مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
صفحة 2 من اصل 2
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في الثلاثاء أبريل 23, 2024 1:56 pm عدل 1 مرات
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
الشيخ الدكتور راشد بن رمزان الهاجري شفاه الله وعافاه
الإنكار العلني بدعـ.ـة
الإنكار العلني بدعـ.ـة
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
حكم الإنكار العلني على ولاة الأمر؟ I
الشيخ الفاضل أحمد بن عبدالله الحكمي حفظه الله
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في الأحد مايو 05, 2024 8:42 am عدل 1 مرات
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
الإنكار العلني على الحكام
للشيخ أسامة البداح بتاريخ 15 فبراير 2019 في مسجد بودي بمنطقة الزهراء
أضغط هنــــــــــــــــــــا
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في الإثنين أبريل 22, 2024 2:52 pm عدل 4 مرات
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
كتاب
الانكار العلني على ولاة الامور وأثره في الخروج عليهم
أحمد الونيس
بتقديم المفتي عبد العزيز ال الشيخ
أضغط هنـــــــــــــــــا
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في الإثنين أبريل 22, 2024 2:38 pm عدل 1 مرات
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
كتاب
الإنكار العلني على ائمة المسلمين وبيان أثره على جماعة المسلمين بتقديم الفوزان
د ماهر عبد الرحيم خوجة
للتحميل
من هنــــــــــــــــــا
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في الأحد مايو 05, 2024 8:41 am عدل 2 مرات
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
كتاب
الفروق بين منهج أهل السنة والجماعة ومنهج مخالفيهم في نصح السلطان في ضوء الكتاب والسنة
مدعومة بتقريرات العالمين ابن باز وابن عثيمين. وقدم له الشيخ صالح الفوزان.
أضغط هنــــــــــــــــــــــــا
أو
من هنـــــــــــــــــــــــا
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في الإثنين أبريل 22, 2024 10:05 pm عدل 2 مرات
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
قول الأئمة الأعلام في الإسرار بنصح الحكام
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها القارئ الكريم إن للنصيحة في ديننا مكانة عالية ومنزلة رفيعة كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"الدين النصيحة قلنا : لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". رواه مسلم. فهي من أعظم حقوق المرء على أخيه المسلم، ومن أعظم حقوق الراعي على الرعية.
وقد جاءت الآثار كثيرة عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في الحث على النصيحة لولاة الأمور ودلهم على الخير والصلاح.
وأهل العلم قيدوا هذه النصيحة بضوابط وشروط، وسأنقل كلام أهل العلم الكبار، علماء أهل السنة والجماعة على ضابط واحد وهو أن يكون النصح سراً بين الناصح وبين الحاكم المنصوح وكيف استدلوا على هذا الضابط:
الدليل الأول: ما جاء عن عياض بن غنم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك، وإلا قد أدى الذي عليه". أخرجه ابن أبي عاصم في السنة وغيره وصححه الشيخ ابن باز والشيخ الألباني رحمه الله.
الدليل الثاني: ما رواه البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قيل له: ألا تدخل على عثمان فتكلمه فقال: "أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ؟ والله ! لقد كلمته فيما بيني وبينه . ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه".
الدليل الثالث: ما رواه سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب وابن عبد البر في التمهيد عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: آمر إمامي بالمعروف؟ فقال:"إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت فاعلاً ففيما بينك وبينه ولا تعب إمامك".
الدليل الرابع: ما جاء عند أحمد عن عبد الله بن أبي أوفى وهو ينصح سعيد بن جمهان: إن كان السلطان يسمع منك فأته في بيته فأخبره بما تعلم فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه" حسنه الألباني رحمه الله.
أقوال العلماء في مسألة الإنكار سراً
أولاً: قال الشافعي: من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه.
ثانياً: قال الفضيل بن عياض رحمه الله: المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير. [جامع العلوم والحكم لابن رجب]
ثالثاً: قال ابن القيم: من دقيق الفطنة أنك لا ترد على المطاع خطأه بين الملأ فتحمله رتبته على نصرة الخطأ. [الطرق الحكمية 38]
رابعاً: قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: والجامع لهذا كله أنه إذا صدر المنكر من أمير أو غيره أن ينصح برفق وخُفية ما يشرف عليه أحد. [الدرر السنية 8/50]
خامساً: ما قاله بعض أعلام الدعوة السليفة كالشيخ محمد بن عبد اللطيف والشيخ سعد بن حمد بن عتيق: وأما ما قد يقع من ولاة الأمر من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد وهذا غلط فاحش وجهل ظاهر لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا كما يعرف ذلك من نور الله قلبه وعرف طريقة السلف الصالح وأئمة الدين. [الدرر السنية 9/119]
سادساً: يقول سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر لك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلى الإنقلابات وعدم السمع والطاعة في المعروف ويفضي إلى الخروج الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجَّه إلى الخير. [http://www.binbaz.org.sa/mat/1942]
سابعاً: يقول الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: ولذلك من الحكمة إذا نصحت ولاة الأمور أن لا تبين ذلك للناس لأن في ذلك ضرراً عظيماً. [شرح الأربعين النووية]
ثامناً: يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: فالنصيحة للحكام تكون بالطرق الكفيلة لوصولها إليهم من غير أن يصاحبها تشهير أو يصاحبها استنفار لعقول الناس السذج والدهماء من الناس، والنصيحة تكون سراً بين الناصح وبين ولي الأمر ... إلى أن قال: أما النصيحة لولاة الأمر على المنابر وفي المحاضرات العامة فهذه ليست من النصيحة، هذا تشهير وهذا زرع للفتنة والعداوة بين الحكام وشعوبها. [المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان 1/382]
أخيراً: قال بعض العلماء أن من أراد النصيحة للسلطان يجب عليه الإخلاص لله عز وجل في هذه النصيحة.
يقول ابن النحاس رحمه الله تعالى: فإن قلت فأي شيء يميز النية الصالحة الخالصة من المشوبة الفاسدة؟
فأجاب رحمه الله على هذا السؤال بقوله: محك الاعتبار في ذلك أن يرى المُنكِر نفسه كالمكره على فعل هذا ... إلى أن قال: ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد بل يود لو كلمه سراً ونصحه خفية من غير ثالث لهما ... إلى أن قال: وأما غير المخلص فبضد ذلك كله فيرى عند نفسه نشاطاً إلى هذا الفعل وإقبالاً عليه وسروراً به ويحب أن يكون جهراً في الملأ من الناس لا سراً. [تنبيه الغافلين 57]
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في الأحد مايو 05, 2024 8:41 am عدل 1 مرات
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
إعلان الإنكار
على صاحب التفريق بين النصيحة والإنكار
[المدعو لحسن منصوري-أصلحه الله-]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
أما بعد:
فقد خرج علينا في الآونة الأخيرة رجلٌ متشبِّعٌ بما لم يُعْطَ، وقد كان في ستر الله لمَّا كان يكتب بتوجيه من بعض أهل العلم -أقصد بتوجيه الشيخ فركوس- فلما ظَنَّ نفسه وصل وأخذ يُقَعِّد ويؤصِّل وأطلق لقلمه العنان ففضح نفسه أمام العيان وأتى بخلط عجيب وتأصيل مريب، وليته بقي متخفيا وراء اسمه المستعار، متدثرا بذلك الدثار، وأمَّا الآن وقد رفع الستار وأزال الشعار، وجب على من اطلع على تأصيله الباطل أن يضرب بيد من حديد ويلجم كل متعصب عنيد.
وصاحبنا هذا داخل دخولا أوليا في قول ربيعة الرأي شيخ الإمام مالك رحمه لمّا دخل عليه رجل فوجده يبكي فقال: ما يبكيك؟ أدخلت عليك مصيبة؟ فقال رحمه الله: "لا، ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، ولبعض من يفتي هنَّا أحق بالسجن من السراق".[ جامع بيان العلم وفضله ج2 ص1224 دار ابن الجوزي]
ويصدق فيه ما قاله الشيخ عبد السلام البرجس -رحمه الله-: «فإنَّ الخوف على الأمة من أولئك الذين لبسوا ثياب العلم الشرعي -وما هم من العلم الشرعي في شيءٍ -، لهو الخوف الصادق على الأمة من الفساد والانحراف، ذلك بأنَّ تصدُّر الجهال في حين فقد العلماء الصادقين المتمكنين بابٌ واسع للضلال والإضلال». [مقال بعنوان الخوف من تصدر الجهال]
وقد ظهر مستواه في كتابته الأخيرة التي جاء فيها بتأصيله الفاسد وتقعيده الكاسد في التفريق بين النصيحة والإنكار مستدلا ببعض كلام الأئمة الأخيار على طريقة أهل الأهواء في بث شبههم عن طريق تزيينها بكلام لأئمة لهم قدم صدق في الدعوة حتى يمرروا باطلهم ويلبسوه لَبُوسَ الحقِّ، ونسي صاحبنا أو تناسى أنَّ الباطل لا يستمر وأنَّ الحق كتب اللَّه له الظهور.
وأعجب كيف لمن يدعي طلب العلم أن يخلط خلط عشواء ويضرب ضرب عمياء، ولكن كما قال الخطيب البغدادي -رحمه الله- في ما نقله عنه الذهبي -رحمه الله-: «مَنْ صَنّف فَقَدْ جَعَلَ عقله عَلَى طبق يَعرضه عَلَى النَّاسِ».[سير أعلام النبلاء 18/281 طبعة الرسالة]
- وقيل قديما: عقول الرجال في أطراف أقلامها. [ابن قتيبة عيون الأخبار 1/107 دار الكتب العلمية]
فظهر بكتابته تلك حقيقة عقله المرجوح، وتدنِّي مستواه المفضوح، وبعد أن رأيت بعض الجهال ممن يصدق فيهم قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في وصيته لكميل بن زياد -رحمه الله-: «وهمَجٌ رعاعٌ أتباعُ كلِّ ناعقٍ، يميلون مع كلِّ ريحٍ، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركنٍ وثيقٍ» [الفقيه والمتفقِّه الخطيب البغدادي 1/49] رأيتهم قد فرحوا بكتابته تلك أردت أن تكون هناك وقفات مع كلامه -أصلحه الله- فأقول وبالله أستعين:
- الوقفة الأولى:
نقل الكاتب -أصلحه الله- قول الإمام الدّارمي -رحمه الله- الذي قاله في نقضه على بشر المرّيسي ونصّه: «فَهَذَا حَدِيثُكَ أَيُّهَا المُعَارِضُ الَّذِي رَوَيْتَهُ وَثَبَتَّهُ وَفَسَّرْتَهُ، وَأَقْرَرْتَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَالَهُ، فَفِي نَفْسِ حَدِيثِكَ هَذَا مَا يَنْقُضُ دَعْوَاكَ».
فأقول لك: «هذه فتواك التي تستدلّ بها وتنافح عنها فيها ما ينقض دعواك حتى على فرض أنَّ ما أصلته من تفريق صحيح» فقد قال الشيخ فركوس نفسه -حفظه الله- في فتواه في الإنكار العلني « أمَّا إذا لم يُمكِنْ وَعظُهُم سِرًّا في إزالةِ مُنكرٍ وقَعوا فيه علنًا، وغَلَبَ على الظَّنِّ تحصيلُ الخيرِ بالإنكارِ العَلَني مِنْ غيرِ تَرَتُّبِ أيِّ مفسدةٍ فإنَّه يجوزُ ـ والحال هذه ـ نصيحتُهم والإنكارُ عليهم عَلَنًا دون هتكٍ ولا تعييرٍ ولا تشنيعٍ» [الفتوى رقم: 1260]. فالشيخ هنا قرن بين النّصيحة والإنكار وجعل لهما نفس الحكم فما أنت قائل في هذا أخي الكاتب؟! فعلى تأصيلك فإنَّ الشيخ خالف الحديث في إجازته النصيحة للأمراء علنا.
- الوقفة الثانية:
قوله: "إنَّ حديث عياض بن غنم -رضي الله عنه- ونصّه: «مَن أرادَ أن ينصحَ لذي سلطان في أمرٍ فلا يُبدِهِ علانية ولَكِن ليأخذْ بيدِهِ فيَخلوَ بهِ فإن قبِلَ منهُ فذاكَ وإلَّا كانَ قد أدَّى الَّذي علَيهِ لَهُ» [ والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن أبي عاصم في السنة وغيرهما وهو صحيح خلافا لمن ضعفه وراجع تخريج العلامة الألباني له في ظلال الجنة 523/2 طبعة المكتب الإسلامي، وراجع كتاب معاملة الحكام للشيخ البرجس ص116 فما بعدها طبعة الرشد] فذكر الكاتب -أصلحه الله- مقرّرا تقريرا عجيبا، لا أعلم من سبقه إليه، مفاده: أنَّ الحديث في النصيحة وليس في الإنكار، وهذا مردود عليه من عدة وجوه منها:
إنَّ قصة الحديث تدلّ دلالة واضحة على أنَّ الحديث كان في الإنكار فقد أنكر هشام بن حكيم -رضي الله عنه- على عياض بن غنم -رضي الله عنه- -وكان أميرا- جَلْدَهُ لصاحب دارٍ وأغلظ له القول ونهاه عن فعله، فذكر له عياض -رضي الله عنه- الحديث الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم والقصة أخرجها الإمام أحمد في مسنده [ج24 ص49 طبعة مؤسسة الرسالة] والذي سَبَّبَ للكاتب هذا الخلط هو عدم نظره في سبب ورود الحديث وتعسفه في الاستدلال-على الطريقة البدعية: اعتقد ثم استدل- ولهذا نصَّ الأئمة على الاعتناء بأسباب النزول بالنسبة للآيات وأسباب الورود بالنسبة للأحاديث، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب» [مقدمة في أصول التفسير ص16 طبعة دار الحياة]
وقال السيوطي -رحمه الله- في ألفيته في الحديث في أهمية معرفة أسباب ورود الحديث:
وهو كما في سبب القـرآن ::: مبيـنٌ للفقـه والمعـانـي
إنَّ بعض أهل العلم عند ذكرهم للحديث –أقصد حديث عياض المتقدم- يترجمون للفصل الذي جعلوه تحته بـ: طريقة الإنكار على الولاة كما فعله الشيخ عبد السلام البرجس رحمه الله في كتابه الفذ: [معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسّنّة ص109 طبعة الرشد].
- الوقفة الثالثة:
قوله: (إنَّ العلماء فرَّقوا بين النّصيحة والإنكار فالأصل في النّصيحة أنّ تكون سرّاً وفي الإنكار أن يكون علنا) إن كان يقصد بقوله هذا التفريق بين النصيحة والإنكار على ولي الأمر ويقصد بالإنكار إذا فعل المنكر في حضرته فقد يُسَلَّمُ له وهو ما صرَّح به بعض من نقل عنهم من أهل العلم، ولهذا قال الشيخ صالح آل الشّيخ حفظه الله بعد نفس الكلام الذي نقله الكاتب «وهذا موافق لهذا الأصل، وهو أنه ما يقع في ولاية الوالي من مخالفات للشرع فهذا بابه النصيحة؛ لأنه لا يتعلق برؤية له أو سماع محقق، أما من رأى السلطان بنفسه يفعل منكرا فإنه مثل غيره يأمره وينهاه، وأمر ونهي السلطان يكون عنده ولا يكون بعيدا عنه؛ كما جاء في الحديث: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَام إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ" فأمر ونهي السلطان يكون في ما رأيته منه بنفسك أو سمعته منه سماعا محققا، فتنكر بحسب الاستطاعة، وبحسب القدرة، بحسب ما يتيسر علنا أو غيره» [شرح الأربعين نووية للشيخ صالح آل الشيخ ص472].
فهذا نصٌّ صريح ممن نقل عنه الكاتب يبين أنَّ الإنكار يكون علنا في حضرة ولي الأمر فيما رأيته أو سمعته بنفسك، والكاتب يوهم أنَّ كلام من نقل عنهم عام يشمل حتى الإنكار علنا في غيبة ولي الأمر وهذا تلبيس منه وتدليس ينافي الأمانة العلمية على طريقة أهل الأهواء في الاستدلال على باطلهم بِلَيِّ أعناق النصوص وتحميل الكلام ما لا يحتمل، قال الشاطبي -رحمه الله -: «وكذلك يمكن لكلَّ من اتَّبع المتشابهات، أو حرَّف المناطات، أو حمَّل الآيات ما لا تحتمله عند السلف الصالح، أو تمسَّك بالواهية من الأحاديث، أو أخذ الأدلَّة ببادي الرأي: أن يستدلَّ على كلِّ فعلٍ أو قولٍ أو اعتقادٍ وافق غرضه بآيةٍ أو حديثٍ لا يعوز ذلك أصلًا» [الاعتصام 140/2]
والذي جعل الكاتب –أصلحه الله- يسير على هذه الطريقة هو التقليد والتعصب ولذلك قال العلامة العثيمين رحمه الله: "فنقول لهذه الجماعات: اجتمعوا ولينزع كلّ واحد منكم هواه الذي في نفسه، ولينو النية الحسنة أنه سيأخذ بما دلَّ عليه القرآن والسنة مبنياً على التجرد من الهوى، لا مبنياً على التقليد أو التعصب؛ لأن فهم الإنسان للقرآن والسنة على حسب ما عنده من العقيدة والرأي لا يفيده شيئا، ولهذا قال العلماء كلمة طيبة، قالوا: يجب على الإنسان أن يستدل ثم يبني، لا أن يبني ثم يستدل، لأن الدليل أصل، والحكم فرع، فلا يمكن أن يُقلب الوضع ونجعل الحكم الذي هو فرع أصلا، والأصل الذي هو الدليل فرعا.
ثم إن الإنسان إذا اعتقد قبل أن يستدل ولم تكن عنده النية الحسنة صار يلوي أعناق النصوص من الكتاب والسنة إلى ما يعتقده هو، وحصل بذلك البقاء على هواه، ولم يتبع الهدى" [لقاء الباب المفتوح ج27 ص13].
- الوقفة الرابعة:
- يَرُدُّ على تأصيله هذا أقوال الصحابة في تأصيلهم للإنكار على ولاة الأمور بأن يكون سرا فيما بينهم وبين من ولَّاه الله أمرهم:
ومن ذلك قول أسامة بن زيد رضي الله والأثر -متفق عليه- لما أرادوا منه أن يكلم أميره في منكر وقع: "لو أتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ، قالَ: إنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أنِّي لا أُكَلِّمُهُ إلَّا أُسْمِعُكُمْ، إنِّي أُكَلِّمُهُ في السِّرِّ دُونَ أنْ أفْتَحَ بَابًا لا أكُونُ أوَّلَ مَن فَتَحَهُ"
قال المهلب -رحمه الله-: «يريد: لا أكون أوّل من يفتح باب الإنكار على الأئمة علانيةً فيكون بابًا من القيام على أئمّة المسلمين فتفترق الكلمة وتتشتت الجماعة، كما كان بعد ذلك من تفرق الكلمة بمواجهة عثمان بالنكير» [شرح البخاري لابن بطال 10/49]
فهذا دليل على أنَّ المُسْتَقَرَ عندهم سواء كان في النصيحة أو الإنكار إذا تعلق الأمر بولاة الأمور أن يكون سرا فيما بينهم وبينهم ويستثنى من ذلك ما وقع من اجتهادات للصحابة في حضرة ولي الأمر، وقد ذكر كثير من أهل العلم أنه تتبع تلك الأثار كلها فوجدها في حضرة ولي الأمر.
- قال الشيخ علي ناصر الفقيهي -حفظه الله- «فما صح من ذلك، فهو نصيحة للأمير أو الوالي مشافهة في نفس الوقت، الذي ظهر فيه ما يخالف السنة، ولا تشهيرا وقدحا وإشاعة لمثالبهم ففي ذلك شر وضرر وفساد كبير» [ البدعة ضوابطها وأثرها السيء في الأمة].
- ومثله قول العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: «ثم إن هناك فرقًا بين أن يكون الأمير أو الحاكم الذي تريد أن تتكلم عليه بين يديك وبين أن يكون غائباً، لأن جميع الإنكارات الواردة عن السلف إنكارات حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم، وهناك فرق بين كون الأمير حاضراً أو غائباً، الفرق أنه إذا كان حاضراً أمكنه أن يدافع عن نفسه، ويبين وجهة نظره، وقد يكون مصيباً ونحن مخطئون، لكن إذا كان غائباً وبدأنا نحن نفصل الثوب عليه على ما نريد هذا هو الذي فيه الخطورة، والذي ورد عن السلف كله مقابلة الأمير أو الحاكم، ومعلوم أن الإنسان لو وقف يتكلم في واحد من الناس ما هو ولاة الأمور في واحد من الناس في غيبته، لقيل: هذه غيبة، إذا كان فيك خير روح انصحه قابله» [صوتيات لقاء الباب المفتوح رقم 026].
- وقال الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله-: "وقد ورد كثير من الآثار والأحاديث أنكر فيها الصحابة وأنكر فيها التابعون على ذوي السلطان، وكلها بدون استثناء يكون فيها أنَّ المنكر فعل بحضرتهم"[شرح الأربعين نووية صالح آل الشيخ ص472]، ولا أدري لماذا الكاتب تقصَّد التعامي والتجافي عن نقل هذا الكلام مع أنَّه نقل الكلام الذي قبله والذي بعده ؟؟ أم أنَّ الكاتب يستدل بما يراه موافقا لهواه فقط ؟؟ نعوذ بالله من الهوى والتعصب.
فإن قال قائل فلماذا لا نقيس الإنكار في حضرة ولي الأمر على الإنكار في غيبته فيقال له: الوارد من الإنكارات في حضرة ولي الأمر هي اجتهادات للصحابة والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا ذكر بعض أهل العلم أنَّ تلك الإنكارات الواردة عن الصحابة هي اجتهادات فردية هم معذورون فيها وإن أخطأوا وإلا فالثابت من الأصول أن الإنكار على ولاة الأمر يكون سرا وبلطف ومن غير مواجهة أمام الناس. [انظر صوتية للعلامة زيد المدخلي رحمه الله بعنوان: هل يجوز الإنكار العلني على ولاة الأمور]
وفي هذا المقام يحسن نقل كلام للشيخ فركوس -حفظه الله- حيث يقول: «ومن جهةٍ أخرى يُحتمل أن يكونَ قولُ الصّحابيِّ ناتجًا عن خطإٍ في فهمِه أو غَلَطٍ حادَ به عن الصّوابِ في اجتهادِه» [الفتوى رقم: 1095].
فالصحابي إذا كان يجوز عليه الخطأ وأنَّه غير معصوم فلا حجة فيما خالفه فيه غيره وإنما الحجة في قول المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه.
إنَّ هذا قياس في مقابلة النص والمعلوم عند صغار طلبة العلم أنه لا قياس في مقابل النص وذلك أنه إذا ثبت النص بطل القياس لأنه لا قول لأحد مع قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأن النص هو الأصل والقياس فرع، والأصل يبطل الفرع، ولا يُبطل الفرع الأصل. [انظر كتاب: أصول الفقه على منهج أهل الحديث ص61].
إنَّ الصحابة منهم من صرَّح بوجوب سرية الإنكار على ولي الأمر وعدم إعلانه ومن ذلك قصة حديث عياض بن غنم المتقدمة وأثر أسامة بن زيد السابق وما أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهما عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: آمُرُ أَمِيرِي بِالْمَعْرُوفِ؟ قَالَ: «إِنْ خِفْتَ أَنْ يَقْتُلَكَ فَلَا تُؤَنِّبِ الْإِمَامَ، فَإِنْ كُنْتُ لَا بُدَّ فَاعِلًا فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ» [مصنف ابن أبي شيبة كتاب الفتن ج7 ص470].
[وللأسف فإنّ الشيخ فركوس حفظه الله عند استدلاله بهذا الأثر على جواز ما ذهب إليه من إباحة الإعلان بالنكير على الأئمة عند الأمن على النفس، نقل الأثر مبتورا عن تتمته التي هي مؤثرة في بيان الحكم المتقرر عند السلف عموما وابن عباس رضي الله عنه خصوصا فنسب لابن عباس من المذاهب ما هو بريء منه من جهة، ووقع فيما ينافي الأمانة العلمية في النقل من جهة أخرى، فنسأل الله أن يراجع الشيخ حفظه الله هذه الجزئية ويتراجع عنها]
وعليه فأقلّ ما يمكن أن يقال أنَّ اجتهادات الصحابة اختلفت، وعليه فالمرجع في ذلك هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهنا عندنا حديث صريح فصيح صحيح وهو حديث عياض بن غنم السابق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في اختلاف الصحابة: «وإن تنازعوا رُدَّ ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء» [مجموع الفتاوى20/14].
هذا وإن الردَّ عند التنازع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من مقتضيات الرضا به رسولا كما قال ابن القيم رحمه الله: "وَأَمَّا الرِّضَا بِنَبِيِّهِ رَسُولًا: فَيَتَضَمَّنُ كَمَالَ الِانْقِيَادِ لَهُ. وَالتَّسْلِيمَ الْمُطْلَقَ إِلَيْهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ. فَلَا يَتَلَقَّى الْهُدَى إِلَّا مِنْ مَوَاقِعِ كَلِمَاتِهِ. وَلَا يُحَاكِمُ إِلَّا إِلَيْهِ. وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا يَرْضَى بِحُكْمِ غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ. لَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَذْوَاقِ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَمَقَامَاتِهِ. وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ. لَا يَرْضَى فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ غَيْرِهِ. وَلَا يَرْضَى إِلَّا بِحُكْمِهِ" [مدارج السالكين 2/171 طبعة دار الكتاب العربي].
- الوقفة الخامسة:
قوله: "وعليه فالأحكام تختلف عند التنزيل، مع مراعاة مقاصد الشرع في باب المآلات بتحقيق المصالح ودرء المفاسد"!
الكاتب في هذه الفقرة يردُّ على نفسه بنفسه إذ إنَّ المتقرر عند علماء السلف أنَّ فتح باب الإنكار العلني على ولاة الأمور كان سببا لفتح باب الخروج عليهم على مرِّ الأزمنة ولعل أول ذلك هو ما حصل في قصة مقتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وما كان من فعل ابن اليهودية عبد الله بن سبأ والقصة أخرجها الآجري في الشريعة بسنده عن يزيد القفسي يحكي فعل ابن سبأ فكان مما قاله ابن سبأ «انهَضُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ فَحَرِّكُوهُ وَابْدَءُوا بِالطَّعْنِ عَلَى أُمَرَائِكُمْ، وَأَظْهِرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، تَسْتَمِيلُوا النَّاسَ، وَادْعُوا إِلَى هَذَا الْأَمْرِ، فَبَثَّ دُعَاةً، وَكَاتَبَ مَنْ كَانَ اسْتَفْسَدَ فِي الْأَمْصَارِ وَكَاتَبُوهُ، وَدَعَوْا فِي السَّيْرِ إِلَى مَا عَلَيْهِ رَأْيُهُمْ، وَأَظْهَرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَجَعَلُوا يَكْتُبُونَ إِلَى الْأَمْصَارِ بِكُتُبٍ يَضَعُونَهَا فِي عُيُوبِ وُلَاتِهِمْ، وَيُكَاتِبُهُمْ إِخْوَانُهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَيَكْتُبُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ إِلَى أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ بِمَا يَصْنَعُونَ، فَيَقْرَأُهُ أُولَئِكَ فِي أَمْصَارِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ فِي أَمْصَارِهِمْ، حَتَّى يَنَالُوا بِذَلِكَ الْمَدِينَةَ، وَأَوْسَعُوا الْأَرْضَ إِذَاعَةً وَهُمْ يُرِيدُونَ غَيْرَ مَا يُظْهِرُونَ، وَيَسْتُرُونَ غَيْرَ مَا يَرَوْنَ». [الشريعة للأجري ٤/١٩٨٤]
- قال العيني -رحمه الله- في شرحه على البخاري عند أثر أسامة بن زيد رضي الله عنهما: "قد كلمته ما دون أَن أفتح بابا أَي: كَلمته شَيْئا دون أَن أفتح بابا من أبواب الفتن. أَي: كَلمته على سبيل المصلحة والأدب والسر دون أن يكون فيه تهييج للفتنة ونحوها" [ ج24 ص203 طبعة دار إحياء التراث]
- قال العلامة ابن باز -رحمه الله-: "ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير… إلى أن قال: ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني…". [مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 8/210]
- وقال العلامة ناصر الدين الألباني –رحمه الله- في مختصر صحيح مسلم عند أثر أسامة السابق: "يعني المجاهرة بالإنكار على الاْمراء في الملأ لأن في الإنكار جهارأ ما يخشى عاقبته، كما اتفق في الإنكار على عثمان جهارأ إذ نشأ عنه قتله"
- وفي نفس السياق قال الشيخ فركوس – حفظه الله- في كلامٍ سابقٍ له قبل أن يتغير رأيه في المسألة ويقرر عكس ما كان يقرره، فقال –حفظه الله-: "ومعنى ذلك أنَّ أهل السنة السلفيين ينكرون ما يأمر به الإمام من البدع والمعاصي ويحذرون الناس منها ويأمرونهم بالابتعاد عنها، من غير أن يكون إنكارهم على ولّاة الأمور في مجامع الناس ومحافلهم ، ولا على رؤوس المنابر ومجالس الوعظ ولا التشهير بعيوبهم، ولا التشنيع عليهم في وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة -المرئية والمسموعة والمكتوبة بالكتابة في الصحف والمجلات أو بالصور الكاريكاتورية- ونحو ذلك، لأنَّ ذلك يؤدي إلى تأليب العامة وإثارة الرعاع، وإيغار لصدور الرعية على ولَّاة الأمور وإشعال الفتنة، ويوجب الفرقة بين الإخوان، وهذه النتائج الضّارَّة يأباها الشرع ونهى عنها و"كل ما يفضي إلى حرام فهو حرام" "والوسائل لها حكم المقاصد""[ منصب الإمامة الكبرى أحكام وضوابط ص43 الطبعة الثانية].
فإذا كان هذا هو مآل الإنكار العلني على ولاة الأمور أفلا ينبغي سدُّ الباب وقطع السبيل وحسم المادة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الذَّرِيعَةَ إلَى الْفَسَادِ يَجِبُ سَدُّهَا، إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ» [ الفتاوى الكبرى 287/1]
وقال ابن القيم: «لا يجوز الإتيانُ بفعل يكون وسيلة إلى حرام وإن كان جائزًا» [إعلام الموقعين 317/3].
فأين اعتبار المآلات التي تدندن عليها أخي الكاتب -أصلحك الله- أم أنَّ التعصب أعماك وأردت نصرة قول من تعتقد فضله ولو على حساب الحقِّ الثابت شرعا وعقلا.
- الوقفة السادسة:
- الكاتب نفسه يرد على تأصيله بنفس النقولات التي نقلها ومن ذلك النقل الثاني الذي نقله عن الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله- حيث قال: «فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون فيما إذا حصل المنكر أمامك، أما إذا حصل في غيبة عنك فإنَّه يعود إلى الاصل العام وهو النصيحة» فها أنت تؤصِّل بنقلك لهذا الكلام على أنَّ ما ذهب إليه الشيخ فركوس -حفظه الله- من جواز الإنكار العلني في غيبة ولي الأمر مخالف للأصل العام الذي عليه العلماء سلفا وخلفا كما قرَّرَه من نقلت عنه من أهل العلم فكما يقال حججت نفسك بنفسك وأرحتنا من عناء الردِّ.
- الوقفة السابعة:
- ذهب الكاتب يُعَنِّفُ على من ردَّ على الشيخ فركوس -حفظه الله- خطأه في هذه الفتوى بحجة أن من لم يعرف أصول الفقه والعام من الخاص وغيرها من العبارات الفارغة التي خطَّها الكاتب مما لا يغني ولا يسمن من جوع وإنَّما ذكره الكاتب ليملأ به وُرَيْقاتِه، فإنَّه لم يجد ما يملأ به تلك الوُرَيْقَات حتى يظهرها على أنها تأصيلات علمية، ولكن الإشكال فيمن تبعه فيها وفرح بها وما فرق بين التأصيل العلمي وبين الكتابة لأجل الكتابة، وهكذا في كل زمان هناك أناس يستخفون عقول أتباعهم فيتَّبِعُونَهُم.
قال ابن الأعرابي –رحمه الله- في قوله تعالى ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾ «المعنى: فاستجهل قومه فأطاعوه لخفة أحلامهم، وقلة عقولهم» [تفسير سورة الزخرف من فتح القدير للشوكاني].
وقال السعدي -رحمه الله-: «أي: استخف عقولهم بما أبدى لهم من هذه الشبه، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا حقيقة تحتها، وليست دليلا على حق ولا على باطل، ولا تروج إلا على ضعفاء العقول». [تفسير سورة الزخرف]
فقال الكاتب -أصلحه الله- "فكيف بالخوض في أعراض أهل العلم من أهل السنة وخاصة مثل شيخنا فركوس -حفظه الله- الذي رسخت قدمه في باب الفروق والأشباه والنظائر"!
والكاتب -أصلحه الله- إنَّما حصل له هذا الإشكال مع دندنته حول التفريق بين المسائل والاعتناء بعلم الفروق لعدم تفريقه بين ردِّ الخطأ وبين احترام العالم فجعل ردِّ الخطأ استنقاصا من العالم فقدَّم صيانة العالم على صيانة العلم ونسي أنَّ تأصيله هذا في نفسه استنقاصٌ في حقِّ العلم.
قال الإمام مالك -رحمه الله- فيما رواه ابن النجار في تاريخه ونقله السيوطي في ترجمة مالك فقال -رحمه الله- «نصرة العلم أحب وأعز من نصرة الناس» [ تزيين الممالك ص 120].
قال ابن القيم -رحمه الله- «وَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ وَدِينِهِ، وَتَنْزِيهِهِ عَنْ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ الْمُنَاقِضَةِ لِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ الْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ، الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ، وَبَيَانُ نَفْيِهَا عَنْ الدِّينِ وَإِخْرَاجِهَا مِنْهُ، وَإِنْ أَدْخَلَهَا فِيهِ مَنْ أَدْخَلَهَا بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ.
وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ فَضْلِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَقَادِيرِهِمْ وَحُقُوقِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ، وَأَنَّ فَضْلَهُمْ وَعِلْمَهُمْ وَنُصْحَهُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يُوجِبُ قَبُولَ كُلِّ مَا قَالُوهُ، وَمَا وَقَعَ فِي فَتَاوِيهِمْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي خَفِيَ عَلَيْهِمْ فِيهَا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَقَالُوا بِمَبْلَغِ عِلْمِهِمْ وَالْحَقُّ فِي خِلَافِهَا لَا يُوجِبُ إطْرَاحَ أَقْوَالِهِمْ جُمْلَةً وَتَنَقُّصَهُمْ وَالْوَقِيعَةَ فِيهِمْ؛ فَهَذَانِ طَرَفَانِ جَائِرَانِ عَنْ الْقَصْدِ، وَقَصْدُ السَّبِيلِ بَيْنَهُمَا، فَلَا نُؤَثِّمُ وَلَا نَعْصِمُ، وَلَا نَسْلُكُ بِهِمْ مَسْلَكَ الرَّافِضَةِ فِي عَلِيٍّ وَلَا مَسْلَكَهُمْ فِي الشَّيْخَيْنِ، بَلْ نَسْلُكُ مَسْلَكَهُمْ أَنْفُسَهُمْ فِيمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُؤَثِّمُونَهُمْ وَلَا يَعْصِمُونَهُمْ، وَلَا يَقْبَلُونَ كُلَّ أَقْوَالِهِمْ وَلَا يُهْدِرُونَهَا.
فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا فِي الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مَسْلَكًا يسْلُكُونَهُ هُمْ فِي الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ؟ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لِمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَتَنَافَيَانِ عِنْدَ أَحَدِ رَجُلَيْنِ: جَاهِلٍ بِمِقْدَارِ الْأَئِمَّةِ وَفَضْلِهِمْ، أَوْ جَاهِلٍ بِحَقِيقَةِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، وَمَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالشَّرْعِ وَالْوَاقِعِ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الرَّجُلَ الْجَلِيلَ الَّذِي لَهُ فِي الْإِسْلَامِ قَدَمٌ صَالِحٌ وَآثَارٌ حَسَنَةٌ وَهُوَ مِنْ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِمَكَانٍ قَدْ تَكُونُ مِنْهُ الْهَفْوَةُ وَالزَّلَّةُ هُوَ فِيهَا مَعْذُورٌ بَلْ وَمَأْجُورٌ لِاجْتِهَادِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْبَعَ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُهْدَرَ مَكَانَتُهُ وَإِمَامَتُهُ وَمَنْزِلَتُهُ مِنْ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ» [إعلام الموقعين 3/220 تحقيق مشهور حسن].
فيا ليت الكاتب عَلِم أنَّ ردَّ الخطأ شيء وحفظ كرامة العالم شيء آخر فإنَّ الردَّ على العالم ليس طعنا فيه فما زال السلف الصالح يردُّ بعضهم على بعض وينكر بعضهم مقالات بعض، فهذا العالم يرد على العالم الآخر، وهذا التلميذ يردُّ على شيخه وهكذا بأدب وعلم وبلا تعصب ولا إثارة للعواطف، وقد ضرب السلف الصالح في ذلك خير الأمثلة ولو راجع الكاتب رسالة "الفرق بين النصيحة والتعيير" للحافظ بن رجب -رحمه الله- -ولعله يستفيد من تلك التعليقات الرصينة التي خطتها أنامل شيخنا الوقور حسن آيت علجت –حفظه الله- على الرسالة- وأزال عنه جدار التقليد وغشاء التعصب وتجرَّدَ للحقِّ لاتضح له الأمر وانجلى، ولكن هكذا المتعصب يرى كل ردٍّ على شيخه طعنا فيه.
وهنا نصيحة أتوجّه بها للكاتب -أصلحه الله- لعلَّ الله ينفعني وينفعه بها.
قال العلامة صديق حسن خان قِنَّوجِي -رحمه الله-: «وأهمّ ما يحصل لك: أن تكون منصفا غير متعصّب في شيء من هذه الشريعة فلا تمحق بركتها بالتعصب لعالم من علماء الإسلام بأن تجعل رأيه واجتهاده حجة عليك وعلى سائر العباد فإنه وإن فضلك بنوع من العلم وفاق عليك بمدرك من الفهم فهو لم يخرج بذلك عن كونه محكوما عليه متعبدا بما أنت متعبد به بل الواجب عليك أن تعترف له بالسبق وعلو الدرجة اللائقة به في العلم معتقدا أن ذلك هو الذي لا يجب عليه غيره ولا يلزمه سواه وليس لك أن تعتقد أن صوابه صواب لك أو خطأه خطأ عليك بل عليك بالاجتهاد والجد حتى تبلغ إلى ما بلغ إليه من أخذ الأحكام الشرعية من ذلك المعدن الذي لا معدن سواه والموطن الذي هو أول الفكر وآخر العمل فإذا وطنت نفسك على الإنصاف وعدم التعصب لمذهب من المذاهب ولا لعالم من العلماء فقد فزت بأعظم فوائد العلم وربحت بأنفس فرائد».[أبجد العلوم ص92]
- الوقفة الثامنة:
- قال الكاتب -أصلحه الله-: "ولأن الطعن في أهل العلم من أهل السنة خاصة الراسخين في العلم منهم مخالف لأصول أهل السنة والجماعة"
كلامه هذا لا غبار عليه وهو حقًّ! ولكن أين أنت يا لحسن من طعن من يزعمون نصرة الشيخ فركوس -حفظه الله- في أكابر أهل العلم في زمننا أمثال بقية السلف الصالح صالح الفوزان حفظه الله وإخوانه العلامة ربيع والعلامة عبيد والعلامة عبد الرحمن محي الدين والعالم سليمان الرحيلي والعالم صالح السحيمي وغيرهم من أهل العلم؟! الذين ولغ هؤلاء الأوباش في أعراضهم بلا رَوٍيَّةٍ ولا تأنٍّ! بل وأين أنت من رمي العلامة الألباني رحمه الله بالإرجاء، ومحاولة التخلص من منهج الشيخ ربيع؟! كما يدندنون حوله؛ وكأنَّهم نسوا يوما يقفون فيه بين يدي ربهم عزَّ وجلّ؛ بل واللَّه -كما قال بعض الفضلاء- ما شهدنا تجرءاً على العلماء من الدهماء والسفهاء مثل ما يحصل في زمننا هذا!
أم أنَّ الحكم عندك من قبيل الخاص؛ إذ هو منطبق على شخص الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله- فقط وأمَّا غيره من أهل العلم فلا حرمة لهم ؟!!
- الوقفة التاسعة:
قوله: "وإذا نظرنا من خلال ما سبق الكلام عليه سواء مع حديث أسامة أو حديث عياض بن غنم وبضم الأحاديث التي وردت في إنكار المنكر إليها وبالإضافة لقواعد الشريعة العامة في باب المقاصد والمآلات فإنَّك لا تجد فيها منع الإنكار العلني بضوابطه…"
- إن كان يقصد الكاتب بالأحاديث الواردة في إنكار المنكر عموم الأحاديث الدالة على الإنكار فإنَّه لا دلالة فيها على إعلان الإنكار على ولاة الأمور والأصل أن ترد تلك الأحاديث إلى أحاديث وجوب إسرار النصح للحكام وعدم الإنكار عليهم علانية وأن تفهم في ضوء ذلك.
- أما إن كان يقصد الأثار الواردة عن الصحابة فإنَّ الموقوف لا يقوى على معارضة المرفوع وقول الصحابي مع الخلاف الواقع في حُجِيَّته فإنَّ هذا يكون في صور محدودة وليس على عمومه فإذا خالف قوله أو فعله مرفوعا صحيحا صريحا فلا حجة فيه حينئذٍ.
قال الشيخ فركوس -حفظه الله-: «هذا، وجديرٌ بالتّنبيهِ أنّ قولَ الصّحابيِّ لا يُحتجّ به أصلاً إذا ما خالفه غيرُه من الصّحابةِ، كما أنّ قولَه لا تُخصَّص به النّصوصُ من الكتابِ والسّنّةِ ما عدا أحوالَ الرّفعِ وإجماعِ الصّحابةِ؛ لأنّ النّصوصَ الشّرعيّةَ حجّةٌ على كلِّ من خالفها وتُقدَّم على كلِّ من عارضها» [الفتوى رقم: ١٠٩٥].
والآثار الواردة عن الصحابة في هذا الباب ليست مِمَّا له حكم الرفع ولا مِمَّا أجمعوا عليه فكيف تعارض الأحاديث المرفوعة؟ حتى يصار إلى الجمع بينهما ؟!
ومن شروط الجمع كما قرره الشيخ فركوس -حفظه الله- في شرحه على الإشارة للباجي تساوي الدليلين في القوة، قال حفظه الله: «أن يتساوى الدليلان المتعارضان في درجة واحدة من حيث القوّة».
وأيضا من شروط الجمع كما هو متقرر وقوع التعارض الظاهري، فالجمع طريقة من طرق دفع التعارض كما هو مقرر عند أهل الأصول.
قال ابن حزم –رحمه الله-: «إذا تعارض الحديثان ، أو الآيتان ، أو الآية والحديث ، فيما يَظنُّ من لا يَعْلَم ، ففرضٌ على كلِّ مسلمٍ استعمالُ كلِّ ذلك ، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض ، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله ، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها ، وكلٌّ من عند الله عز وجل ، وكلٌّ سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال…» [الإحكام ج٢ ص٢١ طبعة دار الأفاق الجديدة]، فانظر كيف جعل التّعارض سابقا وأردفه بطريقة إزالته وهي استعمال كلّ ذلك، وهو ما يُعَبَّرُ عنه بقولهم: «الإعمال أولى من الإهمال» وتلك هي حقيقة الجمع.
فهل هنَّا يوجد تساوٍ بين المرفوع والموقوف حتى يصِّح التعارض قبل أن يصار للجمع!! اللَّهُمَّ إلا في ذهن الكاتب.
وأما قوله: «فلا تجد فيها منع الإنكار العلني بضوابطه» فهذا مردود عليه فما ثبت كونه خطأ شرعا فلا يمكن تجويزه بضوابط وإلا لقلنا بجواز الربا بالضوابط التي وضعها له بعض الأزاهرة في فتوى لهم في ذلك !!! فكيف يصح وضع ضوابط لما صحَّ واستقر المنع منه شرعا خصوصا وقد تقدم بيان كون الإنكار العلني وسيلة لفتح باب الشرِّ على مرِّ الأزمنة والعصور. [وللاستزادة راجع ما كتبه الشيخ عبد القادر الجنيد في نقضه للضوابط التي جعلها الشيخ فركوس للإنكار العلني]
وأما قوله بداية: «إذا نظرنا» فرجاءً أخي الكاتب دع نظرك القاصر بل الأعور للمسألة عندك، فإنَّه يكفينا نظر أهل العلم من سلفنا الصالح من المتقدمين والمتأخرين ممن سبق بيان قولهم في هذه الورقات ومن غيرهم ممن لم تنقل أقوالهم.
فإنِّنا ولله الحمد نفرق بين النظر الصحيح السليم والنظر الأعور السقيم، فلا نأخذ بكل نظرٍ من كل ناظرٍ ولسنا كمن قال فيهم الشاعر:
وليل يقول الناس من ظلماته ::: سواء صحيحات العيون وعورها.
وأخيرا؛ فإنّه يحسن في هذا المقام نقل نصيحة صادقة من عالم سلفي صادق قد أفضى إلى ما قدَّم، عليه سحائب الرحمة من الله عز وجل.
قال الشيخ عبد السلام البرجس رحمه الله: «وليس العجب أن تنزلق أقدام الجماعات المشبوهة الدخيلة على هذه البلاد -بلاد الدعوة الإصلاحية- في هذه المسألة، وإنما العجب ممن تربى على كتب أئمة الهدى، ونشأ بين علماء الدعوة، وكتبهم، كيف يضل في مسألة البيعة، وطريقة نُصح الولاة، وهي مِمَّا تتابعت فيها النصوص الشرعية، وامتلأت بها كُتب أهل السنة، وعرفها حتى العجائز من الموحدين.
وإن مِمَّا يبعث الأسى في القلب: أن تنبت نابتة من أبناء الجزيرة، ترمي كلَّ من تكلَّم في هذه القضايا، على ضوء ما قرره علماء السنة؛ بالمداهنة والتزلف.
وهذا إنَّما نتج عن تحكيم العواطف، وتلقي الفكر من غير أهل السنة والجماعة». [مقدمة تحقيق نصيحة مهمة في ثلاث قضايا لأئمة علماء]
وفي الختام؛ فالقول موجه لهؤلاء الذين يريدون تحطيم أصول هذه الدعوة المباركة، الله الله فيها واعلموا أنَّكم إنما تضرّون أنفسكم وأنَّ هذه الدعوة منصورة -بإذن الله عزَّ وجلَّ-، وأن مكركم لن يحيق إلا بكم ومهما كدتم لهذه الدعوة وعلماءها فإنَّ كيدكم سينقلب عليكم فإنَّ للباطل جولة وتزول وللحقِّ صولة وظهور، "فوالذي نفسي بيده؛ ما بارز أهل الحق قط قرن إلا كسروا قرنه، فقرع من ندم سنه، ولا ناحرهم خصم إلا بشّروه بسوء منقلبه، وسدّوا عليه طريق مذهبه لمهربه، ولا فاصحهم أحد -ولو كان مثل خطباء إياد- إلا فصحوه وفضحوه، ولا كافحهم مقاتل -ولو كان من بقية قوم عاد- إلا كبُّوه على وجهه وبطحوه، هذا فعلهم مع الكماة الذين وردوا المنايا تبرعاً، وشربوا كؤوسها تطوعاً، وسعوا إلى الموت الزؤام سعياً، وحسبوا طعم الحمام أرياً، والكفاة الذين استحقروا الأقران فلم يهلهم أمر مخوف، وجالوا في ميادين المناضلة واخترقوا الصفوف، وتجالدوا لدى المجادلة بقواطع السيوف". [انظر: غاية الأماني للألوسي رحمه الله 27/1]
وأمَّا علماؤنا وأئمتنا فما أخطأوا فيه فهم معذورون بإذن الله ولا نتبعهم عليه، فإنِّهم غرسوا فينا حُبَّ اتباع الدليل والأخذ به وطرح أقوالهم متى ما تَبَيَّنَ أنَّ الحَقَّ خلافها وقد وقعت في قلبي كلمة قالها الشيخ فركوس -حفظه الله- في مجالسه حيث قال: «أنا لا أُلزِمُ أحداً باتِّباعي وإنِّمَا اتَّبِع الحقَّ الذي تَبيَّن لك»، وشيخنا في هذا متابع لسلفه من الأئمة الأعلام مصابيح الهدى؛ كما قال العلامة محمد سعيد صفر المدني في أرجوزة له لطيفة:
وَقَـوْلُ أَعْلَامِ الـهُدَى لَا يُـعْمَلُ ::: بِقَـوْلِنَـا بِدُونِ نَـصٍّ يُـقْـبَـلُ
فِـيهِ دَلِيلُ الأَخْذِ بِالحَدِيثِ ::: وَذَاكَ فِي القَدِيمِ وَالـحَدِيثِ
قَـالَ (أَبُـو حَنِـيفَـةَ) الإِمَـامُ ::: لَا يَـنْـبَغِي لِـمَـنْ لَـهُ إِسْـلَامُ
أَخْـذُ بِأَقْـوَالِـيَ حَتَّى تُعْرَضَا ::: عَلَى الحَدِيثِ وَالكِتَابِ الـمُرْتَضَى
وَ (مَالِكٌ) إِمَامُ دَارِ الهِجْرَةِ ::: قَالَ وَقَدْ أَشَارَ نَحْوَ الـحُجْرَةِ
كُلُّ كَلَامٍ مِنْهُ ذُو قَبُولِ ::: وَمِنْهُ مَرْدُودٌ سِوَى الرَّسُولِ
وَ (الشَّافِـعِيُّ) قَـالَ إِنْ رَأَيْـتُمُ ::: قَوْلِـي مُـخَالِـفًا لِـمَـا رَوَيْـتُمُ
مِنَ الـحَـدِيثِ فَاضْـرِبُـوا الـجِـدَارَا ::: بِقَـوْلِـيَ الـمُـخَـالِـفِ الأَخْــبَـارَا
وَ (أَحْـمَدٌ) قَالَ لَـهُمْ لَا تَـكْـتُـبُوا ::: مَـا قُلْـتُـهُ بَلْ أَصْلُ ذَاكَ فَـاطْـلُـبُوا
فَاسْـمَعْ مَـقَـالَاتِ الـهُدَاةِ الأَرْبَعَهْ ::: وَاعْـمَلْ بِـهَا فَإِنَّ فِـيهَا مَنْـفَـعَـهْ
لِـقَمْعِهَـا لِـكُلِّ ذِي تَعَصُّبِ ::: وَالـمُنْصِفُونِ يَكْتَـفُونَ بِالنَّـبِيْ
[منظومة رسالة الهدى في اتباع النبي المقتدى]
هذا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كتبه: أبو معاوية عبد الله الجزائري -غفر الله له ولوالديه ولمشايخه-
ليلة الجمعة 02 ذو الحجة 1443
وانتهى من تحريره بعد عرضه
على ثلة من
مشايخنا
الكرام
يوم الخميس 08 من نفس الشهر
منقول
من هنـــــــــــــــا
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
الطّريقة الشّرعيّة في نصح إمام الرّعيّة
وردّ بعض شبه السّروريّة
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدّين.
أمّا بعد فهذا بحث مختصر في قضيّة أُحدثت في المنهج السّلفي وأَحدثت شرخا في الصّف الدّعويّ، جمعتُ فيه ما يدلّ على الحقّ في المسألة من سنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومن آثار أصحابه رضوان الله عليهم، وما أصّله العلماء الرّاسخون رحمة الله عليهم.
المبحث الأول: أحاديث عامة في نصح إمام المسلمين.
1 _ عن تميم بن أوس الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة" قلنا : لمن؟ قال : "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم.
2 _ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ اللهَ يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا وأن تناصحوا مَن ولاه الله أمركم" رواه مسلم.
3 _ روى مسلم أيضا عن أم سلمة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "إنّه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال : "لا ما صلوا".
4 _ عن جريرِ بن عبد الله قال: بايعت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والنّصح لكلّ مسلم. متفق عليه.
5 _ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حقّ المسلم على المسلم ست". قيل: ما هنّ يا رسول الله؟ قال: "إذا لقيته فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له" رواه مسلم.
وجه الدلالة من هذه الأحاديث:
أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جعل من حقّ المسلم على أخيه المسلم بذل النّصيحة له وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وأحقّ المسلمين بها هو إمامهم وحاكمهم، فإنّ بصلاحه يكون صلاح الرّعيّة، فمن حقّ الرّاعي على الرّعية النّصح له.
المبحث الثّاني: أحاديث خاصّة صريحة في سريّة نصح إمام المسلمين.
1 _ عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائرٍ" رواه أبو داود، والترمذي.
2 _ عن عياض بن غنم الأشعري، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانيّة، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلّا كان قد أدّى الذي عليه" رواه ابن أبي عاصم في السّنّة.
وجه الدّلالة من هذه الأحاديث:
قال الشّيخ عبيد الجابري رحمه الله: "النّاظر في هذا الحديث الذي هو بيان لما تقدّمه ممّا يفهم منه بعض النّاس الإجمال يظهر له ما يأتي:
1 _ السّرية التّامّة في مناصحة من ولاه الأمر، من أمير أو عالم أو قاض أو وزير أو مفت أو غير ذلك، السّرّية التّامّة، حتّى عن أقرب النّاس إليه، ألا ترونه قال: "فلا يبدها علانيّة" وأكّده "وليخلو به" وأكّده "وليأخذ بيده".
2 _ براءة الذّمّة بسلوك هذا الوجه في النّصيحة، كما تضمّنه الحديث.
3 _ أنّه ليس على المسلم تبعة إذا سلك هذا المسلك الذي تضمّنه الحديث.
4 _ أنّه لا وجه آخر في مناصحة ولاة الأمر". [تحذير أولي الألباب من المقالات المخالفة للصواب (ص 28)].
المبحث الثّالث: أحاديث خاصّة في المعاملة الشّرعيّة تجاه ما يقع من الحكّام من منكرات.
وردت أحاديث كثيرة في بيان ما يقع من الأمراء من منكرات، وقد جاء بيان ما يجب على الرّعيّة تجاه أمرائها في تلك الحال، ومن تلكم الأحاديث:
1 _ ما رواه مسلم عن أمّ سلمة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "إنّه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع"، قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا".
2 _ وله أيضا عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خيار أئمّتكم الذين تحبّونهم ويحبّونكم، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرار أئمّتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم"، قالوا: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: "لا، ما أقاموا فيكم الصّلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصّلاة، ألا من وليّ عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنّ يدا من طاعة".
3 _ وعن ابن عبّاس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنّه من فارق الجماعة شبرا فمات، إلّا مات ميتة جاهليّة" متفق عليه.
وجه الدلالة من هذه الأحاديث:
أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أعلمَ الأمّة بما يقع من الأمراء من أمور منكرة، وقد أرشد إلى الطّريقة الشّرعيّة في التّعامل معهم، وما أرشدهم صلوات الله وسلامه عليه إلى إعلان النّصيحة لهم وإعلان الإنكار عليهم، بل أرشد إلى كراهة عملهم وعدم الرّضا به مع الصّبر على ذلك، وكان قد تقدّم معنا نهيه صلى الله عليه وسلم عن إعلان النّصيحة لهم أو الإنكار عليهم علنا؛ بل أمر بالسّريّة التّامّة من وجوه شتّى.
والحاصل من هذا أنّ المقام مقام بيان وتعليم، وما كان لنبيّنا صلى الله عليه وسلم أن يترك خيرا لأمّته إلّا أرشدهم إليه، فلم يرشد النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الإنكار العلنيّ عليهم، فدلّ ذلك أنّه لا مسلك للإنكار والنّصيحة للحكّام والأمراء إلّا السّريّة التّامّة، ولا وجه للإنكار العلني في ذلك.
المبحث الرّابع: آثار واردة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كيفيّة نصح إمام المسلمين.
1 _ عن أسامة بن زيد قال: قيل له: ألّا تدخل على عثمان فتكلّمه؟ فقال: أترون أنّي لا أكلّمه إلّا أُسمعكم؟ والله لقد كلّمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمرا لا أحبّ أن أكون أوّل من فتحه" رواه مسلم.
2 _ قال سعيد بن جبير: قلت لابن عبّاس: آمر إمامي بالمعروف؟ قال: "إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت ولابدّ فاعلاً، ففيما بينك وبينه (...)" رواه البيهقي وابن أبي شيبة.
3 _ روى التّرمذي عن زياد بن كسيب العدويّ قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفسّاق، فقال أبو بكرة: اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله".
وجه الدّلالة من هذه الآثار:
1 _ أنّ أسامة امتنع عن إسماع غيره بالنّصيحة لعثمان رضي الله عنهم، وبين مسلكها الشّرعيّ بأنّ تكون بينه وبين عثمان سرّا.
2 _ جواب ابن عبّاس رضي الله عنه للسّائل في بيان كون النّصيحة سرّا بينه وبين الأمير.
3 _ أنّ الإنكار العلنيّ على ولاة الأمور المسلمين باب شرّ لا ينبغي فتحه.
4 _ جعل أبي بكرة إنكار أبي بلال العلنيّ من إهانة السّلطان مطلقا.
ملحق مهمّ:
إذا تقرّر أنّ النّصح للأمراء والحكّام يكون سرّا، فاعلم أنّه ليس لكلّ أحد من النّاس أن يقوم بهذا الفعل، بل الأمر يرجع إلى أهل العلم وأهل الحلّ والعقد من الأمّة.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "وأولى من يقوم بالنّصيحة لولاة الأمور هم العلماء، وأصحاب الرّأي والمشورة، وأهل الحلّ والعقد، قال تعالى {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}[النساء 83]. فليس كلّ أحد من النّاس يصلح لهذا الأمر". [الأحوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة (ص 48)].
المبحث الخامس: شبهات أصحاب بدعة الإنكار العلنيّ والجواب عنها.
الشّبهة الأولى: إنكار أبي سعيد رضي الله عنه علنا على مروان.
فعن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصّلاة، فإذا صلّى صلاته وسلّم قام فأقبل على النّاس وهم جلوس في مصلاهم، فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها، وكان يقول : "تصدّقوا تصدّقوا تصدّقوا" وكان أكثر من يتصدّق النّساء ثمّ ينصرف، فلم يزل كذلك حتّى كان مروان بن الحكم فخرجت مخاصراً مروان حتّى أتينا المصلّى، فإذا كثير بن الصّلت قد بنى منبراً من طين ولبن، فإذا مروان ينازعني يده كأنّه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصّلاة، فلمّا رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصّلاة؟ فقال: لا يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم. قلت: كلّا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير ممّا أعلم ثلاث مرار ثمّ انصرف. رواه مسلم.
الجواب عنها: إنكار أبي سعيد رضي الله عنه على مروان كان بحضرته، ولم يكن في غيبته.
إضافة إلى أنّ أبا سعيد أنكر عليه سرّا لا علنا، بحث طان يمشي مخاصرا إيّاه.
قال الشّيخ عبيد الجابري رحمه الله: "المخاصرة أنّه يأخذ كلّ واحد من المتماشيين بخصر الآخر، يعني يضع يده في خصر صاحبه ويكلّمه بما شاء، فالنّاس يرون أنّ هذين المتماشيين على مخاصرة يتحدّثان في أمر لكن لا يسمعونه". [تحذير أولي الألباب من المقالات المخالفة للصواب (ص 30)].
الشّبهة الثّانية: أنّ ترك الإنكار العلنيّ على الحاكم المسلم يفوت مصلحة إنكار المنكر.
الجواب عنها: أنّ مصلحة إنكار المنكر ثابتة غير منتفية، وذلك بإنكار المنكر الواقع دون التّعرّض لتعيين الأمير.
الشّبهة الثّالثة: أنّ فلانا وفلانا من التّابعين أو من العلماء قد أنكر علنا على أميره.
الجواب عنها:
1 _ أنّ هذه قضايا أعيان لا عموم لها.
2 _ أنّ هذه أفعال رجال لا يحصل بها الاستدلال.
3 _ أنّ ما عارض سنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم تُرك مهما علت مكانة صاحبه، فالعبرة بالتّمسّك بالسّنّة.
قال الشّيخ العلامة زيد بن هادي رحمه الله تعالى، مجيبا عن سؤال:
فضيلة الشّيخ كيف يجمع بين قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية.." الحديث، وبين فعل بعض علماء السّلف في الإنكار على الحكّام علنا، مثل سعيد ابن جبير والعزّ بن عبد السّلام وغيرهم. وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
أولا: بالنّسبة لوجوب النّصيحة الخاصّة لأصحاب الولايات من المسلمين الذين أوجب الله على رعاياهم طاعتهم واحترامهم والدّعاء لهم سرّا وعلنا، ما داموا يقيمون الصّلاة ويقيمون الحدود، فالنّصيحة تكون لهم والأمر والنّهي يكون لهم بما يناسب حالهم وواقعهم ومكانتهم، وهذا هو ما دلّ عليه الحديث، وأمّا ما صدر عمّن ذكرهما السّائل فإنّه لا يصلح دليلا على أنّ كلّ إنسان يريد أن يأمر وينهى أن يسلك مسلك الاثنين رحمهم الله، فالوقائع التي حصلت من سعيد بن جبير ومن العزّ بن عبد السّلام هذه لا يعلم السّائل ما أسبابها وملابستها حتّى وصلوا إلى إعلان النّصيحة هذا أولا.
ثانيا: لنفترض أنّه حصل من الاثنين نصيحة معلنة، وقد جاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "فلا يبده علانية"، أيّ القولين أولى بالاتّباع؟! قول المعصوم صلى الله عليه وسلم وهو حديث ثابت! أم قول شخص اجتهد وهو أهل للاجتهاد فأخطأ في اجتهاده، فهو لا يخلو من أن يكون مأجورا إن شاء الله، والخطأ معفو عنه وهذه قاعدة، أنّه إذا جاء الحديث عن المعصوم من كتاب الله أو سنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وجاء قول لبعض العلماء يخالف هذا النّص فبداهة أنّ الأولى بالتّقديم النّص الثّابت عن الله والثّابت عن رسوله صلى الله عليه وسلم، ونلتمس العذر لمن كان من أهل الاجتهاد وقد خالف النّصّ". [العقد المنضد الجديد في الإجابة على على مسائل الفقه والمناهج والتوحيد (ص 83)].
قال الشّيخ الفوزان حفظه الله: "نحن لا تأخذ قول فلان وقول فلان ونترك قول الرّسول صلى الله عليه وسلم، مع أنّنا لا يدرى هل ثبت هذا الكلام عن أحد الصّحابة أو لم يثبت، لكن لو قدر أنّه ثبت فلا قول لأحد مع قول الرّسول صلى الله عليه وسلم".[وجوب اجتماع الكلمة والائتلاف وتحريم الفرقة والاختلاف (ص 65)].
الشّبهة الرّابعة: أنّ الإسرار بالنّصيحة للأمير أصل، وإعلانها له فرع عنها.
الجواب عنها: لو كان حقّا لَبيّنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فكيف وأنّه نهى عنها.
قال الشيخ العلامة عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله تعالى: "لو كان ثمّة وجه آخر في مناصحة الحكّام لَبيّنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، إذ من المقرّر في علم الأصول: «عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة»، والحاجة ماسّة، فعلم أنّه لا وجه آخر، فهذا يردّ كلّ شبهة يتشبّت بها أهل البدع ومن يتحزّب نحوهم". [إمداد صادق الأماني بشرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني (ص 241)].
الشّبهة الخامسة: الإنكار العلني بالضّوابط.
الجواب عنها:
1 _ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن إعلان النّكير على الولاة مطلقًا ولم يجعل له ضوابط، ولو كان خيرا لعلمه للأمّة.
2 _ أنّ الإنكار العلنيّ باب شرّ لم يفتحه خير النّاس في القرون المفضّلة، ولو كان خيرا لسبقونا إليه بالضّوابط.
3 _ أنّ تقييد المطلق وضبطه بالضّوابط لا يصير ذلك إلّا بدليل شرعيّ، ليس في السّنّة شيء من هذا.
4 _ أنّ المنهي عنه يجب تركه واجتنابه لا أن يضبط بما لم يرد في الشّرع.
5 _ أنّ الإنكار العلنيّ باب شرّ أغلقه السّلف، وفتحه بأيّ ضابط كان لا يصيّره خيرا.
6 _ أنّ النّاس إذا خاضوا في الفتن، فالواجب قطع السّلسلة تجاههم، لا تمرير باطلهم بالضّوابط الباطلة.
7 _ أنّ هذه الضّوابط المحدثة لم تغلق باب الشّرّ أو قلّلت منه، وإنّما فتحت باب الشّرّ على السّلفيّين الذين كانوا في منأى عن بدعة الإنكار السّروريّة.
المبحث السّادس: حكم الإنكار العلنيّ وحكم أصحابه.
الإنكار العلنيّ بدعة محدثة في دين الله تعالى مخالفة لسنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنهج متبني هذا المبدأ منهج خارجي سروريّ، وليس من منهج السّلف.
قال الشّيخ الفوزان حفظه الله: "ليس التّرويج للأخطاء والتّشهير بها من النّصيحة في شيء، بل هو من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ولا هو من منهج السّلف الصّالح". [الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة (ص 48)].
قال الشّيخ عبيد الجابريّ رحمه الله:"من أجاز الإنكار العلنيّ علىٰ ولاة الأمر، إذا لم تكن فتنة فهذا تقييد ليس عليه دليل من كتاب ولا سنّة ولا هو قول إمام معتبر من أئمّة أهل السّنّة، بل هو نهج الخوارج القعدة".[إعداد المسلم من شرح مختصر المنذري على صحيح الإمام مسلم].
جواب الشّيخ العلّامة عبد العزيز بن باز رحمه الله عن سؤال: هل من منهج السّلف نقد الولاة من فوق المنابر؟ وما منهج السّلف في نصح الولاة؟
الجواب : "ليس من منهج السّلف التّشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر". [الموقع الرسمي].
قال مفتي الجنوب السّعودي الإمام أحمد بن يحي النّجمي رحمه الله: "الحقيقة أنّ الإنكار العلنيّ على الولاة أمر محدّث، ولم يكن من أصول السّنّة". [الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية (ص 19)].
فالحاصل أنّ السّنّة المتّبعة في مناصحة الحكّام أن تكون النّصيحة سرّا، فإن قبل المنصوح النّصيحة فذلك الخير المرجو، وإن كان غير ذلك فقد برئت ذمّة النّاصح ولا تبعة عليه، أمّا إعلان النّكير والنّصيحة للولاة فليس من السّنّة في شيء، وإنمّا هو من محدثات الأمور ومن منهج بني سرور.
وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.
كتبه: أبو البراء يوسف صفصاف
13 صفر 1445
29 أوت 2023
رابط تحميل المقال بصيغة وورد :
أضغط هنــــــــــــــا
رابط تحميل المقال بصيغة بي دي اف :
أضغط هنــــــــــــــــــا
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- الدولة : مصر
المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 48
رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
نقاش هادئ
مع القائلين بالإنكار العلنيّ على ولاة الأمور
أردت في هذه المداخلة الوجيزة مناقشة من تأثر من إخواننا الذين ينتسبون إلى المنهج السّلفيّ ويفتخرون بالانتساب إليه ومن شعارهم: لا قول مع قول الله ورسوله، ولكن إذا جاءت الفتن خالف تطبيقُهم تنظيرَهم وتخلفت بعض الأفعال عن شنشنة الأقوال، هؤلاء الذين تأثروا بتلك الفتوى التي أعادت إحياء شُبه السرورية في أصلهم الأصيل ومنهجهم الدخيل؛ ألا وهو الإنكار العلني على ولاة الأمور في غيبتهم، والتي أفتى بها محمد علي فركوس -أصلحه الله- مخالفا بذلك تقريرات كبار العلماء!
وسيكون النقاش هادئا -بإذن الله- بعيدا عن الصخب وتبادل التهم والتقاذف والتنابز، الغرض منه الوصول إلى الحقّ، ولذلك وجب التقديم بكلام يليق بالمقام
الحقُّ أحَقُّ أن يُتَبَعَ:
أخرج أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله بسنده إلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ جَوَامِعَ نَوَافِعَ، فَقَالَ: «اعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَزُلْ مَعَ الْقُرْآنِ حَيْثُ زَالَ، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْحَقِّ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَغِيضًا، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْبَاطِلِ فَارْدُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَبِيبًا قَرِيبًا»[ج١ ص١٣٤ طبعة السعادة]
وهذا الأثر من ابن مسعود رضي الله عنه وإن تُكُلِم في إسناده إلا أنَّ شواهده من الكتاب والسُنَّة أكثر من أن تُحْصَر والشاهد منه قوله رضي الله عنه: «وَمَنْ جَاءَكَ بِالْحَقِّ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَغِيضًا، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْبَاطِلِ فَارْدُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَبِيبًا قَرِيبًا»
فالحقُّ لا يحابى فيه قريب ولا حبيب ولا يُرَدُّ من بعيد ولا بغيض فإنَّ الخقَّ ضالة المؤمن متى وجده فهو أحقُّ به، وقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قوله: «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن»، قال السيوطي في شرحه: «قال التوربشتي: "أي بالعمل بها، واتباعها والمعنى؛ إنَّ كلمة الحكمة ربما تكلم بها من ليس لها أهل ثم وقعت إلى أهلها فهو أحق بها من غيره كما أنَّ صاحب الضالة لا ينظر إلى خساسة من وجدها عنده، كذلك المؤمن لا ينظر إلى خساسة من تفوه بالكلمة الحكمة بل يأخذها منه أخذ صاحب الضالة إياها ممن هي عنده»[قوت المغتذي على جامع الترمذي ج٢ ص٦٧٢-٦٨٢]
قال العلامة صالح الفوزان حفظه الله: «والواجب على المسلم أن يقبل الحق ممن جاء به؛ لأن الحق ضالة المؤمن أينما وجده أخذه، مع صديقه أو مع عدوه؛ لأنه يطلب الحق. أما إذا كان يعتبر الأشخاص فقط، فهذا دين أهل الجاهلية»[شرح مسائل الجاهلية ١٢٨ دار العاصمة]
الحَقُّ لا يوزن بالرجال:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وكثير من الناس يزن الأقوال بالرجال، فإذا اعتقد في الرجل أنه معَظَّم قَبِل أقوالَه وإن كانت باطلةً مخالفةً للكتاب والسنة، بل لا يصغي حينئذ إلى مَنْ يردّ ذلك القول بالكتاب والسنة. بل يجعل صاحبه كأنه معصوم. وإذا ما اعتقد في الرجل أنه غير معَظَّم ردَّ أقوالَه وإن كانت حقًّا، فيجعل قائل القول سببًا للقبول والرد من غير وزن بالكتاب والسنة»[جامع الرسائل والمسائل لشيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله المجلد السابع ص٤٦٢- ٤٦٥ دار عالم الفوائد].
فالمردُّ في مسائل النزاع هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
قال العلامة ابن باز رحمه الله: «ولا يخفى أنّ الحقّ ضالّة المؤمن متى وجدها أخذها، ولا يخفى أيضا أن المرجع في مسائل الخلاف هو كتاب الله عز وجل وسنّة رسوله وصفوته من خلقه نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}»[مجموع فتاوى ومقالات العلامة ابن باز ج١٢ ص٣٦٠].
فينبغي تَدَبُّرُ هذه المعاني قبل الشروع في المقصود
وهذا آوان المناقشة:
أولا: نصيحة ولَّاة الأمور أصل أصيلٍ من أصول منهجنا السّلفيّ، والدّليل على ذلك:
ما جاء في الحديث المتواتر وهو مخرّج في السّنن الذي قاله صلى الله عليه وسلم بمسجد الخيف من رواية ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: «ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ».
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم، أنّه صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ»
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فَقَدْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ؛ إخْلَاصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ تَجْمَعُ أُصُولَ الدِّينِ وَقَوَاعِدَهُ»[مجموع الفتاوى الجزء الأول ص١٨].
فانظر كيف جعل شيخ الإسلام رحمه الله هذه المذكورات في الحديث أصولا وقواعد جامعة للدين.
قال الشيخ أحمد بازمول حفظه الله: «النَّصيحة لوليِّ الأمر سراً أصلٌ من أصول المنهج السلفي الذي خالفه أهل الأهواء والبدع كالخوارج» [السنة فيما يتعلق بولي الأمة ص١٤٢]
ثُمَّ إنَّ الأئمّة ذكروها في كتبهم التي اعتنت بذكر أصول المنهج السّلفيّ؛ كما فعل ابن أبي عاصم في كتابه السنَّة فقال: «باب: كيفية نصيحة الرعية للولاة» ثمّ أورد تحته حديث عياض بن غَنم الأشجعي الدَّالِّ على إسرار النّصح لولاة الأمر [السنة لابن أبي عاصم ومعه ظلال الجنة الألباني ج٢ ص٥٢١ طبعة المكتب الإسلامي].
فإذا تبيَّن لك أنَّ هذه المسألة من أصول منهجنا فلا عِبْرَة بمن قال غير ذلك لأنَّه لا سلف له في ذلك
ثانيا: النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد بيَّن هذا الأصل بيانا شافيا لا يحتاج المسلم المُتَّبِع بعده إلى تخرصات المتخرصين، ولا إرجافات المبطلين، فقد جاء في الحديث الصحيح عند الإمام أحمد في المسند وابن أبي عاصم في السنة والحديث صححه الألباني من رواية عياض بن غنم الأشجعي رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانيّة ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه»[ظلال الجنَّة ج٢ ص٥١٢ طبعة المكتب الإسلامي]
ثمّ اعلم -أخي- أنَّ الصحابة رضي الله عنهم قد فهموا هذا البيان من النّبيّ صلى الله عليه وسلم فهما مثمرا للعمل فعملوا به وطبقوه وأذكر لك دليلين واضحيين كافيين:
١) ما أخرجه الشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما لما قيل له: « ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ »، فقال: «أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه».
قال القاضي عياض رحمه الله في شرح مسلم: «يعني فى المجاهرة بالنكير والقيام بذلك على الأمراء، وما يُخشى من سوء عقباه كما تولد من إنكارهم جهارًا على عثمان بعد هذا، وما أدى إلى سفك دمه واضطراب الأمور بعده»[إكمال المعلم ج٨ ص٥٣٨ دار الوفاء].
٢) ما أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال: «إن كنت فاعلًا ولابد، ففيما بينك وبينه»[مصنف ابن أبي شيبة ج٢١ ص٢٥٨ دار كنوز إشيبلية تحقيق الشثري]
والأثر يدل على أنَّ من خاف على نفسه القتل إذا أمر السلطان أو نهاه فيسقط عنه هذا الفرض فإن أمن ذلك فيأمره وينهاه فيما بينه وبينه ولهذا أورد هذا الأثر القاضي أبو يعلى في أدلّة سقوط الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر عند خشية القتل، كما هي الرواية عن الإمام أحمد، فقال بعد الأثر: «والجواب: إن معناه فلا يلزمك أن تأمره»[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأبي يعلى ص٩٨ مكتبة العلوم والحكم]
فإذا تبيَّن لك أخي هذا الأصل العظيم الذي بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك البيان الشافي والكافي وفهمه الصّحابة رضي الله عنهم وطبَّقوه تطبيقا عمليّا حتىّ جاءت فتنة ابن سبأ التي أخرجها الآجريّ في الشّريعة تحت بَابُ: «ذكْرِ قِصَّةِ ابْنِ سَبَأٍ الْمَلْعُونِ وَقِصَّةِ الْجَيْشِ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَتَلُوهُ»
ثمّ ساق القصّة بسنده فقال: «ثمَّ قَالَ لَهُمْ -يقصد ابن سبأ اليهوديّ- بَعْدَ ذَلِكَ: أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ جَمَعَ أَنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا , وَهَذَا وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَانْهَضُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ فَحَرِّكُوهُ وَابْدَءُوا بِالطَّعْنِ عَلَى أُمَرَائِكُمْ , وَأَظْهِرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ , تَسْتَمِيلُوا النَّاسَ , وَادْعُوا إِلَى هَذَا الْأَمْرِ , فَبَثَّ دُعَاةً , وَكَاتَبَ مَنْ كَانَ اسْتَفْسَدَ فِي الْأَمْصَارِ وَكَاتَبُوهُ , وَدَعَوْا فِي السَّيْرِ إِلَى مَا عَلَيْهِ رَأْيُهُمْ , وَأَظْهَرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ , وَجَعَلُوا يَكْتُبُونَ إِلَى الْأَمْصَارِ بِكُتُبٍ يَضَعُونَهَا فِي عُيُوبِ وُلَاتِهِمْ , وَيُكَاتِبُهُمْ إِخْوَانُهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ , وَيَكْتُبُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ إِلَى أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ بِمَا يَصْنَعُونَ , فَيَقْرَأُهُ أُولَئِكَ فِي أَمْصَارِهِمْ , وَهَؤُلَاءِ فِي أَمْصَارِهِمْ، حَتَّى يَنَالُوا بِذَلِكَ الْمَدِينَةَ , وَأَوْسَعُوا الْأَرْضَ إِذَاعَةً وَهُمْ يُرِيدُونَ غَيْرَ مَا يُظْهِرُونَ , وَيَسْتُرُونَ غَيْرَ مَا يَرَوْنَ»[الشريعة للآجري ج٤ ص١٩٨٤ دار الوطن تحقيق عبد الله الدميجي]
فهل بعد هذا البيان الشّافي في توضيح هذا الأصل يعارض بأقوال البشر ويستدرك عليه بآراء الرّجال فهل هذا إلّا تَنَكُّبٌ عن طريقة السّلف؛ كما قال ابن القيّم رحمه الله: لما ناقش مسألة وجوب التشهد الإبراهيمي فاعترض عليه بقول الفقهاء فقال رحمه الله: «وأما السؤال الثالث: ففي غاية الفساد، فإنه لا يعترض على الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف، فكيف يكون خلافكم في مسألة قد قام الدليل على قول منازعكم فيها مبطلًا لدليل صحيح لا معارض له في مسألة أخرى، وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم؛ فإنَّ الأدلة هي التي تُبْطلُ ما خالفها من الأقوال، ويُعْتَرَضُ بها على من خالف موجبها، فَتُقَدَّم على كلِّ قول اقتضى خلافها، لا أن أقوال المجتهدين تُعَارَض بها الأدلة وتُبْطِلُ مقتضاها وتُقدَّم عليها»[جلاء الأفهام ج١ ص٤١٣ عطاءات العلم].
وأخيرا يقال لمن اعترض على هذا البيان:
هل الإنكار العلني على ولاة الأمور في غيبتهم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام ؟!
فإن قلت: نعم، فقد كذبت عليهم.
وإن قلت: لا، فلا وسع الله على من لم يسعه ما وسع هؤلاء.
فأين الزّعم باقتفاء آثارهم مع التّنكب عن هديهم والإعراض عن سننهم بالتّأويل الفاسد والاعتراض الكاسد.
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- الدولة : مصر
المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 48
رد: مجموع منهج السلف في الإنكار العلني علي ولاة أمور المسلمين
متى يجوز الإنكار العلني على الحاكم
لا يجوز الإنكار العلني على الحاكم إلا فى وجوده وفى مجلسه وحسب ما تقتضيه الضرورة وألا يسبب فتنة وأما غير ذلك فلا يجوز .
فالواجب أن نناصح الحاكم سراً فيما صدر عنه من منكرات حرصاً على جمع الكلمة ،
لأن الغالب أن المجاهرة بالإنكار على ولي الأمر تؤدي إلى تهييج الشر والفتن فكان المشروع الإنكار عليه ووعظه سرًّا .
وهذا من حكمة الشَّارع ورحمته فإنَّ التَّعرُّض للسُّلطان ليس كالتَّعرُّض لغيره لِمَا يترتَّب على الخلل في معاملة الحكَّام من المفاسد العظمى والفتن الكبرى .
وأما الإنكار العلني الذى جاء عن بعض السلف :
فليس فيه دليل على جواز ذلك لأنه خاص بالإنكار أمام الحاكم فى وجوده وهو ما تقتضيه الحاجة والمصلحة وفي نفس المكان وهو ليس فيه تشهير ولاسب ولاتهييج .
فالإنكار العلني لا يكون إلا فى وجود الحاكم وحضوره وأن تتحقق مصلحة في ذلك وليس فى غيابه على المنابر وفى الصحف والتلفاز ومواقع التواصل الاجتماعى فهذا لا يجوز لأنه من أفعال الخوارج .
هذا وقد مضى أئمة السنة على عدم الجهر بالنصيحة لولاة الأمور ولا للعوام بل إذا أرادوا نصح أحد نصحوه سرا.
ومما يدل على ذلك :
1 - عن عياض بن غنم : أن رسول الله ﷺ قال : ( من أراد ان ينصح لسلطان بأمرٍ فلا يبدِ لهُ علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فانْ قبل منه فذاك والا كان قد أدى الذي عليه لهُ ). رواه ابن أبي عاصم وصححه الألباني في "ظلال الجنة" (2/ 522).
قال السندي في شرح الحديث : أي : نصيحة السُّلطان ينبغي أن تكون في السِّرِّ لا بين الخلق . انتهى من ( (حاشية السندي على المسند) ، 8) / /238
والنصيحة اسم عام يشمل أشياء كثيرة، كما في حديث « الدَّينُ النَصِيحَُة » ومنها الإنكار، فالإنكار حال من أحوال النصيحة.
2 - أخرج البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى في صحيحيهما : عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قيل له : ألا تدخل على عثمان رضي الله عنه لتكلمه؟ فقال : ( أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أوّل من فتحه ).اهـ.
فهذا الحديث صريح أنه لم يكن من منهاجهم الإنكار على الأمراء علنا وأنه أمر محدث .
قال في الفتح : " وقال عياض : ومراد أسامة : أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام، لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطف به، وينصحه سرا، فذلك أجدر بالقبول " .اه ([فتح الباري (٥٢/١٣)])
قال العيني في عمدة القاري:(23 / 33): " قوله : (( إني أكلمه سرا )) أي: في السر دون أن أفتح باب من أبواب الفتن حاصله أكلمه طلبا للمصلحة لا تهييجا للفتنة ،
لأن المجاهرة على الأمراء بالإنكار يكون فيه نوع القيام عليهم لأن فيه تشنيعا عليهم يؤدي إلى افتراق الكلمة وتشتيت الجماعة.
قوله : (( لا أكون أول من فتحه )) أي : أول من فتح بابا من أبواب الفتنة " ا.هـ
قال الشيخ الألباني في مختصره لصحيح مسلم (ص335) : " يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ؛ لأن في الإنكار جهاراً ما يخشى عاقبته، كما اتفق في الإنكار على عثمان جهاراً، إذ نشأ عنه قتله ".اهـ
3 - جاء في الحديث المتفق عليه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال : أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا وأنا جالس فيهم، قال : فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم رجلا لم يعطه وهو أعجبهم إلي،
فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته، فقلت : ما لك عن فلان، والله إني لأراه مؤمنا؟ قال : أو مسلما قال : فسكت قليلا، ثم غلبني ما أعلم فيه، فقلت : يا رسول الله.. إلى اخر الحديث.
قال الإمام النووي رحمه الله : قوله : ( فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساورته فقلت : ما لك عن فلان ) فيه التأدب مع الكبار وأنهم يسارون بما كان من باب التذكير لهم والتنبيه ونحوه ، ولا يجاهرون به فقد يكون في المجاهرة به مفسدة . انتهى من (شرح النووى على مسلم- كتاب الزكاة).
4 - أخرج أحمد بسنده عن سعيد بن جهمان قال : ( أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر فسلمت عليه.. قلت : فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم.
قال : فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال : ويحك يا ابن جهمان عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه ). رواه أحمد (4/382) (19434). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (6/235): رجال أحمد ثقات، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (542).
5 - وكذلك حديث أبي سعيد الخدري الذي يقول فيه : قال رسول الله ﷺ : « أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ». صحيح أبي داود.
دل الحديث على : أن النصيحة تكون فى حضور الحاكم وليس فى غيابه بقوله : « عند سلطان جائر» ولم يقل : «عند العامة».
6 - قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس : آمر إمامي بالمعروف؟ قال : " إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت ولا بدّ فاعلا ففيما بينك وبينه ولا تَغْتَب إمامك ". [أخرجه سعيد بن منصور، 746، وابن أبي شيبة، 38462، والبيهقي في شعب الإيمان، 7186، وإسناده حسن].
7 - عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال : " أيتها الرعية ! إن لنا عليكم حقا ، النصيحة بالغيب ، والمعاونة على الخير .... ". رواه هناد في ((الزهد)) (2/602) واللفظ له، والطبري في ((التاريخ)) (4/224).
قال القاضي عياض رحمه الله :
" قوله : ( دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ ) يعنى في المجاهرة بالنكير والقيام بذلك على الأمراء، وما يُخشى من سوء عقباه، كما تولد من إنكارهم جهارًا على عثمان بعد هذا، وما أدى إلى سفك دمه واضطراب الأمور بعده.
وفيه التلطف مع الأمراء، وعرض ما ينكر عليهم سراً، وكذلك يلزم مع غيرهم من المسلمين ما أمكن ذلك، فإنه أولى بالقبول وأجدر بالنفع، وأبعد لهتك الستر وتحريك الأنفة ". انتهى من "إكمال المعلم" (8/538).
وقال ابن القيم رحمه الله :
ومن دقيق الفطنة : أنك لا ترد على المطاع خطأه بين الملأ، فتحمله رتبته على نصرة الخطأ، وذلك خطأ ثان، ولكن تلطف في إعلامه به حيث لا يشعر به غيره . اهـ ((الطرق الحكمية)) (ص: 54).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قال المهلب : أرادوا من أسامة أن يكلم عثمان، وكان من خاصته، وممن يخف عليه في شأن الوليد بن عقبة، لأنه كان يظهر عليه ريح نبيذ، وشهر أمره، وكان أخا لعثمان لأمه، وكان يستعمله،
فقال أسامة : ( قد كلمته سرا دون أن أفتح بابا ) : أي باب الإنكار على الأئمة علانية، خشية أن تفترق الكلمة " . انتهى من ([فتح الباري (٥٢/١٣)])
قال الإمام الشوكاني رحمه الله :
ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد. بل كما ورد في الحديث : أنه يأخذ بيده و يخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله .
وقد قدمنا : أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن بلغوا في الظلم أيّ مبلغ ما أقاموا الصلاة ولم يظهر منهم الكفر البواح. والأحاديث الواردة في هذا المعنى متواترة . انتهى من ( كتاب السيل الجرار 4 / 556).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
" إذا صدر المنكر من أمير أو غيره ينصح برفق خُفْية ما يستشرف ـ أي ما يطلع ـ عليه أحد فإن وافق وإلا استلحق عليه رجلاً يقبل منه بخفية فإن لم يفعل؛
فيمكن الإنكار ظاهراً إلا إن كان على أمير ونصحه ولا وافق واستلحق عليه ولا وافق فيرفع الأمر إلينا خُفْية ". انتهى من (الدرر السنية (151/9)).
وجاء في الدرر السنية :
« إنكار المنكر على الولاة ظاهراً مما يوجب الفرقة والاختلاف بين الإمام ورعيته فإن لم يقبل المناصحة خفية فليرد الأمر إلى العلماء، وقد برئت ذمته » .انتهى من (الدرر السنية (9/153)) .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله :
على من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سراً لا علناً بلطف وعبارة تليق بالمقام . انتهى من (الرياض الناضرة) .
قال حنبل رحمه الله :
« اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله [ يعني أحمد بن حنبل ] وقالوا له : إن الأمر قد تفاقم وفشا – يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ، ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه،
فناظرهم في ذلك وقال : عليكم بالإنكار بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم،
وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر أو يُستراح من فاجر، وقال : ليس هذا بصواب، هذا خلاف الآثار .انتهى من (الآداب الشرعية (1/196))».
فكما رأيت أخي المسلم أن الواجب أن يناصح الحاكم سراً فيما صدر عنهم من منكرات ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس وفى مواقع التواصل الإجتماعى ،
لما ينجم عن ذلك غالباً من تأليب العامة وإثارة الرعاع وإشعال الفتنة .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
« فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضروريات الدين علنًا، وإنكار ذلك عليه في المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ وغير ذلك ليس من باب النصيحة في شيء،
فلا تغتر بمن يفعل ذلك، وإن كان عن حسن نية، فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدى بهم، والله يتولى الهدى ». اه (كتاب مقاصد الإسلام (ص393)).
وقال أيضا رحمه الله :
ولا بد من استعمال الحكمة، فإذا رأينا أن الإنكار علنا يزول به المنكر ويحصل به الخير فلننكر علنا،
وإذا رأينا أن الإنكار علنا لا يزول به الشر، ولا يحصل به الخير بل يزداد ضغط الولاة على المنكرين وأهل الخير، فإن الخير أن ننكر سرا،
وبهذا تجتمع الأدلة، فتكون الأدلة الدالة على أن الإنكار يكون علنا فيما إذا كنا نتوقع فيه المصلحة، وهي حصول الخير وزوال الشر،
والنصوص الدالة على أن الإنكار يكون سرا فيما إذا كان إعلان الإنكار يزداد به الشر ولا يحصل به الخير.
وأقول لكم : إنه لم يضل من ضل من هذه الأمة إلا بسبب أنهم يأخذون بجانب من النصوص ويدعون جانبا، سواء كان في العقيدة أو في معاملة الحكام أو في معاملة الناس، أو في غير ذلك.....
إلى أن قال : كذلك أيضاً في مسألة مناصحة الولاة، من الناس من يريد أن يأخذ بجانب من النصوص وهو إعلان النكير على ولاة الأمور، مهما تمخض عنه من المفاسد،
ومنهم من يقول : لا يمكن أن نعلن مطلقاً، والواجب أن نناصح ولاة الأمور سراً كما جاء في النص الذي ذكره السائل،
ونحن نقول : النصوص لا يكذب بعضها بعضاً، ولا يصادم بعضها بعضاً، فيكون الإنكار معلناً عند المصلحة،
والمصلحة هي أن يزول الشر ويحل الخير، ويكون سراً إذا كان إعلان الإنكار لا يخدم المصلحة، لا يزول به الشر ولا يحل به الخير.
وأنتم تعلمون -بارك الله فيكم- أن ولاة الأمور لا يمكن أن يرضوا جميع الناس أبداً، حتى إمام المسجد، هل يرضي جميع المصلين ؟ لا.
بعضهم يقول : تبكر! وبعضهم يقول : تطول! وبعضهم يقول : تقصر! وفي الشتاء يتنازعون والذي يصلي في الشمس والذي يصلي في الظلال لا يحصل الاتفاق،
فإذا أعلن النكير على ولاة الأمور استغله من يكره « وجعل من الحبة قبة» وثارت الفتنة، وما ضر الناس إلا مثل هذا الأمر!
الخوارج كانوا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على جيش الشام، وعندما تصالح علي مع جيش الشام حقناً لدماء المسلمين صاروا ضده، وقالوا : أنت كافر. كفروا علي بن أبي طالب -والعياذ بالله- لماذا ؟
لأن رعاع الناس وغوغاء الناس لا يمكن ضبطهم أبداً، وإعلان النكير على ولاة الأمور يستغله هؤلاء الغوغاء ليصلوا إلى مآربهم، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
« إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكنه رضي بالتحريش بينهم » بين من ؟ بين سكان الجزيرة، يحرش بينهم حتى تؤدي المسائل إلى القتل ويلاقي الإنسان أخاه في الإسلام وربما أخاه في النسب أو ابن عمه أو صهره فيقتله على أي شيء ؟ ولا على شيء.
فالحاصل أننا نقول : يجب على شباب الصحوة أن ينظروا إلى النصوص من جميع الجوانب، وألا يقدموا على شيء حتى ينظروا ما عاقبته،
إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت » فاجعل هذا ميزاناً لك في كل أقوالك، وكذلك في كل أفعالك، والله الموفق . انتهى من (لقاءات الباب المفتوح، لقاء رقم(62))
وقال أيضا رحمه الله :
الانكار على الحاكم مثل أن يقوم الانسان -مثلاً- في المسجد ويقول : الدولة ظلمت الدولة فعلت، فيتكلم في نفس الحكام،
وهناك فرق بين أن يكون الأمير أو الحاكم الذي تريد ان تتكلم عليه بين يديك وبين ان يكون غائباً، لأن جميع الانكارات الواردة عن السلف انكارات حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم .
وهناك فرق بين كون الأمير حاضراً أو غائباً. الفرق أنه اذا كان حاضراً أمكنه ان يدافع عن نفسه، ويبين وجهة نظره،
وقد يكون مصيباً ونحن مخطئون، لكن اذا كان غائباً وبدأنا نحن نفصل الثوب عليه على ما نريد هذا هو الذي فيه الخطورة،
والذي ورد عن السلف كله في مقابلة الأمير أو الحاكم، ومعلوم ان الانسان لو وقف يتكلم في شخص من الناس وليس من ولاة الأمور وذكره في غيبته،
فسوف يقال : هذه غيبة، اذا كان فيك خير فصارحه وقابله . اه (اللقاء المفتوح لابن عثيمين (ص814-816))
فهنا يتضح كلام الشيخ ابن عثيمين أن المقصود أن الأنكار على الحاكم يكون أمامه وليس في غيبته أو علانية في ظهره .
وقال أيضا رحمه الله :
فالله الله في منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور،
فهذا عين المفسدة وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس، كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى، وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها،
فإذا حاول أحد أن يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن، لأن الناس إن تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم، وإن تكلم الأمراء تمردوا على كلامهم وحصل الشر والفساد،
فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان وأن يضبط الإنسان نفسه وأن يعرف العواقب، وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام،
فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال بل العبرة بالحكمة، ولست أريد بالحكمة السكوت عن الخطأ،
بل معالجة الخطأ لنصلح الأوضاع لا لنغير الأوضاع، فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها . انتهى من (معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة (ص32)) .)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع،
ولكن الطريقة المتبعة عند السلف : النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.
أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل : فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة. ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكما ولا غير حاكم .
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان : قال بعض الناس لأسامة بن زيد : ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه.
ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان وأنكروا على عثمان علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية،
وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه،
وقد روى عياض بن غنم الأشعري، أن رسول الله ﷺ قال : من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه.
نسأل الله العافية والسلامة لنا ولإخواننا المسلمين من كل شر، إنه سميع مجيب . وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه . انتهى من ("مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (8 / 210 – 211)).
وهذا الذي قرره الشيخ ابن باز رحمه الله هو امتداد لما عليه السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعين رحمهم الله ومن سلك مسلكهم من أهل العلم والدين .
تنبيه : إذا اختلفت أقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة فالعبرة بما وافق الدليل الصحيح فلا عبرة بقول أحد أبداً بعد قول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ،
وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على ولاة الأمور فيما يصدر عنهم من منكرات وأن ننصحهم سرا عندهم فى مكانهم والأحاديث فى ذلك كثيرة .
فالمخالف للنص من الصحابة والتابعين يعتذر له ولا يترك النص بسببه فقد يكون لم يبلغه النص أو نسيه ،
وفي هذا ألّف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه العظيم "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" فليراجع، ومن هذا خروج جماعة من السلف بالسيف على الولاة، فهل يُحتج بفعلهم في رد النصوص؟!! .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
إذا جاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أقاويل مختلفة يُنظر إلى ما هو أشبه بالكتاب والسنة فيُؤخذ به،
فإن تعذر ذلك من نص الكتاب والسنة؛ أُعتبرت أقاويلهم من جهة القياس فمن شابه قوله أصلاً من الأصول أُلحق بها .اهـ (كتاب الفقيه والمتفقه)
الخلاصة
الأصل أن ينكر على ولاة الأمر برفق سرا لا علانية أمام الناس للأدلة السابقة ولكن يستنى من هذا الأصل جواز الإنكار على ولي الأمر علانية بشرطين :
1- أن يكون أمام ولي الأمر لا بغيابه .
2- أن تتحقق مصلحة في ذلك .
- فإذا كان الحاكم
ممن عرف بتقواه وصلاحه وتقبله للنصيحة في العلن فى وجوده وليس فى غيابه ولم يكن في تأديتها جهراً منابذته والتشهير به ،
أو الخروج عن طاعته التي عرفها الشرع وغلب الظن أن المصلحة فيها ستكون أعظم من المفسدة حسب الزمان والمكان، فلا بأس بذلك ومن ذلك:
عن أبي سعيد الخدري قال : أخرَجَ مروان المنبر في يوم عيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال : يا مروان خالفت السنَّةَ؛ أخرجت المنبر في يوم عيد؛ ولم يُخرَجْ فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، فقال أبو سعيد : من هذا؟
قالوا : فلان بن فلان. فقال : أمَّا هذا؛ فقد قضى ما عليه؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من رأى منكم منكراً فليغره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ». أخرجه مسلم. وجاء في الصحيح : أن أبا سعيد رضي الله عنه جلس واستمع الخطبة ثم صلى معه .
- وإذا كان الحاكم
ممن لا يُعرف بتقوى أو صلاح أو يغلب عليه كراهية من ينصحه جهراً أو لكونه قد يفهم من نصيحة الجهر الخروج عليه وغلب الظن أن المفسدة ستكون أعظم من المصلحة،
فهذه النصيحة لا تحل جهراً لأنها ستؤدي إلى مفسدة أعظم ومن ذلك:
الفتنة التى حصلت فقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان بسبب الإنكار عليه جهراً والخروج عن طاعته، فاجتمعوا عليه وقتلوه،
ومثل ذلك فتنه عبد الرحمن بن الأشعث الذي كان يجهر بالإنكار على السلطان حتى خرج عن الخليفة عبد الملك بن مروان وقد فتن في هذ المحنة بعض العلماء وأفاضل التابعين وقتل بسببها أكثر من مائة ألف رجل .
فالقاعدة الشرعية المجمع عليها : أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
« لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه، ولهذا حرم الخروج على ولاة الأمور بالسيف، لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذنوب،
وإذا كان قوم على بدعة أو فجور، ولو نهوا عن ذلك، لوقع بسبب ذلك شر أعظم مما هم عليه من ذلك، ولم يمكن منعهم منه، ولم يحصل بالنهي مصلحة راجحة،لم ينهوا عنه ». انتهى من [مجموع فتاوى ابن تيمية ج14 ص472.]
والله اعلم
أبو عبد الله أحمد بن نبيل- المشرف العام
- الدولة : مصر
المساهمات : 2369
تاريخ التسجيل : 21/02/2024
العمر : 48
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
» مجموع منهج السلف في النقد والتحذير
» مجموع منهج السلف في تحريم الخروج علي الحكام
» مجموع منهج السلف في طاعة ولي الامر في غير معصية الله
» مجموع فتاوى العلماء السلفيين المعتبرين في منهج الموازنات
» تحذير المسلمين من القراءة في تاريخ الطبري بدون دراية بما فيه!
» مجموع منهج السلف في تحريم الخروج علي الحكام
» مجموع منهج السلف في طاعة ولي الامر في غير معصية الله
» مجموع فتاوى العلماء السلفيين المعتبرين في منهج الموازنات
» تحذير المسلمين من القراءة في تاريخ الطبري بدون دراية بما فيه!
صفحة 2 من اصل 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى