شبكة سبيل المؤمنين العلمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين

صفحة 2 من اصل 2 الصفحة السابقة  1, 2

اذهب الى الأسفل

مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين - صفحة 2 Empty رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين

مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل الإثنين أبريل 22, 2024 2:43 pm


الطّريقة الشّرعيّة في نصح إمام الرّعيّة
وردّ بعض شبه السّروريّة

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدّين.
أمّا بعد فهذا بحث مختصر في قضيّة أُحدثت في المنهج السّلفي وأَحدثت شرخا في الصّف الدّعويّ، جمعتُ فيه ما يدلّ على الحقّ في المسألة من سنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومن آثار أصحابه رضوان الله عليهم، وما أصّله العلماء الرّاسخون رحمة الله عليهم.
المبحث الأول: أحاديث عامة في نصح إمام المسلمين.
1 _ عن تميم بن أوس الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة" قلنا : لمن؟ قال : "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم.
2 _ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ اللهَ يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا وأن تناصحوا مَن ولاه الله أمركم" رواه مسلم.
3 _ روى مسلم أيضا عن أم سلمة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "إنّه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال : "لا ما صلوا".
4 _ عن جريرِ بن عبد الله قال: بايعت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والنّصح لكلّ مسلم. متفق عليه.
5 _ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حقّ المسلم على المسلم ست". قيل: ما هنّ يا رسول الله؟ قال: "إذا لقيته فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له" رواه مسلم.
وجه الدلالة من هذه الأحاديث:
أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جعل من حقّ المسلم على أخيه المسلم بذل النّصيحة له وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وأحقّ المسلمين بها هو إمامهم وحاكمهم، فإنّ بصلاحه يكون صلاح الرّعيّة، فمن حقّ الرّاعي على الرّعية النّصح له.
المبحث الثّاني: أحاديث خاصّة صريحة في سريّة نصح إمام المسلمين.
1 _ عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائرٍ" رواه أبو داود، والترمذي.
2 _ عن عياض بن غنم الأشعري، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانيّة، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلّا كان قد أدّى الذي عليه" رواه ابن أبي عاصم في السّنّة.
وجه الدّلالة من هذه الأحاديث:
قال الشّيخ عبيد الجابري رحمه الله: "النّاظر في هذا الحديث الذي هو بيان لما تقدّمه ممّا يفهم منه بعض النّاس الإجمال يظهر له ما يأتي:
1 _ السّرية التّامّة في مناصحة من ولاه الأمر، من أمير أو عالم أو قاض أو وزير أو مفت أو غير ذلك، السّرّية التّامّة، حتّى عن أقرب النّاس إليه، ألا ترونه قال: "فلا يبدها علانيّة" وأكّده "وليخلو به" وأكّده "وليأخذ بيده".
2 _ براءة الذّمّة بسلوك هذا الوجه في النّصيحة، كما تضمّنه الحديث.
3 _ أنّه ليس على المسلم تبعة إذا سلك هذا المسلك الذي تضمّنه الحديث.
4 _ أنّه لا وجه آخر في مناصحة ولاة الأمر". [تحذير أولي الألباب من المقالات المخالفة للصواب (ص 28)].
المبحث الثّالث: أحاديث خاصّة في المعاملة الشّرعيّة تجاه ما يقع من الحكّام من منكرات.
وردت أحاديث كثيرة في بيان ما يقع من الأمراء من منكرات، وقد جاء بيان ما يجب على الرّعيّة تجاه أمرائها في تلك الحال، ومن تلكم الأحاديث:
1 _ ما رواه مسلم عن أمّ سلمة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "إنّه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع"، قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا".
2 _ وله أيضا عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خيار أئمّتكم الذين تحبّونهم ويحبّونكم، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرار أئمّتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم"، قالوا: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: "لا، ما أقاموا فيكم الصّلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصّلاة، ألا من وليّ عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنّ يدا من طاعة".
3 _ وعن ابن عبّاس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنّه من فارق الجماعة شبرا فمات، إلّا مات ميتة جاهليّة" متفق عليه.
وجه الدلالة من هذه الأحاديث:
أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أعلمَ الأمّة بما يقع من الأمراء من أمور منكرة، وقد أرشد إلى الطّريقة الشّرعيّة في التّعامل معهم، وما أرشدهم صلوات الله وسلامه عليه إلى إعلان النّصيحة لهم وإعلان الإنكار عليهم، بل أرشد إلى كراهة عملهم وعدم الرّضا به مع الصّبر على ذلك، وكان قد تقدّم معنا نهيه صلى الله عليه وسلم عن إعلان النّصيحة لهم أو الإنكار عليهم علنا؛ بل أمر بالسّريّة التّامّة من وجوه شتّى.
والحاصل من هذا أنّ المقام مقام بيان وتعليم، وما كان لنبيّنا صلى الله عليه وسلم أن يترك خيرا لأمّته إلّا أرشدهم إليه، فلم يرشد النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الإنكار العلنيّ عليهم، فدلّ ذلك أنّه لا مسلك للإنكار والنّصيحة للحكّام والأمراء إلّا السّريّة التّامّة، ولا وجه للإنكار العلني في ذلك.
المبحث الرّابع: آثار واردة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كيفيّة نصح إمام المسلمين.
1 _ عن أسامة بن زيد قال: قيل له: ألّا تدخل على عثمان فتكلّمه؟ فقال: أترون أنّي لا أكلّمه إلّا أُسمعكم؟ والله لقد كلّمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمرا لا أحبّ أن أكون أوّل من فتحه" رواه مسلم.
2 _ قال سعيد بن جبير: قلت لابن عبّاس: آمر إمامي بالمعروف؟ قال: "إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت ولابدّ فاعلاً، ففيما بينك وبينه (...)" رواه البيهقي وابن أبي شيبة.
3 _ روى التّرمذي عن زياد بن كسيب العدويّ قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفسّاق، فقال أبو بكرة: اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله".
وجه الدّلالة من هذه الآثار:
1 _ أنّ أسامة امتنع عن إسماع غيره بالنّصيحة لعثمان رضي الله عنهم، وبين مسلكها الشّرعيّ بأنّ تكون بينه وبين عثمان سرّا.
2 _ جواب ابن عبّاس رضي الله عنه للسّائل في بيان كون النّصيحة سرّا بينه وبين الأمير.
3 _ أنّ الإنكار العلنيّ على ولاة الأمور المسلمين باب شرّ لا ينبغي فتحه.
4 _ جعل أبي بكرة إنكار أبي بلال العلنيّ من إهانة السّلطان مطلقا.
ملحق مهمّ:
إذا تقرّر أنّ النّصح للأمراء والحكّام يكون سرّا، فاعلم أنّه ليس لكلّ أحد من النّاس أن يقوم بهذا الفعل، بل الأمر يرجع إلى أهل العلم وأهل الحلّ والعقد من الأمّة.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "وأولى من يقوم بالنّصيحة لولاة الأمور هم العلماء، وأصحاب الرّأي والمشورة، وأهل الحلّ والعقد، قال تعالى {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}[النساء 83]. فليس كلّ أحد من النّاس يصلح لهذا الأمر". [الأحوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة (ص 48)].
المبحث الخامس: شبهات أصحاب بدعة الإنكار العلنيّ والجواب عنها.
الشّبهة الأولى: إنكار أبي سعيد رضي الله عنه علنا على مروان.
فعن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصّلاة، فإذا صلّى صلاته وسلّم قام فأقبل على النّاس وهم جلوس في مصلاهم، فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها، وكان يقول : "تصدّقوا تصدّقوا تصدّقوا" وكان أكثر من يتصدّق النّساء ثمّ ينصرف، فلم يزل كذلك حتّى كان مروان بن الحكم فخرجت مخاصراً مروان حتّى أتينا المصلّى، فإذا كثير بن الصّلت قد بنى منبراً من طين ولبن، فإذا مروان ينازعني يده كأنّه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصّلاة، فلمّا رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصّلاة؟ فقال: لا يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم. قلت: كلّا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير ممّا أعلم ثلاث مرار ثمّ انصرف. رواه مسلم.
الجواب عنها: إنكار أبي سعيد رضي الله عنه على مروان كان بحضرته، ولم يكن في غيبته.
إضافة إلى أنّ أبا سعيد أنكر عليه سرّا لا علنا، بحث طان يمشي مخاصرا إيّاه.
قال الشّيخ عبيد الجابري رحمه الله: "المخاصرة أنّه يأخذ كلّ واحد من المتماشيين بخصر الآخر، يعني يضع يده في خصر صاحبه ويكلّمه بما شاء، فالنّاس يرون أنّ هذين المتماشيين على مخاصرة يتحدّثان في أمر لكن لا يسمعونه". [تحذير أولي الألباب من المقالات المخالفة للصواب (ص 30)].
الشّبهة الثّانية: أنّ ترك الإنكار العلنيّ على الحاكم المسلم يفوت مصلحة إنكار المنكر.
الجواب عنها: أنّ مصلحة إنكار المنكر ثابتة غير منتفية، وذلك بإنكار المنكر الواقع دون التّعرّض لتعيين الأمير.
الشّبهة الثّالثة: أنّ فلانا وفلانا من التّابعين أو من العلماء قد أنكر علنا على أميره.
الجواب عنها:
1 _ أنّ هذه قضايا أعيان لا عموم لها.
2 _ أنّ هذه أفعال رجال لا يحصل بها الاستدلال.
3 _ أنّ ما عارض سنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم تُرك مهما علت مكانة صاحبه، فالعبرة بالتّمسّك بالسّنّة.
قال الشّيخ العلامة زيد بن هادي رحمه الله تعالى، مجيبا عن سؤال:
فضيلة الشّيخ كيف يجمع بين قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية.." الحديث، وبين فعل بعض علماء السّلف في الإنكار على الحكّام علنا، مثل سعيد ابن جبير والعزّ بن عبد السّلام وغيرهم. وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
أولا: بالنّسبة لوجوب النّصيحة الخاصّة لأصحاب الولايات من المسلمين الذين أوجب الله على رعاياهم طاعتهم واحترامهم والدّعاء لهم سرّا وعلنا، ما داموا يقيمون الصّلاة ويقيمون الحدود، فالنّصيحة تكون لهم والأمر والنّهي يكون لهم بما يناسب حالهم وواقعهم ومكانتهم، وهذا هو ما دلّ عليه الحديث، وأمّا ما صدر عمّن ذكرهما السّائل فإنّه لا يصلح دليلا على أنّ كلّ إنسان يريد أن يأمر وينهى أن يسلك مسلك الاثنين رحمهم الله، فالوقائع التي حصلت من سعيد بن جبير ومن العزّ بن عبد السّلام هذه لا يعلم السّائل ما أسبابها وملابستها حتّى وصلوا إلى إعلان النّصيحة هذا أولا.
ثانيا: لنفترض أنّه حصل من الاثنين نصيحة معلنة، وقد جاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "فلا يبده علانية"، أيّ القولين أولى بالاتّباع؟! قول المعصوم صلى الله عليه وسلم وهو حديث ثابت! أم قول شخص اجتهد وهو أهل للاجتهاد فأخطأ في اجتهاده، فهو لا يخلو من أن يكون مأجورا إن شاء الله، والخطأ معفو عنه وهذه قاعدة، أنّه إذا جاء الحديث عن المعصوم من كتاب الله أو سنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وجاء قول لبعض العلماء يخالف هذا النّص فبداهة أنّ الأولى بالتّقديم النّص الثّابت عن الله والثّابت عن رسوله صلى الله عليه وسلم، ونلتمس العذر لمن كان من أهل الاجتهاد وقد خالف النّصّ". [العقد المنضد الجديد في الإجابة على على مسائل الفقه والمناهج والتوحيد (ص 83)].
قال الشّيخ الفوزان حفظه الله: "نحن لا تأخذ قول فلان وقول فلان ونترك قول الرّسول صلى الله عليه وسلم، مع أنّنا لا يدرى هل ثبت هذا الكلام عن أحد الصّحابة أو لم يثبت، لكن لو قدر أنّه ثبت فلا قول لأحد مع قول الرّسول صلى الله عليه وسلم".[وجوب اجتماع الكلمة والائتلاف وتحريم الفرقة والاختلاف (ص 65)].
الشّبهة الرّابعة: أنّ الإسرار بالنّصيحة للأمير أصل، وإعلانها له فرع عنها.
الجواب عنها: لو كان حقّا لَبيّنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فكيف وأنّه نهى عنها.
قال الشيخ العلامة عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله تعالى: "لو كان ثمّة وجه آخر في مناصحة الحكّام لَبيّنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، إذ من المقرّر في علم الأصول: «عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة»، والحاجة ماسّة، فعلم أنّه لا وجه آخر، فهذا يردّ كلّ شبهة يتشبّت بها أهل البدع ومن يتحزّب نحوهم". [إمداد صادق الأماني بشرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني (ص 241)].
الشّبهة الخامسة: الإنكار العلني بالضّوابط.
الجواب عنها:
1 _ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن إعلان النّكير على الولاة مطلقًا ولم يجعل له ضوابط، ولو كان خيرا لعلمه للأمّة.
2 _ أنّ الإنكار العلنيّ باب شرّ لم يفتحه خير النّاس في القرون المفضّلة، ولو كان خيرا لسبقونا إليه بالضّوابط.
3 _ أنّ تقييد المطلق وضبطه بالضّوابط لا يصير ذلك إلّا بدليل شرعيّ، ليس في السّنّة شيء من هذا.
4 _ أنّ المنهي عنه يجب تركه واجتنابه لا أن يضبط بما لم يرد في الشّرع.
5 _ أنّ الإنكار العلنيّ باب شرّ أغلقه السّلف، وفتحه بأيّ ضابط كان لا يصيّره خيرا.
6 _ أنّ النّاس إذا خاضوا في الفتن، فالواجب قطع السّلسلة تجاههم، لا تمرير باطلهم بالضّوابط الباطلة.
7 _ أنّ هذه الضّوابط المحدثة لم تغلق باب الشّرّ أو قلّلت منه، وإنّما فتحت باب الشّرّ على السّلفيّين الذين كانوا في منأى عن بدعة الإنكار السّروريّة.
المبحث السّادس: حكم الإنكار العلنيّ وحكم أصحابه.
الإنكار العلنيّ بدعة محدثة في دين الله تعالى مخالفة لسنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنهج متبني هذا المبدأ منهج خارجي سروريّ، وليس من منهج السّلف.
قال الشّيخ الفوزان حفظه الله: "ليس التّرويج للأخطاء والتّشهير بها من النّصيحة في شيء، بل هو من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ولا هو من منهج السّلف الصّالح". [الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة (ص 48)].
قال الشّيخ ‎عبيد الجابريّ رحمه الله:"من أجاز الإنكار العلنيّ علىٰ ولاة الأمر، إذا لم تكن فتنة فهذا تقييد ليس عليه دليل من كتاب ولا سنّة ولا هو قول إمام معتبر من أئمّة أهل السّنّة، بل هو نهج ‎الخوارج القعدة".[إعداد المسلم من شرح مختصر المنذري على صحيح الإمام مسلم].
جواب الشّيخ العلّامة عبد العزيز بن باز رحمه الله عن سؤال: هل من منهج السّلف نقد الولاة من فوق المنابر؟ وما منهج السّلف في نصح الولاة؟
الجواب : "ليس من منهج السّلف التّشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر". [الموقع الرسمي].
قال مفتي الجنوب السّعودي الإمام أحمد بن يحي النّجمي رحمه الله: "الحقيقة أنّ الإنكار العلنيّ على الولاة أمر محدّث، ولم يكن من أصول السّنّة". [الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية (ص 19)].
فالحاصل أنّ السّنّة المتّبعة في مناصحة الحكّام أن تكون النّصيحة سرّا، فإن قبل المنصوح النّصيحة فذلك الخير المرجو، وإن كان غير ذلك فقد برئت ذمّة النّاصح ولا تبعة عليه، أمّا إعلان النّكير والنّصيحة للولاة فليس من السّنّة في شيء، وإنمّا هو من محدثات الأمور ومن منهج بني سرور.
وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.
كتبه: أبو البراء يوسف صفصاف
13 صفر 1445
29 أوت 2023
رابط تحميل المقال بصيغة وورد :
أضغط هنــــــــــــــا
رابط تحميل المقال بصيغة بي دي اف :
أضغط هنــــــــــــــــــا

أبو عبد الله أحمد بن نبيل
أبو عبد الله أحمد بن نبيل
المشرف العام
المشرف العام

الدولة : مصر
المساهمات : 1424
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 47

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين - صفحة 2 Empty رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين

مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل الإثنين أبريل 22, 2024 2:53 pm



نقاش هادئ
مع القائلين بالإنكار العلنيّ على ولاة الأمور

أردت في هذه المداخلة الوجيزة مناقشة من تأثر من إخواننا الذين ينتسبون إلى المنهج السّلفيّ ويفتخرون بالانتساب إليه ومن شعارهم: لا قول مع قول الله ورسوله، ولكن إذا جاءت الفتن خالف تطبيقُهم تنظيرَهم وتخلفت بعض الأفعال عن شنشنة الأقوال، هؤلاء الذين تأثروا بتلك الفتوى التي أعادت إحياء شُبه السرورية في أصلهم الأصيل ومنهجهم الدخيل؛ ألا وهو الإنكار العلني على ولاة الأمور في غيبتهم، والتي أفتى بها محمد علي فركوس -أصلحه الله- مخالفا بذلك تقريرات كبار العلماء!
وسيكون النقاش هادئا -بإذن الله- بعيدا عن الصخب وتبادل التهم والتقاذف والتنابز، الغرض منه الوصول إلى الحقّ، ولذلك وجب التقديم بكلام يليق بالمقام
الحقُّ أحَقُّ أن يُتَبَعَ:
أخرج أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله بسنده إلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ جَوَامِعَ نَوَافِعَ، فَقَالَ: «اعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَزُلْ مَعَ الْقُرْآنِ حَيْثُ زَالَ، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْحَقِّ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَغِيضًا، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْبَاطِلِ فَارْدُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَبِيبًا قَرِيبًا»[ج١ ص١٣٤ طبعة السعادة]
وهذا الأثر من ابن مسعود رضي الله عنه وإن تُكُلِم في إسناده إلا أنَّ شواهده من الكتاب والسُنَّة أكثر من أن تُحْصَر والشاهد منه قوله رضي الله عنه: «وَمَنْ جَاءَكَ بِالْحَقِّ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَغِيضًا، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْبَاطِلِ فَارْدُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَبِيبًا قَرِيبًا»
فالحقُّ لا يحابى فيه قريب ولا حبيب ولا يُرَدُّ من بعيد ولا بغيض فإنَّ الخقَّ ضالة المؤمن متى وجده فهو أحقُّ به، وقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قوله: «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن»، قال السيوطي في شرحه: «قال التوربشتي: "أي بالعمل بها، واتباعها والمعنى؛ إنَّ كلمة الحكمة ربما تكلم بها من ليس لها أهل ثم وقعت إلى أهلها فهو أحق بها من غيره كما أنَّ صاحب الضالة لا ينظر إلى خساسة من وجدها عنده، كذلك المؤمن لا ينظر إلى خساسة من تفوه بالكلمة الحكمة بل يأخذها منه أخذ صاحب الضالة إياها ممن هي عنده»[قوت المغتذي على جامع الترمذي ج٢ ص٦٧٢-٦٨٢]
قال العلامة صالح الفوزان حفظه الله: «والواجب على المسلم أن يقبل الحق ممن جاء به؛ لأن الحق ضالة المؤمن أينما وجده أخذه، مع صديقه أو مع عدوه؛ لأنه يطلب الحق. أما إذا كان يعتبر الأشخاص فقط، فهذا دين أهل الجاهلية»[شرح مسائل الجاهلية ١٢٨ دار العاصمة]
الحَقُّ لا يوزن بالرجال:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وكثير من الناس يزن الأقوال بالرجال، فإذا اعتقد في الرجل أنه معَظَّم قَبِل أقوالَه وإن كانت باطلةً مخالفةً للكتاب والسنة، بل لا يصغي حينئذ إلى مَنْ يردّ ذلك القول بالكتاب والسنة. بل يجعل صاحبه كأنه معصوم. وإذا ما اعتقد في الرجل أنه غير معَظَّم ردَّ أقوالَه وإن كانت حقًّا، فيجعل قائل القول سببًا للقبول والرد من غير وزن بالكتاب والسنة»[جامع الرسائل والمسائل لشيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله المجلد السابع ص٤٦٢- ٤٦٥ دار عالم الفوائد].
فالمردُّ في مسائل النزاع هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
قال العلامة ابن باز رحمه الله: «ولا يخفى أنّ الحقّ ضالّة المؤمن متى وجدها أخذها، ولا يخفى أيضا أن المرجع في مسائل الخلاف هو كتاب الله عز وجل وسنّة رسوله وصفوته من خلقه نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}»[مجموع فتاوى ومقالات العلامة ابن باز ج١٢ ص٣٦٠].
فينبغي تَدَبُّرُ هذه المعاني قبل الشروع في المقصود
وهذا آوان المناقشة:
أولا: نصيحة ولَّاة الأمور أصل أصيلٍ من أصول منهجنا السّلفيّ، والدّليل على ذلك:
ما جاء في الحديث المتواتر وهو مخرّج في السّنن الذي قاله صلى الله عليه وسلم بمسجد الخيف من رواية ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: «ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ».
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم، أنّه صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ»
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فَقَدْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ؛ إخْلَاصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ تَجْمَعُ أُصُولَ الدِّينِ وَقَوَاعِدَهُ»[مجموع الفتاوى الجزء الأول ص١٨].
فانظر كيف جعل شيخ الإسلام رحمه الله هذه المذكورات في الحديث أصولا وقواعد جامعة للدين.
قال الشيخ أحمد بازمول حفظه الله: «النَّصيحة لوليِّ الأمر سراً أصلٌ من أصول المنهج السلفي الذي خالفه أهل الأهواء والبدع كالخوارج» [السنة فيما يتعلق بولي الأمة ص١٤٢]
ثُمَّ إنَّ الأئمّة ذكروها في كتبهم التي اعتنت بذكر أصول المنهج السّلفيّ؛ كما فعل ابن أبي عاصم في كتابه السنَّة فقال: «باب: كيفية نصيحة الرعية للولاة» ثمّ أورد تحته حديث عياض بن غَنم الأشجعي الدَّالِّ على إسرار النّصح لولاة الأمر [السنة لابن أبي عاصم ومعه ظلال الجنة الألباني ج٢ ص٥٢١ طبعة المكتب الإسلامي].
فإذا تبيَّن لك أنَّ هذه المسألة من أصول منهجنا فلا عِبْرَة بمن قال غير ذلك لأنَّه لا سلف له في ذلك
ثانيا: النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد بيَّن هذا الأصل بيانا شافيا لا يحتاج المسلم المُتَّبِع بعده إلى تخرصات المتخرصين، ولا إرجافات المبطلين، فقد جاء في الحديث الصحيح عند الإمام أحمد في المسند وابن أبي عاصم في السنة والحديث صححه الألباني من رواية عياض بن غنم الأشجعي رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانيّة ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه»[ظلال الجنَّة ج٢ ص٥١٢ طبعة المكتب الإسلامي]
ثمّ اعلم -أخي- أنَّ الصحابة رضي الله عنهم قد فهموا هذا البيان من النّبيّ صلى الله عليه وسلم فهما مثمرا للعمل فعملوا به وطبقوه وأذكر لك دليلين واضحيين كافيين:
١) ما أخرجه الشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما لما قيل له: « ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ »، فقال: «أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه».
قال القاضي عياض رحمه الله في شرح مسلم: «يعني فى المجاهرة بالنكير والقيام بذلك على الأمراء، وما يُخشى من سوء عقباه كما تولد من إنكارهم جهارًا على عثمان بعد هذا، وما أدى إلى سفك دمه واضطراب الأمور بعده»[إكمال المعلم ج٨ ص٥٣٨ دار الوفاء].
٢) ما أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال: «إن كنت فاعلًا ولابد، ففيما بينك وبينه»[مصنف ابن أبي شيبة ج٢١ ص٢٥٨ دار كنوز إشيبلية تحقيق الشثري]
والأثر يدل على أنَّ من خاف على نفسه القتل إذا أمر السلطان أو نهاه فيسقط عنه هذا الفرض فإن أمن ذلك فيأمره وينهاه فيما بينه وبينه ولهذا أورد هذا الأثر القاضي أبو يعلى في أدلّة سقوط الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر عند خشية القتل، كما هي الرواية عن الإمام أحمد، فقال بعد الأثر: «والجواب: إن معناه فلا يلزمك أن تأمره»[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأبي يعلى ص٩٨ مكتبة العلوم والحكم]
فإذا تبيَّن لك أخي هذا الأصل العظيم الذي بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك البيان الشافي والكافي وفهمه الصّحابة رضي الله عنهم وطبَّقوه تطبيقا عمليّا حتىّ جاءت فتنة ابن سبأ التي أخرجها الآجريّ في الشّريعة تحت بَابُ: «ذكْرِ قِصَّةِ ابْنِ سَبَأٍ الْمَلْعُونِ وَقِصَّةِ الْجَيْشِ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَتَلُوهُ»
ثمّ ساق القصّة بسنده فقال: «ثمَّ قَالَ لَهُمْ -يقصد ابن سبأ اليهوديّ- بَعْدَ ذَلِكَ: أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ جَمَعَ أَنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا , وَهَذَا وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَانْهَضُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ فَحَرِّكُوهُ وَابْدَءُوا بِالطَّعْنِ عَلَى أُمَرَائِكُمْ , وَأَظْهِرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ , تَسْتَمِيلُوا النَّاسَ , وَادْعُوا إِلَى هَذَا الْأَمْرِ , فَبَثَّ دُعَاةً , وَكَاتَبَ مَنْ كَانَ اسْتَفْسَدَ فِي الْأَمْصَارِ وَكَاتَبُوهُ , وَدَعَوْا فِي السَّيْرِ إِلَى مَا عَلَيْهِ رَأْيُهُمْ , وَأَظْهَرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ , وَجَعَلُوا يَكْتُبُونَ إِلَى الْأَمْصَارِ بِكُتُبٍ يَضَعُونَهَا فِي عُيُوبِ وُلَاتِهِمْ , وَيُكَاتِبُهُمْ إِخْوَانُهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ , وَيَكْتُبُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ إِلَى أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ بِمَا يَصْنَعُونَ , فَيَقْرَأُهُ أُولَئِكَ فِي أَمْصَارِهِمْ , وَهَؤُلَاءِ فِي أَمْصَارِهِمْ، حَتَّى يَنَالُوا بِذَلِكَ الْمَدِينَةَ , وَأَوْسَعُوا الْأَرْضَ إِذَاعَةً وَهُمْ يُرِيدُونَ غَيْرَ مَا يُظْهِرُونَ , وَيَسْتُرُونَ غَيْرَ مَا يَرَوْنَ»[الشريعة للآجري ج٤ ص١٩٨٤ دار الوطن تحقيق عبد الله الدميجي]
فهل بعد هذا البيان الشّافي في توضيح هذا الأصل يعارض بأقوال البشر ويستدرك عليه بآراء الرّجال فهل هذا إلّا تَنَكُّبٌ عن طريقة السّلف؛ كما قال ابن القيّم رحمه الله: لما ناقش مسألة وجوب التشهد الإبراهيمي فاعترض عليه بقول الفقهاء فقال رحمه الله: «وأما السؤال الثالث: ففي غاية الفساد، فإنه لا يعترض على الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف، فكيف يكون خلافكم في مسألة قد قام الدليل على قول منازعكم فيها مبطلًا لدليل صحيح لا معارض له في مسألة أخرى، وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم؛ فإنَّ الأدلة هي التي تُبْطلُ ما خالفها من الأقوال، ويُعْتَرَضُ بها على من خالف موجبها، فَتُقَدَّم على كلِّ قول اقتضى خلافها، لا أن أقوال المجتهدين تُعَارَض بها الأدلة وتُبْطِلُ مقتضاها وتُقدَّم عليها»[جلاء الأفهام ج١ ص٤١٣ عطاءات العلم].
وأخيرا يقال لمن اعترض على هذا البيان:
هل الإنكار العلني على ولاة الأمور في غيبتهم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام ؟!
فإن قلت: نعم، فقد كذبت عليهم.
وإن قلت: لا، فلا وسع الله على من لم يسعه ما وسع هؤلاء.
فأين الزّعم باقتفاء آثارهم مع التّنكب عن هديهم والإعراض عن سننهم بالتّأويل الفاسد والاعتراض الكاسد.

أبو عبد الله أحمد بن نبيل
أبو عبد الله أحمد بن نبيل
المشرف العام
المشرف العام

الدولة : مصر
المساهمات : 1424
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 47

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين - صفحة 2 Empty رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين

مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل الإثنين أبريل 22, 2024 9:58 pm


متى يجوز الإنكار العلني على الحاكم
لا يجوز الإنكار العلني على الحاكم إلا فى وجوده وفى مجلسه وحسب ما تقتضيه الضرورة وألا يسبب فتنة وأما غير ذلك فلا يجوز .
فالواجب أن نناصح الحاكم سراً فيما صدر عنه من منكرات حرصاً على جمع الكلمة ،
لأن الغالب أن المجاهرة بالإنكار على ولي الأمر تؤدي إلى تهييج الشر والفتن فكان المشروع الإنكار عليه ووعظه سرًّا .  
وهذا من حكمة الشَّارع ورحمته فإنَّ التَّعرُّض للسُّلطان ليس كالتَّعرُّض لغيره لِمَا يترتَّب على الخلل في معاملة الحكَّام من المفاسد العظمى والفتن الكبرى .
وأما الإنكار العلني الذى جاء عن بعض السلف :
فليس فيه دليل على جواز ذلك لأنه خاص بالإنكار أمام الحاكم فى وجوده وهو ما تقتضيه الحاجة والمصلحة وفي نفس المكان وهو ليس فيه تشهير ولاسب ولاتهييج .
فالإنكار العلني لا يكون إلا فى وجود الحاكم وحضوره وأن تتحقق مصلحة في ذلك وليس فى غيابه على المنابر وفى الصحف والتلفاز ومواقع التواصل الاجتماعى فهذا لا يجوز لأنه من أفعال الخوارج .
هذا وقد مضى أئمة السنة على عدم الجهر بالنصيحة لولاة الأمور ولا للعوام بل إذا أرادوا نصح أحد نصحوه سرا.
ومما يدل على ذلك :
1 - عن عياض بن غنم : أن رسول الله ﷺ قال : ( من أراد ان ينصح لسلطان بأمرٍ فلا يبدِ لهُ علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فانْ قبل منه فذاك والا كان قد أدى الذي عليه لهُ ). رواه ابن أبي عاصم وصححه الألباني في "ظلال الجنة" (2/ 522).
قال السندي في شرح الحديث : أي : نصيحة السُّلطان ينبغي أن تكون في السِّرِّ لا بين الخلق . انتهى من ( (حاشية السندي على المسند) ، 8) / /238
والنصيحة اسم عام يشمل أشياء كثيرة، كما في حديث « الدَّينُ النَصِيحَُة » ومنها الإنكار، فالإنكار حال من أحوال النصيحة.
2 - أخرج البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى في صحيحيهما : عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قيل له : ألا تدخل على عثمان رضي الله عنه لتكلمه؟ فقال : ( أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أوّل من فتحه ).اهـ.
فهذا الحديث صريح أنه لم يكن من منهاجهم الإنكار على الأمراء علنا وأنه أمر محدث .
قال في الفتح : " وقال عياض : ومراد أسامة : أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام، لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطف به، وينصحه سرا، فذلك أجدر بالقبول " .اه ([فتح الباري (٥٢/١٣)])
قال العيني في عمدة القاري:(23 / 33): " قوله : (( إني أكلمه سرا )) أي: في السر دون أن أفتح باب من أبواب الفتن حاصله أكلمه طلبا للمصلحة لا تهييجا للفتنة ،
لأن المجاهرة على الأمراء بالإنكار يكون فيه نوع القيام عليهم لأن فيه تشنيعا عليهم يؤدي إلى افتراق الكلمة وتشتيت الجماعة.
قوله : (( لا أكون أول من فتحه )) أي : أول من فتح بابا من أبواب الفتنة " ا.هـ
قال الشيخ الألباني في مختصره لصحيح مسلم (ص335) : " يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ؛ لأن في الإنكار جهاراً ما يخشى عاقبته، كما اتفق في الإنكار على عثمان جهاراً، إذ نشأ عنه قتله ".اهـ
3 - جاء في الحديث المتفق عليه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال : أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا وأنا جالس فيهم، قال : فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم رجلا لم يعطه وهو أعجبهم إلي،
فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته، فقلت : ما لك عن فلان، والله إني لأراه مؤمنا؟ قال : أو مسلما قال : فسكت قليلا، ثم غلبني ما أعلم فيه، فقلت : يا رسول الله.. إلى اخر الحديث.
قال الإمام النووي رحمه الله : قوله : ( فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساورته فقلت : ما لك عن فلان ) فيه التأدب مع الكبار وأنهم يسارون بما كان من باب التذكير لهم والتنبيه ونحوه ، ولا يجاهرون به فقد يكون في المجاهرة به مفسدة . انتهى من (شرح النووى على مسلم- كتاب الزكاة).
4 - أخرج أحمد بسنده عن سعيد بن جهمان قال : ( أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر فسلمت عليه.. قلت : فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم.
قال : فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال : ويحك يا ابن جهمان عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه ). رواه أحمد (4/382) (19434). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (6/235): رجال أحمد ثقات، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (542).  
5 - وكذلك حديث أبي سعيد الخدري الذي يقول فيه : قال رسول الله ﷺ : « أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ». صحيح أبي داود.
دل الحديث على : أن النصيحة تكون فى حضور الحاكم وليس فى غيابه  بقوله : « عند سلطان جائر» ولم يقل : «عند العامة».
6 -  قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس : آمر إمامي بالمعروف؟ قال : " إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت ولا بدّ فاعلا ‌ففيما ‌بينك ‌وبينه ولا تَغْتَب إمامك ". [أخرجه سعيد بن منصور، 746، وابن أبي شيبة، 38462، والبيهقي في شعب الإيمان، 7186، وإسناده حسن].
7 - عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال : " أيتها الرعية ! إن لنا عليكم حقا ، النصيحة بالغيب ، والمعاونة على الخير .... ". رواه هناد في ((الزهد)) (2/602) واللفظ له، والطبري في ((التاريخ)) (4/224).
قال القاضي عياض رحمه الله  :
" قوله : ( دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ ) يعنى في المجاهرة بالنكير والقيام بذلك على الأمراء، وما يُخشى من سوء عقباه، كما تولد من إنكارهم جهارًا على عثمان بعد هذا، وما أدى إلى سفك دمه واضطراب الأمور بعده.
وفيه التلطف مع الأمراء، وعرض ما ينكر عليهم سراً، وكذلك يلزم مع غيرهم من المسلمين ما أمكن ذلك، فإنه أولى بالقبول وأجدر بالنفع، وأبعد لهتك الستر وتحريك الأنفة ". انتهى من "إكمال المعلم" (8/538).
وقال ابن القيم رحمه الله :
ومن دقيق الفطنة : أنك لا ترد على المطاع خطأه بين الملأ، فتحمله رتبته على نصرة الخطأ، وذلك خطأ ثان، ولكن تلطف في إعلامه به حيث لا يشعر به غيره . اهـ ((الطرق الحكمية)) (ص: 54).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قال المهلب : أرادوا من أسامة أن يكلم عثمان، وكان من خاصته، وممن يخف عليه في شأن الوليد بن عقبة، لأنه كان يظهر عليه ريح نبيذ، وشهر أمره، وكان أخا لعثمان لأمه، وكان يستعمله،
فقال أسامة : ( قد كلمته سرا دون أن أفتح بابا ) : أي باب الإنكار على الأئمة علانية، خشية أن تفترق الكلمة " . انتهى من ([فتح الباري (٥٢/١٣)])
قال الإمام الشوكاني رحمه الله :
ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد. بل كما ورد في الحديث : أنه يأخذ بيده و يخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله .
وقد قدمنا : أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن بلغوا في الظلم أيّ مبلغ ما أقاموا الصلاة ولم يظهر منهم الكفر البواح. والأحاديث الواردة في هذا المعنى متواترة . انتهى من ( كتاب السيل الجرار 4 / 556).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
" إذا صدر المنكر من أمير أو غيره ينصح برفق خُفْية ما يستشرف ـ أي ما يطلع ـ عليه أحد فإن وافق وإلا استلحق عليه رجلاً يقبل منه بخفية فإن لم يفعل؛
فيمكن الإنكار ظاهراً إلا إن كان على أمير ونصحه ولا وافق واستلحق عليه ولا وافق فيرفع الأمر إلينا خُفْية ". انتهى من (الدرر السنية (151/9)).
وجاء في الدرر السنية :
« إنكار المنكر على الولاة ظاهراً مما يوجب الفرقة والاختلاف بين الإمام ورعيته فإن لم يقبل المناصحة خفية فليرد الأمر إلى العلماء، وقد برئت ذمته » .انتهى من (الدرر السنية (9/153)) .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله :
على من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سراً لا علناً بلطف وعبارة تليق بالمقام . انتهى من (الرياض الناضرة) .
قال حنبل رحمه الله :
« اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله [ يعني أحمد بن حنبل ] وقالوا له : إن الأمر قد تفاقم وفشا – يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ، ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه،
فناظرهم في ذلك وقال : عليكم بالإنكار بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم،
وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر أو يُستراح من فاجر، وقال : ليس هذا بصواب، هذا خلاف الآثار .انتهى من (الآداب الشرعية (1/196))».
فكما رأيت أخي المسلم أن الواجب أن يناصح الحاكم سراً فيما صدر عنهم من منكرات ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس وفى مواقع التواصل الإجتماعى ،
لما ينجم عن ذلك غالباً من تأليب العامة وإثارة الرعاع وإشعال الفتنة .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
« فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضروريات الدين علنًا، وإنكار ذلك عليه في المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ وغير ذلك ليس من باب النصيحة في شيء،
فلا تغتر بمن يفعل ذلك، وإن كان عن حسن نية، فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدى بهم، والله يتولى الهدى ». اه (كتاب مقاصد الإسلام (ص393)).
وقال أيضا رحمه الله :
ولا بد من استعمال الحكمة، فإذا رأينا أن الإنكار علنا يزول به المنكر ويحصل به الخير فلننكر علنا،
وإذا رأينا أن الإنكار علنا لا يزول به الشر، ولا يحصل به الخير بل يزداد ضغط الولاة على المنكرين وأهل الخير، فإن الخير أن ننكر سرا،
وبهذا تجتمع الأدلة، فتكون الأدلة الدالة على أن الإنكار يكون علنا فيما إذا كنا نتوقع فيه المصلحة، وهي حصول الخير وزوال الشر،
والنصوص الدالة على أن الإنكار يكون سرا فيما إذا كان إعلان الإنكار يزداد به الشر ولا يحصل به الخير.
وأقول لكم : إنه لم يضل من ضل من هذه الأمة إلا بسبب أنهم يأخذون بجانب من النصوص ويدعون جانبا، سواء كان في العقيدة أو في معاملة الحكام أو في معاملة الناس، أو في غير ذلك.....
إلى أن قال : كذلك أيضاً في مسألة مناصحة الولاة، من الناس من يريد أن يأخذ بجانب من النصوص وهو إعلان النكير على ولاة الأمور، مهما تمخض عنه من المفاسد،
ومنهم من يقول : لا يمكن أن نعلن مطلقاً، والواجب أن نناصح ولاة الأمور سراً كما جاء في النص الذي ذكره السائل،
ونحن نقول : النصوص لا يكذب بعضها بعضاً، ولا يصادم بعضها بعضاً، فيكون الإنكار معلناً عند المصلحة،
والمصلحة هي أن يزول الشر ويحل الخير، ويكون سراً إذا كان إعلان الإنكار لا يخدم المصلحة، لا يزول به الشر ولا يحل به الخير.
وأنتم تعلمون -بارك الله فيكم- أن ولاة الأمور لا يمكن أن يرضوا جميع الناس أبداً، حتى إمام المسجد، هل يرضي جميع المصلين ؟ لا.
بعضهم يقول : تبكر! وبعضهم يقول : تطول! وبعضهم يقول : تقصر! وفي الشتاء يتنازعون والذي يصلي في الشمس والذي يصلي في الظلال لا يحصل الاتفاق،
فإذا أعلن النكير على ولاة الأمور استغله من يكره « وجعل من الحبة قبة» وثارت الفتنة، وما ضر الناس إلا مثل هذا الأمر!
الخوارج كانوا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على جيش الشام، وعندما تصالح علي مع جيش الشام حقناً لدماء المسلمين صاروا ضده، وقالوا : أنت كافر. كفروا علي بن أبي طالب -والعياذ بالله- لماذا ؟
لأن رعاع الناس وغوغاء الناس لا يمكن ضبطهم أبداً، وإعلان النكير على ولاة الأمور يستغله هؤلاء الغوغاء ليصلوا إلى مآربهم، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
« إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكنه رضي بالتحريش بينهم » بين من ؟ بين سكان الجزيرة، يحرش بينهم حتى تؤدي المسائل إلى القتل ويلاقي الإنسان أخاه في الإسلام وربما أخاه في النسب أو ابن عمه أو صهره فيقتله على أي شيء ؟ ولا على شيء.
فالحاصل أننا نقول : يجب على شباب الصحوة أن ينظروا إلى النصوص من جميع الجوانب، وألا يقدموا على شيء حتى ينظروا ما عاقبته،
إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت » فاجعل هذا ميزاناً لك في كل أقوالك، وكذلك في كل أفعالك، والله الموفق . انتهى من (لقاءات الباب المفتوح، لقاء رقم(62))
وقال أيضا رحمه الله :
الانكار على الحاكم مثل أن يقوم الانسان -مثلاً- في المسجد ويقول : الدولة ظلمت الدولة فعلت، فيتكلم في نفس الحكام،
وهناك فرق بين أن يكون الأمير أو الحاكم الذي تريد ان تتكلم عليه بين يديك وبين ان يكون غائباً، لأن جميع الانكارات الواردة عن السلف انكارات حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم .
وهناك فرق بين كون الأمير حاضراً أو غائباً. الفرق أنه اذا كان حاضراً أمكنه ان يدافع عن نفسه، ويبين وجهة نظره،
وقد يكون مصيباً ونحن مخطئون، لكن اذا كان غائباً وبدأنا نحن نفصل الثوب عليه على ما نريد هذا هو الذي فيه الخطورة،
والذي ورد عن السلف كله في مقابلة الأمير أو الحاكم، ومعلوم ان الانسان لو وقف يتكلم في شخص من الناس وليس من ولاة الأمور وذكره في غيبته،
فسوف يقال : هذه غيبة، اذا كان فيك خير فصارحه وقابله . اه (اللقاء المفتوح لابن عثيمين (ص814-816))
فهنا يتضح كلام الشيخ ابن عثيمين أن المقصود أن الأنكار على الحاكم يكون أمامه وليس في غيبته أو علانية في ظهره .
وقال أيضا رحمه الله :
فالله الله في منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور،
فهذا عين المفسدة وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس، كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى، وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها،
فإذا حاول أحد أن يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن، لأن الناس إن تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم، وإن تكلم الأمراء تمردوا على كلامهم وحصل الشر والفساد،
فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان وأن يضبط الإنسان نفسه وأن يعرف العواقب، وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام،
فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال بل العبرة بالحكمة، ولست أريد بالحكمة السكوت عن الخطأ،
بل معالجة الخطأ لنصلح الأوضاع لا لنغير الأوضاع، فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها . انتهى من (معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة (ص32)) .)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع،
ولكن الطريقة المتبعة عند السلف : النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.
أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل : فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة. ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكما ولا غير حاكم .
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان : قال بعض الناس لأسامة بن زيد : ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه.
ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان وأنكروا على عثمان علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية،
وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه،
وقد روى عياض بن غنم الأشعري، أن رسول الله ﷺ قال : من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه.
نسأل الله العافية والسلامة لنا ولإخواننا المسلمين من كل شر، إنه سميع مجيب . وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه . انتهى من ("مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (8 / 210 – 211)).
وهذا الذي قرره الشيخ ابن باز رحمه الله هو امتداد لما عليه السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعين رحمهم الله ومن سلك مسلكهم من أهل العلم والدين .
تنبيه : إذا اختلفت أقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة فالعبرة بما وافق الدليل الصحيح فلا عبرة بقول أحد أبداً بعد قول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ،
وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على ولاة الأمور فيما يصدر عنهم من منكرات وأن ننصحهم سرا عندهم فى مكانهم والأحاديث فى ذلك كثيرة .
فالمخالف للنص من الصحابة والتابعين يعتذر له ولا يترك النص بسببه فقد يكون لم يبلغه النص أو نسيه ،
وفي هذا ألّف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه العظيم "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" فليراجع، ومن هذا خروج جماعة من السلف بالسيف على الولاة، فهل يُحتج بفعلهم في رد النصوص؟!!  .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
إذا جاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أقاويل مختلفة يُنظر إلى ما هو أشبه بالكتاب والسنة فيُؤخذ به،
فإن تعذر ذلك من نص الكتاب والسنة؛ أُعتبرت أقاويلهم من جهة القياس فمن شابه قوله أصلاً من الأصول أُلحق بها .اهـ (كتاب الفقيه والمتفقه)
الخلاصة
الأصل أن ينكر على ولاة الأمر برفق سرا لا علانية أمام الناس للأدلة السابقة ولكن يستنى من هذا الأصل جواز الإنكار على ولي الأمر علانية بشرطين :
1- أن يكون أمام ولي الأمر لا بغيابه .
2- أن تتحقق مصلحة في ذلك .
- فإذا كان الحاكم
ممن عرف بتقواه وصلاحه وتقبله للنصيحة في العلن فى وجوده وليس فى غيابه ولم يكن في تأديتها جهراً منابذته والتشهير به ،
أو الخروج عن طاعته التي عرفها الشرع وغلب الظن أن المصلحة فيها ستكون أعظم من المفسدة حسب الزمان والمكان، فلا بأس بذلك ومن ذلك:
عن أبي سعيد الخدري قال : أخرَجَ مروان المنبر في يوم عيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال : يا مروان خالفت السنَّةَ؛ أخرجت المنبر في يوم عيد؛ ولم يُخرَجْ فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، فقال أبو سعيد : من هذا؟
قالوا : فلان بن فلان. فقال : أمَّا هذا؛ فقد قضى ما عليه؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من رأى منكم منكراً فليغره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ». أخرجه مسلم. وجاء في الصحيح : أن أبا سعيد رضي الله عنه جلس واستمع الخطبة ثم صلى معه .
- وإذا كان الحاكم
ممن لا يُعرف بتقوى أو صلاح أو يغلب عليه كراهية من ينصحه جهراً أو لكونه قد يفهم من نصيحة الجهر الخروج عليه وغلب الظن أن المفسدة ستكون أعظم من المصلحة،
فهذه النصيحة لا تحل جهراً لأنها ستؤدي إلى مفسدة أعظم ومن ذلك:
الفتنة التى حصلت فقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان بسبب الإنكار عليه جهراً والخروج عن طاعته، فاجتمعوا عليه وقتلوه،
ومثل ذلك فتنه عبد الرحمن بن الأشعث الذي كان يجهر بالإنكار على السلطان حتى خرج عن الخليفة عبد الملك بن مروان وقد فتن في هذ المحنة بعض العلماء وأفاضل التابعين وقتل بسببها أكثر من مائة ألف رجل .
فالقاعدة الشرعية المجمع عليها : أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
« لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه، ولهذا حرم الخروج على ولاة الأمور بالسيف، لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذنوب،
وإذا كان قوم على بدعة أو فجور، ولو نهوا عن ذلك، لوقع بسبب ذلك شر أعظم مما هم عليه من ذلك، ولم يمكن منعهم منه، ولم يحصل بالنهي مصلحة راجحة،لم ينهوا عنه ». انتهى من [مجموع فتاوى ابن تيمية ج14 ص472.]
والله اعلم


أبو عبد الله أحمد بن نبيل
أبو عبد الله أحمد بن نبيل
المشرف العام
المشرف العام

الدولة : مصر
المساهمات : 1424
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 47

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 2 من اصل 2 الصفحة السابقة  1, 2

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى