله عليه وسلم مع الخوارج والقدرية جرى على السنن نفسه.
وجرى على هذا المنهج النبوي أئمة السلف الصالح.
ولو تصفَّحنا مصنَّفات الجرح والتعديل لوجدنا عشرات الأمثلة عن أناس وطوائف بدَّعهم العلماء رغم انتحالهم السلفية في بعض المسائل.
ولذا جاء في ضمن عنوان كتاب أبي جعفر العقيلي في "الضعفاء": "ومَن نُسب إلى الكذب ووضع الحديث ...وصاحب بدعة يغلو فيها ويدعو إليها، وإن كانت حاله في الحديث مستقيمة".
قلت: فلو فرضنا أن رجلاً محدِّثًا، أي: يروي الأحاديث بالأسانيد، وهو حافظ لما يرويه، ولكنه على بدعة يدعو إليها ويخاصم عليها –وما أكثر هؤلاء-، فهذا لا يقال إنه له انتساب إلى أهل الحديث، ولكن انتسابه ليس خالصًا بسبب بدعته، بل نحكم كما حكم عليه أئمة السلف بالبدعة.
ومن أمثلة هذا: الكلاَّبية، أتباع عبدالله بن سعيد بن كلاَّب، فقد بدَّعهم العلماء رغم موافقتهم السنة في بعض أصولهم، ولم يخالفوا إلا في مسألة إثبات الصفات الاختيارية التي تتعلق بمشيئة الله سبحانه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في جامع الرسائل (2/4): "و"الْكلابِيَّة" وَمن وافقهم من "السالمية"، وَغَيرهم يَقُولُونَ: "تقوم بِهِ صِفَات بِغَيْر مَشِيئَته وَقدرته؛ فَأَما مَا يكون بمشيئته وَقدرته: فَلَا يكون إِلَّا مخلوقا مُنْفَصِلا عَنهُ لَا يقوم بِذَات الرب".
وهذا الإمام أحمد يبدع الحارث المحاسبي، ويعقوب بن شيبة رغم موافقتهما للسلفيين في بعض الأصول والمسائل، إلا أنهما وافقا جهمًا في بعض أصوله؛ فألحقهما الإمام أحمد بالجهمية، ولم يطبق عليهما هذه القاعدة البدعية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في النبوات (1/269): "ومنهم من قال: بل فعل الربّ قديم أزليّ، وهو من صفاته الأزليّة؛ وهو قول قدماء الكلابيّة، وهو الذي ذكره أصحاب ابن خزيمة ، لمّا وقع بينه وبينهم بسبب هذا الأصل، فكتبوا عقيدةً اصطلحوا عليها، وفيها: إثبات الفعل القديم الأزليّ.
وكان سبب ذلك أنّهم كانوا كلابيّة يقولون: إنّه لا يتكلّم بمشيئته وقدرته، بل كلامه المعيّن لازمٌ لذاته أزلاً وأبدًا.
وكان ابن خزيمة وغيره على القول المعروف للمسلمين وأهل السنّة: أنّ الله يتكلّم بمشيئته وقدرته، وكان قد بلغه عن الإمام أحمد أنّه كان يذمّ الكلابيّة، وأنّه أمر بهجر الحارث المحاسبي لمّا بلغه أنه على قول ابن كلاَّب، وكان يقول: حذِّروا عن حارث الفقير؛ فإنّه جهميّ، واشتهر هذا عن أحمد".
وقال شيخ الإسلام في درء التعارض (2/6): "وكان الناس قبل أبي محمد بن كلاب صنفين، فأهل السنة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها، والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا وهذا، فأثبت ابن كلاب قيام الصفات اللازمة به، ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها.
ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري وغيرهما، وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاَّب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذِّر عن ابن كلاَّب وأتباعه".
وقال الذهبي رحمه الله في السير (12/478): "قال أبو بكر المرُّوذي: أظهر يعقوب بن شيبة الوقف في ذلك الجانب من بغداد، فحذر أبو عبد الله منه، وقد كان المتوكل أمر عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان أن يسأل أحمد بن حنبل عمن يقلد القضاء، قال عبد الرحمن: فسألته عن يعقوب بن شيبة، فقال: مبتدع صاحب هوى.
قال الخطيب : وصفه بذلك لأجل الوقف".
قلت: فهذا موقف إمام السنة من الحارث ويعقوب بن شيبة، رغم أنهما على قاعدة علي الحلبي لهما انتساب إلى السلفية والعلم في ظاهر أمرهما، لكن انتسابهما ليس خالصًا.
فأما الحارث فله دفاع عن السنة في بعض المواطن ضد الرافضة والمعتزلة، كما قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/211): "وللحارث كتب كثيرة في الزهد، وفي أصول الديانات والرد على المخالفين من المعتزلة والرافضةوغيرهما".
وأما يعقوب بن شيبة، فقد أثنى عليه عدد من علماء الحديث برسوخ قدمه في علم علل الحديث، وأنه كان من كبار علماء هذا الشأن، حتى قال الحميدي كما في السير (18/590): "لو وُجد كلام يعقوب على أبواب الحمامات للزم أن يُقرَأ ويُكتب، فكيف وهو مسندٌ لا مثلَ له".
فلو طبَّقنا قاعدة علي الحلبي على الحارث ويعقوب بن شيبة ما بدَّعناهما كما بدَّعهما الأئمة.
بل إن كليهما أفضل عشرات المرات من رويبضة هذا الزمان الذين طبَّق عليهم علي الحلبي قاعدته البدعية.
وبعض الجهلة قد ينزلون هذه القاعدة على سيد قطب وحسن البنا والمودودي؛ فلا يبدَّعونهم كما بدَّعهم أغلب أئمة العصر، وهذه هي حجة القطبيين ومَن شاكلهم.
وثم أمثلة أخرى كثيرة لا يتسع المقام لاستقصائها.
وهذه المسألة تشبه مسألة اشتراط إقامة الحجة في التبديع؛ حيث أطلق أقوام من أذناب هؤلاء المبتدعة القول باشتراط الحجة في الحكم بالتبديع على الداعي إلى البدعة المخاصم عليها، فجاءت إجابة إمام هذا العلم في زماننا: شيخنا العلامة ربيع بن هادي –حفظه الله- كالتالي:
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ابتع هداه،
أما بعد؛ فالمشهور عن أهل السنة أنه من وقع في أمر مكفر لا يكفر حتى تقام عليه الحجة.
أما من وقع في بدعة فعلى أقسام:
القسم الأول: أهل البدع كالروافض والخوارج والجهمية والقدرية والمعتزلة والصوفية القبورية والمرجئة ومن يلحق بهم كالأخوان والتبليغ وأمثالهم فهؤلاء لم يشترط السلف إقامة الحجة من أجل الحكم عليهم بالبدعة فالرافضي يقال عنه: مبتدع، والخارجي يقال عنه: مبتدع وهكذا، سواء أقيمت عليهم الحجة أم لا.
القسم الثاني: من هو من أهل السنة ووقع في بدعة واضحة كالقول بخلق القرآن أو القدر أو رأي الخوارج وغيرها فهذا يبدع وعليه عمل السلف...
القسم الثالث: من كان من أهل السنة ومعروف بتحري الحق ووقع في بدعة خفية فهذا إن كان قد مات فلا يجوز تبديعه بل يذكر بالخير ، وإن كان حياً فيناصح ويبين له الحق ولا يتسرع في تبديعه فإن أصر فيبدع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: ((وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله : {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، وفي الحديث أن الله قال : ((قد فعلت))، وبسط هذا له موضع آخر)) [معارج الوصول ص:43].
وعلى كل حال لا يجوز إطلاق اشتراط إقامة الحجة لأهل البدع عمومًا، ولا نفي ذلك والأمر كما ذكرت".اهـ
قلت: واعلم أن المتلبسين بالبدع –من المدَّعين للسلفية- إنما ينبلون عند العامة بشيء من الموافقة للسنة والحديث، وأما لو أدرك العقلاء حقيقة مقالاتهم المنحرفة ما نبلوا عندهم، كما قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى- كما في المجلد الرابع من مجموع الفتاوى الخاص بـ:"مفصَّل الاعتقاد" (ص11-12): "وكذلك الشافعي وإسحق وغيرهما، إنما نبلوا في الإسلام باتباع أهل الحديث والسنة، وكذلك البخاري وأمثاله إنما نبلوا بذلك، وكذلك مالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وغيرهم إنما نبلوا بذلك، وكذلك مالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وغيرهم، إنما نبلوا في عموم الأمة، وقُبِل قولهم لما وافقوا فيه الحديث والسنة، وما تكلِّم فيمن تكلم فيه منهم إلا بسبب المواضع التي لم يتفق له متابعتها من الحديث والسنة إما لعدم بلاغها إياه أو لاعتقاده ضعف دلالتها أو رجحان غيرها عليها.
وكذلك المسائل الاعتقادية الخبرية لم ينبل أحد من الطوائف، ورءوسهم عند الأمة إلا بما معه من الإثبات والسنة فالمعتزلة، أولاً: وهم فرسان الكلام، إنما يحمدون ويعظِّمون عند أتباعهم، وعند من يغضي عن مساويهم لأجل محاسنهم عند المسلمين بما وافقوا فيه مذهب أهل الإثبات والسنة والحديث، وردهم على الرافضة بعض ما خرجوا فيه عن السنة والحديث من إمامة الخلفاء وعدالة الصحابة وقبول الأخبار وتحريف الكلم عن مواضعه والغلو في على ونحو ذلك.
وكذلك الشيعة المتقدمون كانوا يرجحون على المعتزلة بما خالفوهم فيه من إثبات الصفات والقدر والشفاعة ونحو ذلك، وكذلك كانوا يستحمدون بما خالفوا فيه الخوارج من تكفير علي وعثمان وغيرهما وما كفَّروا به المسلمين من الذنوب، ويستحمدون بما خالفوا فيه المرجئة من إدخال الواجبات في الإيمان، ولهذا قالوا بالمنزلة وإن لم يهتدوا إلى السنة المحضة .
وكذلك متكلمة أهل الإثبات مثل الكلابية والكرامية والأشعرية إنما قبلوا واتبعوا واستحمدوا إلى عموم الأمة بما أثبتوه من أصول الإيمان من إثبات الصانع وصفاته وإثبات النبوة والرد على الكفار من المشركين وأهل الكتاب وبيان تناقض حججهم، وكذلك استحمدوا بما ردوه على الجهمية والمعتزلة والرافضة والقدرية من أنواع المقالات التي يخالفون فيها أهل السنة والجماعة.
فحسناتهم نوعان: إما موافقة أهل السنة والحديث، وإما الرد على من خالف السنة والحديث ببيان تناقض حججهم، ولم يتبع أحد مذهب الأشعري ونحوه إلا لأحد هذين الوصفين، أو كلاهما، وكلُّ من أحبه وانتصر له من المسلمين وعلمائهم، فإنما يحبه وينتصر له بذلك، فالمصنف في مناقبه الدافع للطعن واللعن عنه كالبيهقي والقشيري أبي القاسم وابن عساكر الدمشقي؛ إنما يحتجون لذلك بما يقوله من أقوال أهل السنة والحديث أو بما رده من أقوال مخالفهيم لا يحتجون له عند الأمة وعلمائها وأمرائها إلا بهذين الوصفين، ولولا أنه كان من أقرب بني جنسه إلى ذلك لألحقوه بطبقته الذين لم يكونوا كذلك كشيخه الأول أبي علي وولده أبي هاشم.
لكن كان له من موافقة مذهب السنة والحديث في الصفات والقدر والإمامة والفضائل والشفاعة والحوض والصراط والميزان، وله من الردود على المعتزلة والقدرية والرافضة والجهمية وبيان تناقضهم ما أوجب أن يمتاز بذلك عن أولئك، ويُعرف له حقُّه وقدره قد جعل الله لكل شيء قدرًا، وبما وافق فيه السنة والحديث صار له من القبول والأتباع ما صار، لكن الموافقة التي فيها قهر المخالف وإظهار فساد قوله هي من جنس المجاهد المنتصر".اهـ
وأما قولك: "هذه هي فتنة الخوارج الكبرى أنهم جعلوا الإيمان كتلة واحدة جزءً واحدًا لا يتبعض ..إلخ".
قلت: فهذا غمز في العلماء السلفيين الذين يحكمون على صاحب البدعة بما يستحقه بأنهم خوارج؛ لأنهم ينزلون الحكم بالابتداع على من سلك طريقًا من طرق أهل البدع والأهواء، وإن كان يدَّعي السلفية.
وهذا الغمز هو شنشنة عبدالرحمن عبدالخالق، ومن جرى في ركابه نحو أبي الحسن المصري، وأبي إسحاق الحويني، ومحمد بن حسَّان.
فقد اتفق كل هؤلاء على رمي السلفيين حقًّا بأنهم خوارج وغلاة تجريح؛ لأنهم حكموا عليهم وعلى أمثالهم من أصحاب الأهواء بالبدعة، وتناسوا أن حكمهم هذا يلزم عشرات الأئمة السابقين الذين يسير السلفيون على خطاهم في أحكامهم.
وأما الأمثلة التي ضربتها لهذه القاعدة من واقع بعض الأئمة، ففيها ما فيها من خلط الحق بالباطل، وانتحال أقوال المسرفين من أهل البدع الطاعنين في هؤلاء الأئمة، وإقرار باطلهم.
فأما قولك: "الشيخ الألباني، وقوله في مسألة جنس العمل، وهي التي تكلَّم لأجلها بعض علماء المملكة في الشيخ الألباني، أنا أسأل علماء المملكة هل قول الشيخ الألباني في مسألة جنس العمل هل هو قول سلفي أم أنه قول خلفي؟ أنا أسألهم الآن، فإن قالوا هو قول سلفي فلما شنَّعوا على الشيخ ؟! فإن قالوا هو قول خلفي يبقي إذن هذه شهادة منهم أن الشيخ ليس على كامل السلفية والجواب عندهم لا عندي".
فأقول: هذا إلزام باطل للعلماء، وقد نفوا هذا اللازم الباطل في عدة فتاوى.
فهذا جواب العلماء في عدة فتاوى في نفي الإرجاء عن إمام العصر –رحمه الله- معروف متداول، وإليك بعضها:
أولاً: سئل الإمام ابن باز -رحمه الله-:
س:- تثار بعض الشبهات حول عقيدة العلامة محمد ناصر الدين الألباني -حفظه الله-، وينسبونه إلى بعض الفرق الضالة كالمرجئة، فما نصيحتكم لأولئك؟
ج: الشيخ ناصر الدين الألباني من إخواننا المعروفين من المحدثين من أهل السنة والجماعة، نسأل الله لنا وله التوفيق والإعانة على كل خير، والواجب على كل مسلم أن يتقي الله، ويراقب الله في العلماء وأن لا يتكلم إلا عن بصيرة.
ثانيًا: فتوى العلامة ابن عثيمين –رحمه الله-:
"مَن رمى الشيخ الألباني بالإرجاء فقد أخطأ، إما أنه لا يعرف الألباني؛ وإما أنه لا يعرف الإرجاء… الألباني رجل من أهل السنة –رحمه الله- مدافع عنها، إمام في الحديث، لا نعلم أن أحدًا يباريه في عصرنا، لكن بعض الناس –نسأل الله العافية- يكون في قلبه حقد؛ إذا رأى قبول الشخص ذهب يلمزه بشيء؛ كفعل المنافقين الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات، والذين لا يجدون إلا جهدهم؛ يلمزون المتصدق المكثر من الصدقة، و المتصدق الفقير!
الرجل –رحمه الله- نعرفه من كتبه، و أعرفه –بمجالسته- أحيانًا-: سلفي العقيدة، سليم المنهج؛ لكن بعض الناس يريد أن يكفر عباد الله بما لم يكفرهم الله به، ثم يدعي أن من خالفه في هذا التكفير فهو مرجئ – كذبًا وزورًا وبهتانًا-؛ لذلك لا تسمعوا لهذا القول من أي إنسان صدر…".من شريط "مكالمات هاتفية مع مشايخ الدعوة السلفية" (رقم:4) – إصدار: مجالس الهدى للإنتاج و التوزيع – الجزائر، و كان ذلك بتاريخ: 12/6/2000م.
ثالثًا: فتوى العلامة صالح الفوزان –حفظه الله-:
سئل –حفظه الله- عمَّن يُدخل في الإسلام مَن نطق بالشهادتين مع تركه لعمل الجوارح، وعزا هذا القول إلى ابن منده، وابن تيمية، وابن خزيمة، والنووي، وابن حجر، إلى أن قال: "وهو قول الشيخ الألباني –الذي اتهمه القطبيون بالإرجاء- فهل يجوز لنا هذا الإطلاق؟ وهل قائله من المرجئة؟
فأجاب: هذا القول لبعض من أهل السنة نقله شيخ الإسلام في المجموع.
ولكن على الصحيح من قولي العلماء- كفر تارك الصلاة قال صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" ....
ولكن لا يجوز إطلاق كلمة الإرجاء على من لم يكفِّر تارك الصلاة، والشيخ الألباني من أهل السنة، وأخطأ وجانب الصواب مَن قال إنه مرجئ، وإن كنا لا نوافقه على البعض من المسائل من بينها: نجاة مَن لم يعمل بجوارحه، ولكن انتبهوا هو من أهل السنة، وقوله هو قول أهل السنة.
صالح الفوزان (7 ذي الحجة 1424 هـ) (الأسئلة العراقية/ ص 29-30).
رابعًا: فتوى العلامة ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله-:
سئل –حفظه الله-: ما رأيكم فيمن يقول إن العلامة الألباني -رحمه الله تعالى- هو منبع بدعة الإرجاء وتلاميذه ورثوا ذلك؟
ج:- نسأل الله العافية، ليته قال إن سيد قطب منبع الضلال، وليته قال البنا منبع الضلال، وليته قال أو تكلم في هؤلاء مع الأسف الشديد،وقد يكون هذا من أهل السنة المساكين الذين تلاعب بعقولهم أهل الضلال فإلى الله المشتكى ،الألباني يقول الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وانتقد الأحناف مرجئة الفقهاء فضلاً عن غلاة المرجئة ونسال الله العافية،نسأل الله العافية.
لماذا هؤلاء يحاربون تلاميذ الألباني ([1]) باسم الإرجاء ويتركون سيد قطب وكتبه تكتسح الأمة في شرقها وغربها بضلالات كبرى منها الحلول ومنهاوحدة الوجود ومنها.. ومنها..؟!
لم نرى منهم كتابًا صدر في نقد هذا الرجل ولا في كتبه ولم نسمع منهم تاييداً لمن يجاهد في هذا الميدان لم نسمع منهم تاييداً،وأقاموا الدنيا وأقعدوها على تلاميذ الألباني بالإرجاء.. الإرجاء.. الإرجاء..، وأصبح الخطر الماثل على الأمة الإسلامية من الألباني وتلاميذه هذه مبالغات وتهاويل وهي والله جزء من حملة خبيثة مركزة على المنهج السلفي فليس المقصود الألباني وليس المقصود تلاميذه إنما المقصود إهانة المنهج السلفي لإنه يحمل في طياته الإهانات لسيد قطب وأمثاله.
فهذا انتقام لأهل البدع والضلال وصرف للناس عن هذه المشاكل الكبرى التي تنخر في الأمة وغرست فيهم فكر الخوارج وفكر الروافض وفكر المعتزلة وفكر الجهمية والاشتراكية غرست كثيرفي كثير من الدنيا، فإذا كان هذه البلاد محصنة بشيء من العقائد أو بالعقائد لا يسلم من قرأ لسيد قطب منها، فكيف بالبلدان الأخرى التي يتربون فيها على المناهج التي سبق ذكرها في مدارسهم وفي جامعاتهم ويأتيهم فكر سيد قطب؟!
فماذا يحصل لهم؟! يزدادون ضلالاً على ضلال، ومن الضلالات التي وقع فيها ممن تأثر بسيد قطب في هذه البلاد وغيره عداوة أهل المنهج السلفي وحربهم والولاء لأهل البدع والذب عنهم والسكوت عن ضلالاتهم هذا الذي يجري في الساحة،امتلئت الساحة بفكر هذا الجاهل الضال سيد قطب وأصبح هو المقدس وأصبح الشاب يسمع طعنه في نبي من الأنبياء فلا يحرك مشاعره ولاضميره فلا يهتز عقله ولا مشاعره ولا قلبه بالغيرة لأنبياء الله ولا بالغيره لأصحاب محمد-صلى الله عليه وسلم-، ونعتقد أن الذي وصل إلى هذا الحد من الانحدار والضياع أعتقد أنه ضل ضلالاً بعيدا مع الأسف الشديد وإن تجاهر بالسلفية، وإن ادعى ذلك فهو إنسان قد أهلكه حب القطب- سيد قطب- كما أهلك اليهود حب العجل مع الأسف، فيتضائل كل مبدأ وكل أصل أمام هذه الشخصية الأسطورية التي نسجها الإخوان المسلمون والقطبيون تتضائل منازل الأنبياء ومنازل الصحابة وتتضائل العقيدة وتتضائل كل حرمة وقداسة أمام هذا الجاهل الضال حتى قداسة القرآن قد مرغها هذا الجاهل الضال فلم تهتز ضمائرهم ولا عقولهم ولم يرفعوا عقيرتهم غيرة لأصحاب محمد ولا لأنبياء الله ولا لكتاب الله ولا لعقيدة السلف! فعلى ماذا يدل هذا على ماذا يدل هذا الهوان وهذا الإنحدار على ماذا يدل مع الأسف الشديد فأنا أرجو من أمثال هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام ويحاربون أهل السنة من أجل سيد قطب نوجه لهم هذا النداء أن يتوبوا إلى الله وأن يعرفوا أن الخطورة كل الخطورة تكمن في مناهج سيد قطب وأمثاله، وأما الألباني فحياته كلها رفع لراية السنة وحرب على البدع فكم بدعة نصَّ عليها.. ألَّف تحذير الساجد وحقَّق العلو للذهبي وألَّف كتاب الصلاة على طريقة النبي-صلى الله عليه وسلم- وذكر بدع الصلاة وألف في الجنائز وذكر البدع في الجنائز وألف في الحج وذكر بدع الحج وله مؤلَّف عظيم نسأل الله أن يوقفنا عليه في البدع، ومن البدع التي حاربها كثيرًا بدعة الإرجاء وهو على خصومة شديدة مع المرجئة مع أبي غدة والكوثري والمرجئة السابقين واللاحقين.
أيوصف بعد كلِّ هذا بأنه مرجيء وأنه منبع الإرجاء؟!
اتقوا الله إذا بدت منه كلمه في حال جدال تستغرب ونحن نعرف أنه عدو لدود للإرجاء نقول إنه منبع للإرجاء، ألا نتقي الله ؟! ألا يظن هذا أن هذا سيكتب في صفحته وأن الله الذي قال: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، سيحاسبه على هذا الكلام إلا أن يتوب إلى الله توبة نصوحة، نسأل الله ياأخوة أن يتوب على المخدوعين، فإن الإخوان المسلمين لهم أساليب ماكرة أخذوها من الماسون ومن اليهود ومن كتب علم النفس وكتب علم الاجتماع كيف احتواء الناس كيف يضحكون على الناس، كيف يوقعون الناس في حبائلهم، يعني برعوا في هذا الباب، ولم يفهموا الإسلام فهموا هذه الطرق الشيطانية التي يمكن فاقوا فيها الشياطين، والأساليب المؤثرة الخداعة الماكرة التي تزلزل الشباب وتبعده عن مناهج الصواب برعوا فيها وضحكوا على كثير من أبنائنا فتراهم حربًا على حملة لواء المنهج السلفي وتراهم ِسلمًا فيه الشبه القوي من الخوارج الذين قال يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان فهم الآن يحامون أهل البدع ويحاربون أهل السنة بشتى الوسائل المنحرفة القائمة على الكذب والتلفيق فنسأل الله العافية، ونسأل الله أن يفيق هؤلاء من غفوتهم ومن نومتهم ومن استخبائهم واستسلامهم لأعداء المنهج السلفي إن ربنا لسميع الدعاء([2])".اهـ
خامسًا: العلامة عبيد بن عبدالله الجابري –حفظه الله-:
السائل : فضيلة الشيخ عبيد حفظه الله تعالى، ما رأي فضيلتكم فيمن يقول :أن العلامة الألباني رحمه الله تعالى هو منبع بدعة الإرجاء وتلاميذه ورثوا ذلك؟
فأجاب –حفظه الله-: أولا ؛ ما الإرجاء ؟ فالإرجاء معناه في اللغة التأجيل والتأخير.. والمهلة ، قال تعالى فيما قصه علينا من خبر فرعون وملئه مع موسى صلى الله عليه وسلم: { قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِين(36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } ، يعني أرجئهم أترك لهم مهلة .
وفي الشرع هو ؛ تأخير العمل عن مسمى الإيمان ، والمرجئة في هذا الباب قسمان:
غلاة ، فالغلاة خلاصة مذهبهم أنه لا يضر مع الإيمان ذنب ، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة ، وعليه فإن المعاصي على هذا المذهب لا تنقص الإيمان ولا تضره ، يفعل ما يشاء وهو مؤمن كامل الإيمان لا تضره المعاصي ، لا يضر مع الإيمان ذنب ، هذا هو مذهب الغلاة سواء قالوا إن الإيمان هو مجرد الإقرار أو مجرد الإقرار والتصديق أو ...هذا ما ينبني عليه أو هذا هو ما يتحصل من نتيجة مذهبهم ومعتقدهم الفاسد.
وأما غير الغلاة فهم الذين يقولون : الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب ، والعمل شرط كمال .. لا شرط صحة ، فالعمل ليس داخلا عندهم في مسمى الإيمان.
وسواء كان هذا أو ذاك فكلتا الطائفتين خاطئة ومنحرفة عن مذهب أهل السنة لكن أولاهما أشد ،.... هذا هو الوجه الأول .
الوجه الثاني ؛ فيما يتعلق بالألباني رحمه الله ،فإن الذي عرف أصول الألباني الذي عرف أصول الألباني وخبرها يظهر له شيئان :
الشيء الأول أنه معنا ومع أئمة السنة قبلنا في أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، ويحذر من المعاصي ويعتقد أن استحلالها كفر ، يحذر من المعاصي كالإسبال وغيره (إسبال الثياب بالنسبة للرجال) وغيره ، فأين الإرجاء ؟
الشيء الثاني هو يخالفنا ويخالف أئمتنا من قبل .. يعني في أمور ، وبعضها له فيها سلف ، منها ؛ أنه يرى أنه يمكن دخول الجنة بلا عمل ... تنبهوا ، يقول : يمكن دخول الجنة بلا عمل ولا ينكر العقوبة على ذلك : ما ينكر العقوبة على ذلك ومنها أنه يرى تارك الصلاة تهاونا فاسق وليس بكافر ، وسلفه في ذلك رواية عن الإمام أحمد والشافعي والزهري وجمهور ، هم سلف الشيخ .
والقول الآخر بأن تارك الصلاة تهاونا يكفر كالجاحد ، وهم متفقون والشيخ معهم متفقون على أنه يستتاب فإن تاب وإلاّ قتل ، لكن المكفرون يرون أنه يقتل مرتدا لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ، والمفسقون يرون أنه يقتل حدا وعليه فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويستغفرله ويدعى له ويدفن في مقابر المسلمين ويرثه أهله ، على الذهب الأول لا يرثه أهله . وهنا ننبه إلى شيء ؛ أن الأئمة ..أعني من كفر تارك الصلاة تهاونا مع اعتقاده وجوبها لم يكن بينهم شطط ولا وصف بغير وصف أهل السنة ، فالمكفِّرون لم يصفوا المفسقين بالإرجاء ، والمفسقون لم يصفوا المكفرين بالخروج .. أبدًا.
وإنما انسحبت هذه من السرورية وأظنها أول ما ظهرت من محمد قطب ثم تلقاها بعض تلاميذه ومنهم سفر الحوالي في كتابه (ظاهرة الإرجاء)، يسمونها ظاهرة الإرجاء وأظنهم يعنون أن من لم يكفر مرجيء ، من لم يوافقهم على التكفير فهو مرجيء ، قلت هذا للحذر
الأمر الثالث : أن من يطلق الإرجاء على الشيخ الألباني هو أحد صنفين :
- إما أنه يجهل الإرجاء ؛ لا يعرفه ولا يعرف أهله - وإما أنه لم يعرف الشيخ الألباني على حقيقته، ولعله استبانت لكم المحجة واتضحت لكم الحجة إن شاء الله تعالى.
قلت: فما قررته في كلامك من وقوع الإمام الألباني في قول الخلف، إنما هي شنشنة الحزبيين وغلاة التكفير، فبئس التأسي بهم، وبئس المثال في تقرير هذه القاعدة البدعية !!
فهذه نصيحة صادقة من أخيك أن تبادر –دون تردد- إلى البراءة من هذا الكلام، وتنشر هذه البراءة ما استطعت تبرئة لذمتك بين يدي الله تعالى، ثم بين يدي أهل العلم.
[يتبع]

أبو عبد الله أحمد بن نبيل
أبو عبد الله أحمد بن نبيل
المشرف العام
المشرف العام

الدولة : مصر
المساهمات : 1424
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 47

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مجموع مغالطات حسن عبدالستير الواهية والرد عليه Empty رد: مجموع مغالطات حسن عبدالستير الواهية والرد عليه

مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل الأربعاء مايو 01, 2024 9:08 am

وأما قولك –سلمك الله-: "الشيخ ابن عثيمين وقوله في المعية هل هو قول سلفي؟ وردود الأئمة وردود المشايخ عليه، وأشهرها رد الشيخ التويجري على الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- هل كان قولا سلفياً هذا؟ وهو القول بالمعية".
قلت: إن صنيع العلماء تجاه هذا القول الصادر من العلامة ابن عيثمين يدل على بطلان هذه القاعدة المذكورة؛ حيث إنهم لم تمنعهم سلفية ابن عثمين ورسوخ قدمه في العلم أن يردوا عليه ويبينوا بطلان ما ذكره في شأن المعية الذاتية، فلم يخض العلماء فيما أصَّل علي الحلبي من هذه السفسطة التي لا طائل من ورائها إلا خلط الحق بالباطل، وإضاعة الحق.
ولما عُرض رد الشيخ التويجري على الشيخ ابن عثمين بادر بالرجوع إلى الحق، وهذا دأب علماء السنة، ولك الأسوة فيهم.
فكان ينبغي عليك –سلمك الله- أن تذكر تراجع الشيخ ابن عثمين –وقد أُلحق بكتاب الشيخ التويجري- حتى لا يظن السائل بقاء الشيخ –رحمه الله- على هذا القول الباطل، مما ينقص من قدر الشيخ.
وأما ما ذكرته في المثال الثالث، وهو قولك: " ثالثاً قول الإمام الحافظ ابن حجر في الصفات":
فأقول: هذه –حفظك الله- الشبهة نفسها التي يرددها القطبيون وأذنابهم من السروريين في كل منتدى وواد؛ دفاعًا منهم عن سيدهم (قطب)، فما كان ينبغي أن تنجرف وراءها لتقرير هذه القاعدة الحلبية الباطلة.
والحافظ ابن حجر محدث كبير، وقد انتصر لأصول أهل السنة وقررها في كل مصنَّفاته، ولا أعلم أبدًا أنه انتصر لأصول الجهمية والأشاعرة في تعطيل وتأويل صفات الله سبحانه، بل كان يرد على بعض مقالاتهم في شرحه على كتاب التوحيد من صحيح البخاري.
وأما ما وقع فيه من موافقة النذر اليسير من أقوالهم في التأويل أو التفويض، إنما صدر عن شبهة عنده ليست مبنية على أصول بدعية، كحال هؤلاء المبتدعة الذين يريد الحلبي إنزال قاعدته عليهم، والذين جمعوا بين الجهل والتعالم والتأصيل البدعي.
فشتان شتان بين هذا الحافظ الحبر البحر الذي أثرى المكتبة بمصنفات عظيمة في خدمه العقيدة السلفية والمنهج السلفي، وبين هؤلاء الرويبضة الذين أساءوا إلى عقيدة ومنهج السلف.
ومن هذا الباب اعتبر فحول أهل العلم أخطاء الحافظ –رحمه الله- في التأويل مغمورة في بحار فضائله وخدمته للسنة وعلم الحديث، مع بيانهم لأخطائه لكن دون رميه بالبدعة، فكان الواجب علينا أن نقف موقف العلماء دون أن نتعداه إلى آراء كاسدة، واستشهادات باطلة في غير موضعها تقريرًا لقواعد وُضعت لحماية أهل الأهواء، لا لنصرة المنهج السلفي.
وأما قولك: "قول الإمام البخاري باللفظ في مسألة خلق القرآن هل قول الإمام البخاري باللفظ هل هذا قول سلفي؟ أم أنه ليس قولاً سلفيًا ...".
قلت: الإمام البخاري –رحمه الله- لم يقل بمسألة اللفظ، إنما سئل: يا أبا عبدالله ما تقول في اللفظ بالقرآن، مخلوق هو أو غير مخلوق، فأجاب: "القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة".
كما في هدي الساري (ص490)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/228).
قال الشيخ عبدالسلام المباركفوري في سيرة الإمام البخاري (2/523): "إلا أن عوام الناس لم يستطيعوا أن يفهموا هذا الجواب الدقيق، فبالغوا في القصة وأذاعوها حتى خفت منزلته في قلوب الناس، وزادت النار ضرامًا مما كان يجد الإمام الذهلي في قلبه، وكان الإمام الذهلي في غاية من الإفراط في هذه المسألة، فكان يرى أن من لا يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق، لا يستحق أن يقابله ويجالسه".
وقال ابن قيم الجوزية –رحمه الله- كما في مختصر الصواعق المرسلة (512): "فَالْبُخَارِيُّ أَعْلَمُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَوْلَى بِالصَّوَابِ فِيهَا مِنْ جَمِيعِ مَنْ خَالَفَهُ، وَكَلَامُهُ أَوْضَحُ وَأَمْتَنُ مِنْ كَلَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ سَدَّ الذَّرِيعَةَ حَيْثُ مَنَعَ إِطْلَاقَ لَفْظِ الْمَخْلُوقِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا عَلَى اللَّفْظِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَرَادَ سَدَّ بَابِ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّمَا كَرِهَ أَحْمَدُ ذَلِكَ وَمَنَعَ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ فِي اللُّغَةِ الرَّمْيُ وَالْإِسْقَاطُ يُقَالُ لَفِظَ الطَّعَامَ مِنْ فِيهِ وَلَفِظَ الشَّيْءَ مِنْ يَدِهِ إِذَا رَمَى بِهِ، فَكَرِهَ أَحْمَدُ إِطْلَاقَ ذَلِكَ عَلَى الْقُرْآنِ، وَقَالَ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا مُرَادُ أَحْمَدَ أَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ الْمَلْفُوظِ فَلِذَلِكَ قَالَ: إِنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظَهُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ.
وَأَمَّا مَنْعُهُ أَنْ يُقَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَإِنَّمَا مَنَعَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ نَفْسِ قَوْلِ السَّلَفِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالْقُرْآنُ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى، فَإِذَا خُصَّ اللَّفْظُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْكَلَامِ أَوْ نَقْصًا مِنَ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ بِأَلْفَاظٍ خَاصَّةٍ، وَهَذَا كَمَا لَوْ قَالَ قَائِلٌ: السَّبْعُ الطِّوَالُ مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، لَكِنَّ هَذَا التَّخْصِيصَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَكُلُّ هَذَا عُدُولٌ عَمَّا أَرَادَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَهَذَا الْمَنْعُ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مِنْ كَمَالِ عِلْمِهِ بِاللُّغَةِ وَالسُّنَّةِ وَتَحْقِيقِهِ لِهَذَا الْبَابِ فَإِنَّهُ امْتُحِنَ بِهِ مَا لَمْ يُمْتَحَنْ بِهِ غَيْرُهُ، وَصَارَ كَلَامُهُ قُدْوَةً وَإِمَامًا لِحِزْبِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي قَصَدَهُ أَحْمَدُ أَنَّ اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا: الْمَلْفُوظُ نَفْسُهُ وَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْعَبْدِ وَلَا فِعْلٍ لَهُ، الثَّانِي: التَّلَفُّظُ بِهِ وَالْأَدَاءُ لَهُ وَفِعْلُ الْعَبْدِ، فَإِطْلَاقُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّفْظِ قَدْ تُوهِمُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَهُوَ خَطَأٌ، وَإِطْلَاقُ نَفْيِ الْخَلْقِ عَلَيْهِ قَدْ يُوهِمُ الْمَعْنَى الثَّانِيَ وَهُوَ خَطَأٌ، فَمَنَعَ الْإِطْلَاقَيْنِ.
وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ مَيَّزَ وَفَصَلَ وَأَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا قَامَ بِالرَّبِّ وَبَيْنَ مَا قَامَ بِالْعَبْدِ، وَأَوْقَعَ الْمَخْلُوقَ عَلَى تَلَفُّظِ الْعِبَادِ وَأَصْوَاتِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَأَكْسَابِهِمْ، وَنَفَى اسْمَ الْخَلْقِ عَنِ الْمَلْفُوظِ وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي سَمِعَهُ جَبْرَائِيلُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَسَمِعَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ جَبْرَائِيلَ، وَقَدْ شَفَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ (خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ) وَأَتَى فِيهَا مِنَ الْفُرْقَانِ وَالْبَيَانِ بِمَا يُزِيلُ الشُّبْهَةَ، وَيُوَضِّحُ الْحَقَّ، وَيُبَيِّنُ مَحَلَّهُ مِنَ الْإِمَامَةِ وَالدِّينِ، وَرَدَّ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ أَحْسَنَ الرَّدِّ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ: فَأَمَّا مَا احْتَجَّ الْفَرِيقَانِ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَيَدَّعِيهِ كُلٌّ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ بِثَابِتِ كَثِيرٍ مِنْ أَخْبَارِهِمْ، وَرُبَّمَا لَمْ يَفْهَمُوا دِقَّةَ مَذْهَبِهِ، بَلِ الْمَعْرُوفُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا سِوَاهُ فَهُوَ مَخْلُوقٌ، وَأَنَّهُمْ كَرِهُوا الْبَحْثَ وَالتَّفْتِيشَ عَنِ الْأَشْيَاءِ الْغَامِضَةِ وَتَجَنُّبِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْخَوْضَ وَالتَّنَازُعَ إِلَّا فِيمَا جَاءَ بِهِ الْعِلْمُ وَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْفَرِيقَانِ اللَّذَانِ عَنَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَتَصَدَّى لِلرَّدِّ عَلَيْهِمَا وَإِبْطَالِ قَوْلِهِمَا، ثُمَّ أَخْبَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ الزَّائِغَتَيْنِ تَحْتَجُّ بِأَحْمَدَ، وَتَزْعُمُ أَنَّ قَوْلَهَا قَوْلُهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ أُولَئِكَ اللَّفْظِيَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ التِّلَاوَةُ هِيَ الْمَتْلُوُّ وَالْقِرَاءَةُ هِيَ الْمَقْرُوءُ وَالْكِتَابَةُ هِيَ الْمَكْتُوبُ.
وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: التِّلَاوَةُ وَالْقِرَاءَةُ مَخْلُوقَةٌ، وَيَقُولُونَ: أَلْفَاظُنَا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقَةٌ، وَمُرَادُهُمْ بِالتِّلَاوَةِ وَالْقُرْآنِ نَفْسُ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي سُمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَتْلُوُّ الْمَقْرُوءُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْقُرْآنِ، فَإِذَا قَالُوا: الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ أَرَادُوا بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْمَتْلُوُّ الْمَقْرُوءُ، وَأَمَا الْمَقْرُوءُ الْمَسْمُوعُ الْمُثْبَتُ فِي الْمَصَاحِفِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ وَهُوَ مَخْلُوقٌ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ التِّلَاوَةُ غَيْرُ الْمَتْلُوِّ، وَالْقِرَاءَةُ غَيْرُ الْمَقْرُوءِ، وَالْكِتَابَةُ غَيْرُ الْمَكْتُوبِ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ، وَالْمَتْلُوُّ الْمَقْرُوءُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحُرُوفٍ وَلَا أَصْوَاتٍ.
وَالْفَرِيقَانِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَقٌّ وَبَاطِلٌ، فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ: أَمَّا الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ فَأَصَابُوا فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَكَلَّمَ بِهَذَا الْقُرْآنِ عَلَى الْحَقِيقَةِ حُرُوفِهِ وَمَعَانِيهِ تَكَلَّمْ بِهِ بِصَوْتِهِ وَأَسْمَعَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ مَخْلُوقًا مِنْ جُمْلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَخْطَئُوا فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ هَذَا الصَّوْتَ الْمَسْمُوعَ مِنَ الْقَارِئِ هُوَ الصَّوْتُ الْقَائِمُ بِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ تِلَاوَتَهُمْ وَقِرَاءَتَهُمْ وَأَلْفَاظَهُمُ الْقَائِمَةَ بِهِمْ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، فَهَذَا غُلُوٌّ فِي الْإِثْبَاتِ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي فَأَصَابُوا فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ أَصْوَاتَ الْعِبَادِ وَتِلَاوَتَهُمْ وَقِرَاءَتَهُمْ وَمَا قَامَ بِهِمْ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَتَلَفُّظِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَكِتَابَتِهِمْ لَهُ مَخْلُوقٌ، وَأَخْطَئُوا فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ الَّذِي بَلَّغَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، وَلَمْ يُكَلِّمْ بِهِ الرَّبُّ وَلَا سُمِعَ مِنْهُ، وَأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا سُوَرٍ وَلَا آيَاتٍ، وَلَا لَهُ بَعْضٌ وَلَا كُلٌّ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ وَلَا عِبْرَانِيٍّ، بَلْ هَذِهِ عِبَارَاتٌ مَخْلُوقَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى.
وَالْحَرْبُ وَاقِعٌ بَيْنِ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إِلَى الْآنِ، فَإِنَّهُ لَمَّا مَاتَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ طَائِفَةٌ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ، مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْمِصِّيصِيُّ وَغَيْرُهُ: أَلْفَاظُنَا بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، وَحَكَوْا ذَلِكَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ صَاحِبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَخَصُّ النَّاسِ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ ذَلِكَ، وَصَنَّفَ كِتَابًا مَشْهُورًا ذَكَرُهُ الْخَلَّالُ فِي السُّنَّةِ ثُمَّ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ وَأَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ وَغَيْرُهُمَا، ثُمَّ نَصَرَهُ بَعْدَهُمُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ ثُمَّ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَهُوَ خَطَأٌ عَلَى أَحْمَدَ.
فَقَابَلَ هَؤُلَاءِ الْفَرِيقُ الثَّانِي وَقَالُوا: إِنَّ نَفْسَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَخْلُوقَةٌ لَمْ يَتَكَلَّمِ اللَّهُ بِهَا وَلَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَلَامُهُ هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ، وَقَالُوا: هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ.
وَالْبُخَارِيُّ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ بُرَآءُ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّابِتُ الْمُتَوَاتِرُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ خَوَاصُّ أَصْحَابِهِ وَثِقَاتِهِمْ، كَمَا بَيَّنَهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُمْ: مِنَ الْإِنْكَارِ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعًا كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، فَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ، وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ قَالَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي يَقْرَأُهُ الْمُسْلِمُونَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَصْوَاتِهِمْ، وَإِنَّ الصَّوْتَ الْمَسْمُوعَ مِنَ الْقَارِئِ هُوَ صَوْتُهُ وَهُوَ مَخْلُوقٌ، وَيَقُولُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» " مَعْنَاهُ يُحَسِّنُهُ بِصَوْتِهِ، كَمَا قَالَ " «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» ".
وَلَمَّا كَانَ كُلُّ مَنِ احْتَجَّ بِكَلَامِ أَحْمَدَ عَلَى شَيْءٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ النَّقْلِ عَنْ ذَلِكَ الْقَائِلِ، وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ كَلَامِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فَمَا احْتَجَّ بِهِ الْفَرِيقَانِ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ لَيْسَ بِثَابِتِ كَثِيرٍ مِنْ أَخْبَارِهِمْ، وَرُبَّمَا لَمْ يَفْهَمُوا دِقَّةَ مَذْهَبِهِ فَذَكَرَ أَنَّ مِنَ الْمَنْقُولِ عَنْهُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَالثَّابِتُ عَنْهُ قَدْ لَا يَفْهَمُونَ مُرَادَهُ لِدِقَّتِهِ عَلَى أَفْهَامِهِمْ ...إلخ".اهـ ([3])
قلت: ومن أدلة بطلان هذه القاعدة الحلبية صنيع العلماء مع بعض مَن عُرِف بالعلم والاجتهاد فيه، ثم صدرت منه أقوال في نصرة بعض أهل البدع، والتقعيد لحمايتهم، فلم يطبق العلماء عليهم هذه القاعدة الفاسدة، ومن أمثلة هؤلاء:
عبدالله بن جبرين، الذي صدرت منه عدة فتاوى في نصرة الباطل وأهله، ومنها:
الفتوى الصادرة منه بتاريخ 17/8/1416: "إنَّ سيد قطب وحسن البنا من علمـاء الـمسلمين، ومن أهل الدعوة، وقد نفع الله بهمـا وهدى بدعوتهمـا خلقـًا كثيرًا، ولـهمـا جهود لا تنكر....إلخ.
وسئل كما في الفتوى رقم (11622) على موقعه الخاص: ما حكم حركة الإخوان؟ وهل تعدد الـجمـاعات الإسلامية الـمعاصرة من الفرق الضالة؟
الاجابـــة: "الإخوان المسلمون" الذين ظهروا في مصر قصدوا الإصلاح والدعوة إلى الله، وحصل بحركتهم أن هدى الله خلقًا كثيرًا تابوا من ترك الصلاة ومن شرب المسكرات ومن فعل الفواحش والمحرمات...إلخ.
ومن ثَمَّ ردَّ عليه العلماء نحو العلامة أحمد النجمي –رحمه الله- في كتابه "رد الجواب على من طلب مني عدم طبع الكتاب".
وقد بيَّنت أيضًا بطلان كلامه في كتابي "الحدود الة" (ص538-547).
فتواه في الثناء على أسامة لادن ووصفه إياه بأنه مجاهد، وأن تكفيره للدولة السعودية اجتهاد منه، وتكذيبه لفتوى الإمام ابن باز بأن ابن لادن من المفسدين في الأرض، وهذا التكذيب بناه على الهوى والرأي المحض، رغم ثبوته بيقين عن الإمام ابن باز، فقد نشرته جريدة المسلمون (عدد 9/5/1417)، وتناقله الناس في حياته –رحمه الله- دون أدنى نكير منه، ولا تكذيب للخبر، بل له كلام آخر نشرته مجلة البحوث الإسلامية (العدد 50، ص7-17)، وأُلحق بمجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (9/99-100)، قال فيه:
"ونصيحتي للمسعري والفقيه وابن لادن وجميع مَن يسلك سبيلهم أن يدعوا هذا الطريق الوخيم، وأن يتقوا الله ويحذروا نقمته وغضبه، وأن يعودوا إلى رشدهم، وأن يتوبوا إلى الله مِمَّا سلف منهم".
وقـــال د: عـــبد الرحمن بن عــبد الله البراهيم في رسالته: "رسالة مكشوفة إلى الشيخ عبد الله بن جبرين مرصوفة (ص8): "تواتر عن الشيخ عبد الله بن جبرين ... تكذيب نسبة هذا الكلام للإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- وهذا غريب للغاية، والرد عليها من أوجه:
1- أنه موثق من مصدرين موثوقين: الأول: مجلة البحوث، والثاني: فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز، وقد طُبعَا في حياته وراجعه وأقره.
2- أن أصل هذه الكلمة محاضرة ألقاها سماحته، وهي موجودة بصوته أو متيسر إحضارها لدى تسجيلات منهاج السنة والبينة بالرياض، والأصالة والآجري بجدة، ومعاذ بن جبل بمكة، وسبيل المؤمنين بالدمام، والوصل بحائل.
3- أن الشيخ العلامة صالحاً الفوزان أقر بصحتها ونسبتها لسماحة الشيخ ابن باز وكذّب من كذّب نسبته للشيخ ابن باز". اهـ
قلت: وقال الشيخ صالح آل الشيخ كما في جريدة الرياض (عدد 8/11/2001م): >ربما سمعتم بعض المدرسين يمجد أسامة بن لادن، وهذا خلل في فهم الإسلام".
قلت: ولعلَّه يقصد الشيخ ابن جبرين بهذا الكلام.
له عدة فتاوى على موقعه في الثناء المقنَّع على جماعة التبليغ، وتعمية أمرهم على طالبي الحق.
ولذا لما سئل العلامة أحمد النجمي –رحمه الله-([4]): يسألون عن عبد الله بن جبرين على أساس تقولون أنه ليس من أهل السنَّة والـجمـاعة، وبعض الناس يقولون لا هو من أهل السنَّة والـجمـاعة، فمـا رأيكم يا شيخ في هذا الكلام، وجـزاكم الله خيرًا؟
الـجواب: عبد الله بن جبرين إخواني، إخواني، إخواني.
السائل: هل تنصح يا شيخ أن نأخذ منه في الفقه والمنهج ؟
الـجواب: لا، لا ما هُـوُ أهل المنهج الصحيح.
السائل: في الفقه يا شيخ؟ الـجواب :ليس من أهل المنهج الصحيح.
وقال العلامة عبيد بن عبد الله بن سليمـان الـجابري في ثنائه على رسالة د: عبدالرحمن بن عبد الله البراهيم "رسالة نصح مكشوفة": "فإنه ليس خافيًا علي ما كان يطلقه ابن جبرين -عفا الله عنا وعنه- من عبارات الثناء والتبجيل التي هي صريحة في الدفاع عن الحزبيين وجماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين وحامل لواء التكفير في هذا العصر سيد قطب ورأس الخوارج هذه الأيام أسامة ابن لادن ووصفه إياه بالمجاهد!! وكنت قد أجمعت الرد عليه، ولكن لما نظرت في رسالة نصح مكشوفة التي نشرها الأخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله البراهيم في موقع بناء وجدت أن ما سطره الكاتب قد كفاني مؤنة الرد، فجزى الله الكاتب خيرًا و شكر له".
قلت: ولا يقال بالطبع: لكن هناك من أثنى على ابن جبرين ويثني عليه إلى الآن من العلماء الأفاضل، ويعتبرونه من علماء السنة !!
فالرد: هذا الثناء مردود ولا عبرة به، لما بيَّنته من الجرح المفسَّر الواضح، الذي لا يختلف فيه المنصفون أبدًا.
وأما قولكم –بارك الله فيكم-: "ويمكن أن أقول أصل الأصول في هذا الزمان هو ما يكون من تولي ولاة الأمر بالسمعِ والطاعة ومن عدم مشروعية الخروج عليهم بلسان أو بسنان أو من عدم مشروعية ذكرهم بسوء أو التشغيب عليهم وما يجب من الولاء لهم ومن الدعاء لهم ومن نصرتهم ما أمكن ومن نصيحتهم إذا أمكن التوصل إليهم يعني بالنصيحة، وهذا الأصل الذي ينبغي يعني أن تتوافر إليه الدواعي وتتجه إليه الهمم لتأصيله عند الشباب ...إلخ".
قلت: هذه مبالغة –بل غلوٌّ- في ذكر مرتبة هذا الأصل.
فإن "أصل الأصول" في كل زمان من لدن آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة –بل إلى أبد الآبدين- هو توحيد الله تبارك وتعالى، بأقسامه المعروفة عند أهل العلم، والتي عُلِمَت بالاستقراء من نصوص الوحي.
وأما "الدينونة بالسمع والطاعة لولاة الأمر في المعروف"، فهذا بلا ريب أصل عظيم من أصول السنة تميزوا به عن الروافض والخوارج والمعتزلة ومن نحا نحوهم من أهل البدع، لكن لا يقال عنه: إنه أصل الأصول.
ولا يقال: إنما قيَّدت قولي بأنه "أصل الأصول" بزماننا؛ لأن الإطلاق والتقييد خطأ، فإن عدَّ هذا الأصل "أصل الأصول" لا يصح مطلقًا ولا مقيَّدًا بزمان دون زمان، لما بيَّنته.
وكذا لا يصح أن يقال: إنما أعني بقولي: "أصل الأصول"، أي: أهم الأصول وأعظمها بالاعتناء في هذا الزمان، أو في بلادنا مصر لعظم الجهل به، كما جاء في تتمة كلامك –بارك الله فيك-؛ لأن الجهل بالتوحيد أشد، بل ضعف التوحيد والجهل بمعناه الصحيح هو بلا شك أحد أسباب الانحراف عن هذا الأصل.
أضف إلى هذا أن الجهل بهذا الأصل ليس وليد هذا الزمان أو هذا المكان، بل قد تفشى في أواخر خلافة الخليفة الراشد ذي النورين عثمان بن عفَّان رضي الله عنه، مما ترتب عليه قتله رضي الله عنه كما هو معلوم، ثم اجتماع الخوارج ضد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقام علي رضي الله عنه بقتالهم لخروجهم عليه، وهو إمام ممكَّن يجب له السمع والطاعة ...، وظل هذا الجهل بهذا الأصل العظيم ينتقل من جيل إلى جيل، إلى أن بلغ زماننا.
وكما جاء في الحديث عن الخوارج –وهم حاملو لواء الخروج بالقول والسلاح-: "كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ - حَتَّى عَدَّهَا زِيَادَةً عَلَى عَشْرَةِ مَرَّاتٍ - كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ فِي بَقِيَّتِهِمْ".
وقولكم –وفَّقكم الله-: "الامتحان بالأشخاص مسألة، يجب الضبط فيها فالضابط هو أن يكون هذا الرجل متفق عليه إما ان يكون متفق على إمامته كالشيخ الألباني "مثال" في هذا الزمان، وكالإمام أحمد، وإما أن يكون الشيخ متفق على ضياعه وهلكته".
قلت: هذا الضابط لا أعلم أحدًا من أهل العلم قديمًا وحديثًا قاله، ولو سلَّمنا أنه نُقِل عن أحد، فهو خطأ؛ لأنه يناقض الشرع والواقع.
ومسألة الامتحان مرتبطة بمسألة مرتبة الإمامة في الدين، فنحدد أولاً مَن الذي يستحق مرتبة الإمامة:
فأقول: قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.
وقال ابن أبي خيثمة في تاريخه: حَدَّثَنا عليُّ بن الْمَدِيْنِيّ، قال: حدثنا أيوب بْن المتوكل, عَنْ عَبْدالرَّحْمَن بْن مهدي؛ قَالَ: لا يكون إمامًا فِي العلم من أخذ بالشاذ من العلم، ولا يكون إمامًا فِي العلم من روى عَنْ كلِّ أحد، ولا يكون إماما فِي العلم من روى كلَّ ما سمع. قَالَ: والحفظ؛ الإتقان.
وأخرجه ابن شاهين في أسماء الثقات (1656)، وفي تاريخ أسماء الضعفاء (ص42).
وأقول: هل اتفق الناس على أحمد، فضلاً أن يتفقوا على ابن باز والألباني وابن عثيمين؟
فهذا الاتفاق المزعوم غير صحيح، إلا أن يُقيَّد باتفاق المعتبرين من أهل العلم والفضل مِمَّن يرجع إليهم في هذه المسائل.
وأما الاتفاق المطلق فمردود بالواقع؛ حيث إنه من المعلوم أنه لا يوجد إمام من أئمة الهدى إلا وكان له خصوم وأعداء من أهل البدع والأهواء، وأهل النفاق والفجور، وأهل الجهل والتعالم، وبعض هؤلاء الأعداء قد يظهر في أعين طوائف من الناس بمظهر العالم، وبعضهم يتدثر برداء السنة تقية.
وهذه سنة ربانية مذكورة في قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ}.
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي –رحمه الله- في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن" (ص290/ط ابن الجوزي): "يقول تعالى مسليًا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وكما جعلنا لك أعداء يردون دعوتك، ويحاربونك، ويحسدونك، فهذه سنتنا، أن نجعل لكل نبي نرسله إلى الخلق أعداء من شياطين الإنس والجن، يقومون بضد ما جاءت به الرسل.
{يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} أي: يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة، ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء، الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموَّهة، فيعتقدون الحق باطلا والباطل حقًّا؛ ولهذا قال تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ} أي: ولتميل إلى ذلك الكلام المزخرف {أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ}؛ لأن عدم إيمانهم باليوم الآخر وعدم عقولهم النافعة، يحملهم على ذلك، {وَلِيَرْضَوْهُ} بعد أن يصغوا إليه، فيصغون إليه أولاً، فإذا مالوا إليه ورأوا تلك العبارات المستحسنة، رضوه، وزُيِّن في قلوبهم، وصار عقيدة راسخة، وصفة لازمة، ثم ينتج من ذلك، أن يقترفوا من الأعمال والأقوال ما هم مقترفون، أي: يأتون من الكذب بالقول والفعل، ما هو من لوازم تلك العقائد القبيحة، فهذه حال المغترين بشياطين الإنس والجن، المستجيبين لدعوتهم، وأما أهل الإيمان بالآخرة، وأولو العقول الوافية والألباب الرزينة، فإنهم لا يغترون بتلك العبارات، ولا تخلبهم تلك التمويهات، بل همتهم مصروفة إلى معرفة الحقائق، فينظرون إلى المعاني التي يدعو إليها الدعاة، فإن كانت حقًّا قبلوها، وانقادوا لها، ولو كسيت عبارات ردية، وألفاظا غير وافية، وإن كانت باطلا ردوها على من قالها، كائنا من كان، ولو ألبست من العبارات المستحسنة، ما هو أرق من الحرير.
ومن حكمة الله تعالى، في جعله للأنبياء أعداء، وللباطل أنصارا قائمين بالدعوة إليه: أن يحصل لعباده الابتلاء والامتحان؛ ليتميز الصادق من الكاذب، والعاقل من الجاهل، والبصير من الأعمى.
ومن حكمته أن في ذلك بيانًا للحق، وتوضيحًا له، فإن الحق يستنير ويتضح إذا قام الباطل يصارعه ويقاومه، فإنه -حينئذ- يتبين من أدلة الحق، وشواهده الدالة على صدقه وحقيقته، ومن فساد الباطل وبطلانه، ما هو من أكبر المطالب، التي يتنافس فيها المتنافسون".اهـ
قلت: ولورَثَة الأنبياء من العلماء –بلا ريب- نصيب من هذه العداوة من شياطين الإنس والجن، وما هذه الطعون الفاجرة فيهم إلا جزءًا من هذه العداوة.
قال الشيخ محمد صالح العثيمين –رحمه الله- في "شرحه على رياض الصالحين" (5/449/ط دار الوطن): "{من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس} يعني هذا الوسواس يكون من الجنة ويكون من الناس.
الجنة هي الجن -والمراد بهم الشياطين- توسوس في الصدور، والناس أيضًا -شياطين بني آدم-، وما أكثر الشياطين في زماننا وقبل زماننا وإلى يوم القيامة {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين} الآية كذلك لأتباع الأنبياء أعداء من الشياطين يأتون إلى الناس يوسوسون هذا كذا وهذا كذا.. ربما يوسوسون على السذج من العوام سواء في مذاهب باطلة وملل كاذبة أو غير ذلك المهم عندهم وسواس.
شياطين الإنس احذرهم! احذر شياطين الإنس الذين يوسوسون لك في أمور يزينونها في نفسك وهي فاسدة!!".
قلت: وكذلك نحسب هؤلاء السفهاء من المجرمين المذكورين في قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}.
قال الشيخ الشنقيطي –رحمه الله- في "أضواء البيان" (1/491): "هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا، وَبَيَّنَ هُنَا أَنَّ أَعْدَاءَ الْأَنْبِيَاءِ هُمْ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ أَعْدَاءَ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْمُجْرِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ; فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجْرِمِينَ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينَ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ الْآيَةَ، وَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مُتَمَرِّدٍ شَيْطَانًا، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْجِنِّ أَوْ مِنَ الْإِنْسِ كَمَا ذَكَرْنَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا".
قلت: ونأخذ الإمام الألباني مثالاً ظاهرًا، فقد كان له أعداء ألداء لا يرقبون فيه إلاًّ ولا ذمَّة، فيتهمونه بأبشع التهم في عقيدته ومنهجه، والغلاة بدَّعوه، وغلاة الغلاة كفَّروه.
ومن قبله: شيخ الإسلام ابن تيمية الذي كان منبوذًا من كثير من علماء عصره –من أدعياء العلم المتمذهبين- لكونه يصدع بعقيدة أهل الحق التي تخالف رسومهم وما اعتادوا عليه، فصبر واستمر في طريقه، ولم يأبه بتهافت هؤلاء، فرفعه الله عليهم وصارت له مرتبة الإمامة، وإن لم يتفق عليه الجميع، وصار محنة رغم كثرة الطاعنين فيه بغير حقِّ.
وعلى هذه القاعدة الباطلة: ماذا يكون الموقف من أئمة أجلاء في عصرنا –اختلف حولهم الناس من خصوم الدعوة والمناوئين لها-، نحو المشايخ: مقبل بن هادي، و أحمد النجمي، وربيع بن هادي، وزيد المدخلي، وعبيد الجابري –رحم الله الأموات منهم وحفظ الأحياء ونفع بهم- ؟!
وهؤلاء الأجلاء عرفوا بمواقفهم الثابتة في نصرة المنهج السلفي وفي الذبِّ عن أصوله، وفي كشف حال أعدائه من أهل البدع والأهواء، ومن المتسترين بالسلفية وهم ليسوا منها في شيء، فصاروا محنة يمتحن بمحبتهم العباد، فمن أحبهم فهو السلفي، ومن أبغضهم فهو مبتدع صاحب هوى.
فهل توافقني على هذا أم لا ؟!
وأما ثناؤك على علي الحلبي وسليم الهلالي، فلعلَّه أن يكون مبنيًا على حسن ظن قديم بهما؛ لانتسابهما للإمام الألباني –رحمه الله-، ولكن بعدما تكلَّم فيهما العلماء المحقِّقون، وبيَّنوا ما عندهما من الباطل؛ يجب علينا أن نقبل هذا الكلام المؤيد بالأدلة، وأن نحذِّر منهما نصيحة للمسلمين.
واعتبر بما أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (8/66) عن عبد الله بن عدي الحافظ قال سمعت محمد بن عبد الله الشافعي -وهو الفقيه الصيرفي صاحب الأصول يخاطب المتعلمين لمذهب الشافعي ويقول لهم: اعتبروا بهذين حسين الكرابيسي وأبو ثور والحسين في علمه وحفظه، وأبو ثور لا يعشره في علمه، فتكلم فيه أحمد بن حنبل في باب اللفظ فسقط، وأثنى على أبي ثور فارتفع للزومه السنة.
فلا تغتر بشقاشق علي الحلبي وما يتشبع به سليم الهلالي، فإن كانا في أعين البعض على علم، فقد سقطًا لما تكلَّم فيهما الأئمة نحو المشايخ ربيع بن هادي، وعبيد الجابري، ومحمد بن هادي –حفظهم الله-؛ نظرًا لما أتيا به من قواعد بدعية، ومخالفات ظاهرة للمنهج السلفي، وهناك مَن في نظر البعض أقل علمًا منهما ارتفعوا لموافقتهم السنة وثناء الأئمة عليهم.
وكلا الرجلين كثُرت أغلاطهما ونصح العلماء لهما، مع عدم رفع رءوسهما لهذا النصح.
وما أدري ما هو موقفك من أبي الحسن المصري وضلالاته، والتي حذَّر منها كبار العلماء منذ سنوات عدة، والتي ما فتئ أن يبخها –كما تبخ الحيَّة سمومها- حين نزوله مصر بعد الثورة المشئومة؟!
وإن أئمتنا هم نعم الأسوة لنا في صدق الرجوع إلى الحق إذا أخطؤوا، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ولأن يكون الرجل ذَنَبًا في الحق خيرًا له من أن يكون رأسًا في الباطل.
وإن قلتم: هذا الكلام قديم، وقد تراجعت عنه.
قلنا: هذا الكلام منشور، ومتداول، ولا يصح التراجع المجمل عنه، أو التراجع في مجالس خاصة، إنما الذي يبرئ ساحتك بين يدي الله سبحانه، ثم عند أهل العلم أن تكتب كتابة تظهر فيها بوضوح بطلان هذا الكلام القديم، ثم تقرر الحق المؤيد بالأدلة، وتنشر هذا التراجع، ولكم الأجر العظيم بهذا إن شاء الله([5]).
وقد سرني كثيرًا ما سمعته عن تراجعكم عن الثناء القديم على محمد بن حسَّان، وأبي إسحاق الحويني، ومحمد حسين يعقوب، والذي تم في مكالمة هاتفية معكم.
لكن استوقفتني بعض الكلمات في هذه المكالمة:
منها قولكم: "أما الأول –أي محمد حسان- فبتقلبه يكاد يصدق عليه أنه مبتدع، وأما الثالث –أي الحويني- فبموالاته لأهل البدع يكاد يصدق عليه أنه مبتدع".
قلت: هل هذا شكٌّ منك –وفقك الله- أم تردد في الحكم بالبدعة على كليهما؟!
أم أنه من الورع؟! فإن كان ورعًا، فليس هذا من الورع المحمود.
وكان الأصوب والأرفع لشأنك –سلمك الله- أن تدل السائل على فتاوى أكابر أهل العلم الذين حكموا بالبدعة على هذين الرجلين، نحو شيخنا الإمام ربيع بن هادي المدخلي –سلمه الله-؛ حيث سألته –مباشرة- في ليلة الأثنين (27 شوال 1429هـ)، عن قول القائل:
هنا عندنا مَن يدَّعي أن الأصل في أبي إسحاق الحويني، ومحمد حسّان، وأبي الحسن المصري أنَّهم سلفيُّون؟!
فقال الشيخ -حفظه الله-: مَن قال الأصل إنهم سلفيون؟!
قلت: يقول إنهم يظهرون السلفية!!
فقال الشيخ -حفظه الله-: الأصل فيهم أنهم من الإخوان، وتربية الإخوان.
قلت: يعني مسألة اشتراط إقامة الحجة عليهم قبل التبديع، هل يقال هذا يقال لا نبدعهم حتى نقيم عليهم الحجة كاملة؟ فأجاب الشيخ -حفظه الله-: والله أنا أرى أنهم مبتدعة؛ لأنه أصله ما هو سلفي بارك الله فيك.
وكذا فتوى العلامة مقبل بن هادي –رحمه الله- وهي قديمة في الحكم على الحويني بالبدعة، وكذا فتوى العلامة أحمد النجمي –رحمه الله- من سنوات في الحكم عليه بأنه قطبي تكفيري.
وقد نقلت هذه الفتاوى كاملة وغيرها في كتابي "الحدود الة".
ثم قال السائل: وسمعنا كلامًا قديمًا للشيخ حسن عبدالستير أنه يقول: أمثل أبو إسحاق يُسقَط؟! أمثل محمد إسماعيل المقدِّم يُسقَط؟!
فأجبت قائلاً: هذا الكلام قديم ..هذا الكلام قديم.. ومن منا لم يغره رجل في عمره ثم تيبنت له حقيقة أمره ...
ابن عثيمين له ثناء علي عائض القرني قديم, صحيح ولا ما هو صحيح.. ثم لما تبين له حقيقة عائض القرني ماذا فعل؟ بيَّن، وهذا ما يصدق علينا؛ لأن فعلاً أبو إسحق لم يكن واضحًا, هذه الفتنة التي نحن فيها الآن كشفت ناسًا كثيرين جدًّا ...".
قلت: أبو إسحاق أوضح منهجه البدعي منذ ما يزيد عن عشر سنوات، ومن ثَمَّ أهل العلم الذين وقفوا على كلامه الذي أظهره لم يتوقفوا في تبديعه والتحذير منه.
فادعاء عدم وضوح هؤلاء القطبيين أمثال محمد حسَّان والحويني قبل الثورة، وأن هذه الفتن الأخيرة هي التي كشفتهم ادعاء باطل؛ حيث إن مقالات هؤلاء المبتدعة -المخالفة لأصول المنهج السلفي والموافقة للمنهج القطبي السروري- لم تكن خافية قبل الثورة، بل ما خرج هؤلاء الآلاف من الشباب الملتحي المنتحل للسنة في هذه المظاهرات إلا بناء على التربية الخارجية الحزبية التي تربى عليها على أيدي هؤلاء المبتدعة عبر سنوات عدة قبل هذه الثورة.
وعليه كان حكم العلماء عليهم معروفًا قبل هذه الفتن، وإنما جاءت هذه الفتن لتؤكد مصداقية تبديع العلماء لهم، وتزيد العبد يقينًا بأن النجاة تتحقَّق بالسير في ركاب العلماء الربانيين.
ولكن الواقع أن بعض هؤلاء نحو محمد حسَّان كان يسعى قبل الثورة ببرهة يسيرة إلى تحسين صورته وسط السلفيين -ما استطاع- لكن دون أن يخسر جمهوره من القطبيين والإخوان المسلمين وعامة الجهلة، فأراد أن يرضي الجميع، وأن يظهر لهؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، فصار يستخدم التقية، ولكن ألاعيبه كانت مكشوفة لكل مستبصر بالمنهج السلفي، فالرجل لم يتناقض إنما كان يتخفى ويتجمل ويلبس قناعًا ذا وجهين، يظهر في كل مقام بما يناسبه تلاعبًا منه بالحق.
ومن ثَمَّ لم يقبله السلفيون حقًّا، إنما آواه الخارجون عن السلفية أمثال علي الحلبي ومَن سار في ركابه.
واعلم –رحمك الله- أن الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه به تتم التوبة الصادقة للعبد المريد للدار الآخرة.
فقد قال الإمام أحمد –رحمه الله-: إنما التوبة لمن اعترف، كما في طبقات الحنابلة (1/63).
وأما التماس الأعذار للنفس بغير حق، إنما ذلكم من الشيطان وحظ النفس.
ولك الأسوة في العلامة عبيد الجابري –حفظه الله- حيث سئل قديمًا: ما زال العلماء يتكلمون في الرجال قديمًا، وحديثًا، وهذا من أشرف العلوم، وعليه شيخنا، تنتشر كثير من أشرطة أبي إسحاق الحويني في الجزائر، وما أكثرها، وخاصة خطبه، فتفرّق الناس حوله عندنا بين: مزَكٍّ، ومعدّل، ومجرّح، ومتوقف فيه، فلعّل الشيخ له شيء من الأمر حوله حتى ينتفع به الشباب؟
ج: الشَّيخ الحـُوَينِي لم أعرفه معرفة تامة، ولم أدرس منهجه دراسة وافية، ولكن أسمع من الثقات أنه مع جمعية إحياء التراث الحركية السياسية، وغيرها من أهل الأهواء، ولا أعرف له وجهًا ونصيحة للسلفيين!!!، هذا قولي فيه.اهـ
ثم تبين للشيخ -حفظه الله- حاله جليًّا لمَّا قرأت عليه -حفظه الله، ومتَّع ببقائه- مقتطفات من كتاب "الحدود الة"، فقال -بعد انتهائي من القراءة-: "وبهذا نكتفي ... عرفنا أن الحويني تكفيري قطبي ينهج منهج الإخوان المسلمين".
ثم قال في تقريظه على كتاب "الحدود الة": "فمثل هذا الرجل -أي: الحويني- لا يجوز أخذ العلم عنه، بل يجب الحذر منه، وإن زكَّاه مَن زكَّاه من المنتسبين إلى العلم، فجزى الله أخانا أبا عبد الأعلى خيرًا لقاء ما كشف لنا عنه من انحرافات الحويني". اهـ
قلت: فإن كان هذا الموقف من هذا الإمام العَلَم، فالأولى بك أن تسلك مسلكه، وأن تعزو السائل إلى هذا الرد المفصَّل في بيان حال الحويني، والذي راجعه وقدّم له خمسة من أفاضل أهل العلم، وأيَّدوا ما فيه من حق.
وإن لم تفعل، فعلى الأقل تبين للسائل المخالفات الرئيسة للحويني، وتذكر له فتاوى الأكابر في شأنه، فإن لم يكن عندك دراسة لهذا الشأن أو إلمام كامل بأطرافه، فليس لك إلا العزو إلى علماء هذا الشأن الذين حكموا فيه بعلم وروية بعد دراسة، لا أن تتفرد بذكر اجتهادك الخاص، الذي لم يبن على إلمام كامل بمقالات هؤلاء وأحوالهم.
وكونك لم تلم بتفاصيل هذه المسائل لا يعيبك، ولا ينقص من شأنك؛ لأن الكلام في هؤلاء ودراسة أحوالهم فرض كفائي إذا قام به بعض أهل العلم بما يسد الخلَّة سقط الإثم عن الباقين، لكن الإثم يلحقك إذا تكلَّمت في هذا الشأن بغير علم كافٍ، وفي الوقت نفسه ما أظنك تدَّعي لنفسك أنك صرت من أهل الاجتهاد في مسائل الجرح والتعديل، مما يعطيك الأهلية الكافية في الاكتفاء باجتهاد نفسك وإبداء رأيك في هذه المسألة الشائكة دون مرجعية للعلماء !!
ووالله إني أحب لك ما أحب لنفسي من الاستقامة على المنهج السلفي دون أدنى ميل أو حيف إلى الباطل وأهله.
وإن كنت اشتددت في ردي قليلاً في بعض المواضع فهي شدة الحريص عليك.
وأخوك مَن صدَقَك لا من صدَّقك.
وأفيدك أن هذه النصيحة سرية بيني وبينك، ولم أطلع عليها أحدًا، ولا يلزمك أن تعلن بها، أو أن تذكر شيئًا عنها، وإنما المراد أن نرجع جميعًا إلى الحق فيما اختُلِف فيه، وأن نترك أقوال أهل الباطل، وإن ذاع صيتهم وكثُر أتباعهم.
والذي أطلبه منك وأحثُّك عليه حثًّا أكيدًا أن تبادر دون توانٍ أو تراخٍ إلى نشر تراجع علمي واضح مقبول عند أهل العلم عمَّا ذكرته لك في هذه النصيحة، وعن غيره مما قد تعلمه أنت ولا أعلمه {والله بكل شيء عليم}.
ومما يسعدني أن تكون عاضدًا لنا في دعوتنا إلى المنهج السلفي، وأن نكون عضدًا لك {سنشد عضدك بأخيك}، فنحن في أشد الحاجة إلى جهود إخواننا لنصرة هذا المنهج الرباني الذي صار غريبًا وسط المسلمين.
فأنا أنتظر جوابًا منك بالموافقة أو المخالفة لما تم تقريره في هذه النصيحة، سائلاً الله سبحانه لي ولك الإخلاص والتوفيق والسداد.
وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
وكتب
أبو عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان
ليلة 16 جمادى الآخرة 1433هـ


أبو عبد الله أحمد بن نبيل
أبو عبد الله أحمد بن نبيل
المشرف العام
المشرف العام

الدولة : مصر
المساهمات : 1424
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 47

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى